عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » أرشيف أعداد عـود الـنـد » أرشيف الأعداد الفصلية: 2016- » أعداد السنة 14 » العدد الفصلي 13: صيف 2019 » كلمة العدد الفصلي 13: ثنائية الكتاب الورقي والرقمي

عدلي الهواري

كلمة العدد الفصلي 13: ثنائية الكتاب الورقي والرقمي


.

عدلي الهواري 2018لا أظن أن حديث الكثير من الناس عن تفضيل الكتب الورقية سوف يتوقف. حجتهم قوية طبعا، فملمس الورق ورائحته لهما رونق لا يتوفر في الكتب الرقمية. ولكن هذا التفضيل المبرر يُهزم أمام مميزات النشر الرقمي. ولبرهنة وجهة النظر هذه سوف أسلط الضوء على عملية نشر كتاب ورقي، والمصير الذي ينتظره بعد ذلك.

ربما أمضيتَ عاما في تأليف كتاب، وأصبحت جاهزا لنشره. أولى مشكلاتك ستكون البحث عن دار نشر تقبله. في البداية ستكون واثقا أن كتابك فيه مساهمة معرفية مهمة ستجعل أكثر من دار نشر تسعى إلى نشره لك على حسابها. ولكنك سرعان ما تكتشف أنك واهم. قد يأتيك رفض نشر الكتاب على حساب الدار مكتوبا بأسلوب دبلوماسي، فيقال لك إن لجنة القراءة لم تجزه، أو أن نشر الكتاب ليس ضمن خطة النشر لهذا العام، أو شيء من هذا القبيل.

سوف تكتشف بسرعة أن الكثير من دور النشر مستعدة لأن تنشر كتابك مقابل مبلغ معين من المال. إن كنت مستعدا لدفعه، ترسل إليك دار النشر عقدا فيه القليل من الحقوق لك، والكثير من الحقوق لها. سيتركز اهتمامك الآن على اختيار دار نشر جديرة بالثقة، بمعنى أن المال الذي ستحوله إلى حسابها لن يضيع، بل سيصدر مقابله كتاب ورقي، وستحصل على عدد معين من النسخ.

بعد شهور قليلة أو كثيرة سوف تصلك حصتك من نسخ الكتاب. وستصدر أنت أو دار النشر بيانا صحافيا يعلن صدور الكتاب الجديد. وقد تكون محظوظا أو لديك الكثير من المعارف في الوسط الإعلامي، فينشر خبر صدور الكتاب مع صورة للغلاف وأخرى لك. وستعلن في صفحتك في فيسبوك أن كتابك قد صدر، فيأتيك الكثير من التهاني.

عندما تستلم الكتاب سوف تكون قلقا وفرحا: أسباب القلق متعددة، ومنها أنك تخاف أن تكون الطباعة رديئة، وفي حال طباعة كتاب عربي في بلد أجنبي، تقلق من أن تكون صفحات الكتاب مرتبة ككتاب إنجليزي. وستفرح طبعا لأن حلمك تحقق. سوف تتفهم حديث الكثير من الناس عن تفضيل الكتاب الورقي، وستقول "معهم حق". قد تضم الكتاب، وتقبله، وتضعه تحت مخدتك، وستقرأه أكثر من مرة.

إلى الآن لم يقرأ أحد كتابك سواك. لا الذين اطلعوا على خبر صدوره قرأوه، ولا الذين هنأوك بصدوره تصفحوه.

حتى لو قامت دار النشر بتوزيع كتابك جيدا في الدول العربية، وكان بين الكتب التي تشارك بها في معارض الكتب، ستكون محظوظا إذا بيع من الكتاب بعض النسخ.

سوف تهتم بإيصال نسخ من كتابك إلى الأصدقاء وأشخاص من فئة المثقفين الذين تكنّ لهم الاحترام. ومن المحتمل كثيرا أن يطلب بعض مهنئيك بصدور الكتاب نسخة لهم. ستكون محظوظا إذا كانت أغلبية المهتمين بالاطلاع على الكتاب في مدينتك، بحيث يمكنك تسليمهم الكتاب باليد. أما إذا كانوا في دول مختلفة، فلا بد من استخدام البريد.

سوف تكتشف أن كلفة كل كتاب ترسله بالبريد أكبر من كلفة طباعة النسخة الواحدة. والأهم من ذلك، أن الكتاب لا يصل أحيانا حتى لو أرسل بالبريد المسجل. الخدمة البريدية في الدول العربية متفاوتة الجودة. بعض الدول تصل إليها الكتب المرسلة بالبريد العادي، وأخرى بالبريد المسجل فقط. ولكن بعض الكتب لا يصل.

سرعان ما ستكشف لك تجربة نشر كتاب ورقي أن المعاناة المصاحبة لها متعددة الجوانب. ستشعر أن كتابك مثل الطفل الذي يرتدي ملابس العيد، ولكنه يبقى جالسا في البيت. ورغم المبلغ الكبير الذي دفعته من أجل نشر الكتاب، وتحمل تكاليف إضافية لإرساله بالبريد، ستكون محظوظا إذا قرأه كل من حصل على نسخة منه. وستكون محظوظا أكثر لو كتب أحد عرضا له ونشره في صحيفة أو موقع ما. وإذا كانت حصتك من نسخ الكتاب كبيرة، سيتبقى لديك في البيت صندوق مليء بالكتب.

بعد أن تخوض غمار هذه التجربة، سوف تصل إلى استنتاج لا مفر منه: لو نشرت الكتاب رقميا لما اضطررت لدفع مبلغ كبير لدار النشر، ولما اضطررت للانتظار بضعة أشهر قبل صدور الكتاب، ولن تضطر للذهاب إلى مكتب البريد وإرسال نسخ من الكتاب إلى عناوين في بلدك وخارجه. الإرسال بالبريد الإلكتروني لن يكلفك شيئا، وسوف يصل خلال ثوان إلى المرسل إليه، الذي من المحتمل أن يؤكد لك استلامه، ويشكرك على إرساله.

ويمكنك أن تتيح خيار تحميل الكتاب بأن تضعه في موقع ما أو غوغل درايف. في هذه الحال، فرص توزيع كتابك أكبر بكثير من أي عملية توزيع لكتب ورقية، واحتمال أن يصل إلى أيدي قارئ أو باحث أقوى بكثير من احتمال وصول الكتاب الورقي.

الحل الممكن لتلبية رغبتك في نشر كتاب ورقي وفي الوقت نفسه توزيعه على أوسع نطاق هو إصدار الكتاب بصيغتين: ورقية ورقمية. تكون الورقية بعدد قليل (مئة مثلا). ولن تحتاج إلا نسخة رقمية واحدة ترسلها بالبريد الإلكتروني أو تجعلها متوفرة للتحميل من موقع ما. لكن هذا الحل غير متوفر بعد في الدول العربية، أو غير منتشر. دور النشر التقليدية لن تقبل أن تنشر لك الكتاب ورقيا ورقميا في وقت واحد.

مسألة نشر كتاب في نهاية المطاف أكبر وأعقد من مجرد تفضيل ملمس ورائحة الورق على القراءة باستخدام جهاز إلكتروني. قد لا تقتنع إلا بعد خوض التجربة. وستقدر أهمية توفر أي كتاب بصيغة رقمية عندما تعد بحثا له علاقة بكتاب ورقي غير متوفر في أي من مكتبات بلدك.

D 1 حزيران (يونيو) 2019     A عدلي الهواري     C 0 تعليقات