هبة الآغا - الشارقة
احتراق الغريب لوجع الحبيب
كل يوم تفاجئنا الدنيا بجديدها، ويسكن الحزن مرابعنا، ويطول مكوثه. ليس الحزن جديداً علينا، فقد جبلنا على الوجع وعلى النزف، عرفنا أن الفلسطيني أينما ذهب، لابد أن يحترق من الغربة ومن أوجاع أحبته في الأرض المحتلة.
بيت حانون: كانت تجربة الحزن الذي أرقنا، أجل. كنا هناك أرواحاً متناغمة مع أهلنا، كنا مذبوحين مثلهم، نتمنى لو كنا مكانهم، أو على أقل القليل أن نخفف شيئاً من أوجاعهم وآلامهم.
ليست بيت حانون فحسب، كلما يجرح الوطن في كرامته ننتفض ألماً في غربتنا، تبدأ أقلامنا تنزف، ودمع العين يرويها، تبدأ أحاسيسنا تبتعد عن كل شيء وتجتمع فقط في تلك البقعة التي تغمرها الدماء والآهات.
في بيت حانون كان آخر المشاهد التي احتوتها ذاكرتنا الممتلئة بصور الدماء. يا إلهي كم تتشابه الصور! برك الدماء ذاتها، الأطفال، الموت يشبه بعضه خاصة إن كان القاتل واحدا، كل الشهداء كان يفوح منهم المسك المعبق للمكان، كانوا يبتسمون لأنهم سيذهبون إلى هناك، حيث الجنة.
عبير: كانت صديقتي القاطنة هناك، كانت كثيراً ما تغيب عن مقاعد الدراسة لأن بيت حانون يحتلها الغرباء. جاءت ذات مرة وهي تبكي، فخالها قد استشهد، توزع الألم على كل التلميذات، ومسحنا على حزن عبير.
يوم الامتحان لم تأتِ. اللعنة لقد عادوا لبيت حانون مرة أخرى. وهل عبير بخير؟ قالوا: "نعم." آخرون قالوا: "هدم بيتهم." تسمرنا في مكاننا، طلبنا من المعلمة تأجيل الدرس، جلسنا جميعاً ندعو لعبير وأهل بيت حانون.
اليوم وأنا هنا لا أدري ماذا حدث لعبير. هل لا زالت بخير؟ بيت حانون جديدة وعبير هناك، تشهد كل الجروح. بحثت هنا وهناك عن أي وسيلة اتصال بها، لم أجد. بعد يومين أخبرتني إحدى صديقاتي هناك أن عبير تزوجت وذهبت إلى مصر منذ فترة.
وعدت كما السابق، الألم يعتصرني، من تلفاز إلى مذياع، إلى شبكة الإنترنت. ألتصق بالأخبار التصاقاً، هذا أقل ما أفعله في هذه الأحداث الجسيمة. كم أشتهي أن أكون هناك في هذه اللحظات! لا أدري ماذا يمكن فعله، لكن ... ليس بوسعي فعل الكثير.
بيت حانون: لكِ العز والسلامة. أسطورة الدم والجنة، ملاحم من البطولة والفداء. كانت هناك. في شمالك أيها القطاع، كان الأحبة يتلونون بالحزن والسواد؛ ثكالى، يتامى، منكوبين، كل شيء هناك كان يوحي بالموت، ونحن هنا نحترق معهم، نحترق، نحترق. ولا نملك لكم سوى الدعاء بالحفظ والسلامة والنصر.
أستودعكم الله يا أحبتي. قلبي ينبض معكم، وأشواقي ترحل إليكم.
◄ هبة محمد الأغا
▼ موضوعاتي