مي العيسى - العراق
كوْرا: قراءة في نصوص من التبت
أدب عالمي مترجم
شدّ انتباهي كُتيّب كورا (Kora) بأشعاره وقصصه القصيرة للشاعر التبتي تنزين سيندو (Tenzin Tsundue) المولود في عام 1974، الذي يصف نفسه بالمناضل التبتي (ص 55).
"كوْرا" بلفظها التبتي تعني الطواف بطقوس دينية، أي السير على الأقدام أو الحبو متسلقا الجبال لمسافة 4800 مترا وبتعبّد. كما أنّها تعني الثورة. وها هو تسيندو قد جمع المعنيين في كتيّبه، الصغير بكلماته، والعميق بفحواه.
صدرت الطبعة الثانية عشرة من الكتيب في عام 2017، وتتكون من 55 صفحة. الكتيب من إصدارات مجموعة " التبت تكتب"، وهي المجموعة التي أسسها شعراء وكتّاب التبت، وموّجهة للعالم أجمع باللغة الإنكليزية لإيصال صوت النضال من أجل الحرية للتبت، التي ضمتها الصين إلى أراضيها في عام 1950.
في عام 1999، انضمّ تسيندو إلى أصدقاء التبت في الهند مكونين شبكة من المؤيدين مع الهنود لزيادة التوعية بشأن قضية التبت. لفت تسيندو الأنظار له في كانون الثاني (يناير) 2002 حين تسلق أربعة عشر طابقا من الجدران الخارجية لأوتيل مومباي كيّ يواجه تشو رونغجي، رئيس مجلس الدولة الصيني آنذاك، بشعار "الحرية للتبت" مع عَلَمها الرسمي، فألقت الشرطة الهندية القبض عليه. أعاد ذلك ثانية في 2005 حين زار الهند وَن جياباو، رئيس مجلس الدولة الصيني فقد وقف في أعلى شرفة في بناية المؤسسة الهندية للبحوث العلمية في بنغالور مناديا بأعلى صوته: "لا تستطيع إخمادنا" ومنعته الشرطة الهندية من مغادرة دارامشالا حيث يسكن الآن عندما زار الرئيس الصيني، هيو جنتاو، الهند في 2006.
زاد الحدث الأول من شهرته وانتشار كتابه "كورا" الذي بيع منه ألفا نسخة إثر ذلك. وقد زادت إلى أربعة آلاف نسخة في 2017 رغم مؤلفاته السابقة والتالية، إذ نشر مجموعته الشعرية "عبور الحدود" في 1999 حين كان يحضّر رسالة الماجستير في جامعة مومباي. وفاز بجائزة آوتلوك-پيكادور للأعمال المختصة في 2001؛ ثمّ سَمشوك (2007) وتسَن-غُل (2012). هذا بالإضافة إلى مشاركاته بالنشر في عدة دوريات من ضمنها إنترناشونال پَنْ.
أجبر والدا تسيندو على النزوح من أرضهما منذ عام 1959 خوفا من الإعدام على أيادي المحتلين الصينيين. وقد ولد المناضل تسيندو في مانالي شمالي الهند. وقد أخذ عهدا على نفسه لتحرير التبت رابطا جبينه برباط أحمر معلنا أنه لن يخلعه حتى إقصاء آخر صينيّ من التبت.
بعد تخرج تسيندو من جامعة مدراس في جنوب الهند، تسلّق الجبال الجليدية عابرا جبال الهمالايا على قدميه داخلا إلى التبت المحرّمة عليه لينضمّ إلى المناضلين من أجل الحرية ومن داخل وطنه. كانت شرطة الحرس الحدودي الصيني بالمرصاد له إذ استجوبته واحتجزته في لهاسا (Lhasa)، عاصمة التبت، ثلاثة أشهر وأعادته إلى الهند لاحقا.
يهدي تسوندو كتيّبه "إلى مناضلي التبت الذين لم يتخلوا عن أحلامهم من أجل الحرية: أضع جبهتي على أقدامكم. أنحني لكم". صمم بنفسه غلاف الكتاب الأسود بتخطيطه الذهبي والذي يمثّل صعود العجوز التبتي ضمن المراسيم الدينية البوذية ولكأنها بصمة العودة وثقل الأوجاع.
في نهاية كلّ نصٍّ وقصة قصيرة علامة النملة السوداء التي ترمز ضمن ما ترمزه إلى القوة والعزيمة والولاء، وهي صفات تنزين تسوندو.
يتكون الكتيّب من جزأين، الأول للنصوص الشعرية، والثاني للقصص القصيرة وضمنها يتحدث عن كوْرا وصعود ذلك العجوز خطوة خطوة إلى أعلى الجبل المقدس مؤديا التقاليد المقدّسة؛ ويختمها بمقابلة معه نشرت في صحيفة ديلي ستار البنغلاديشية في 2003 تحت عنوان "وُلدتُ لاجئا" (ص 48). يتضمن الكتيب أيضا نبذة عن المؤلف (ص 55) وأخرى عن مجموعة "التبت تكتب".
تتسم لغته بالبساطة والقوة والعمق. فها هو يصف لنا صعوبة الحياة التي يواجهها يوميا في "تبتي في مومباي" والاستهزاء به؛ ففي النهار يعمل طبّاخا في مطعم صيني للأكل السريع فـ"يظنون أنّه صيني هرب من بيجين" وبمسبّة تختلط فيها اللغات. ويستهزؤون به فيستشيط غضبا عندما يقولون: "تشنغ تشونغ. پنغ پونغ" ويوّد لو أنّه يحلم، إلاّ أنّه "تَعبٌ من السنوات الأربعين وهو يجلس في الغبار والبصاق" (ص 18).
ومن ضمن النصوص الشعرية "الأفق" (ص 9) حيث يقول:
عدّ الخطوات
وتحتفظ بالرقم.
التقط الصخور البيضاء
…
فقد تحتاج
أن تعود إلى الوطن ثانية.
أما في نصّ "كَوني تبتيّا" (ص 13):
في كل مركز بريد ومكتب
أنا "هندي-تبتيّ"
هي شهادة تسجيلي
أجددها كلّ عام بتحية "سلام"
غريبٌ وُلد في الهند.
أنا أكثر من هنديّ
عدا تقاطيع وجهي التبتي
"نيبالي" "تايلندي" "ياباني"
"صيني"
…
وليس بتبتي أبدا
أنا تبتي
ولكنني لست من التبت
لم أزرها
نعم. أحلم
أن أموت هناك.
يذكّرني المقطع الأخير نوعا ما بالسيّاب وقصيدة "غريبٌ على الخليج" وبأناسٍ تهجّروا وهُجّروا رغما عنهم.
يعاني المهاجرون المعاناة ذاتها أينما كانوا لا سيّما السياسيون منهم سواء وُلدوا في موطنهم الأصلي أم في المنفى. وجع فقدان الأرض. ثم نبذهم في المجتمع الجديد ليكون إرهابيا بنظر المحتل.
ها هو في أنا إرهابيّ (ص 20) يحكي قصة ولكأنّها قصة العربيّ المهاجر لأختتم بها قراءتي.
أنا إرهابيّ
أنا إرهابيّ
أحبّ أن أقتل.
لديّ قرنان
نابان
وذيل يعسوب.
طُوردت من بلدي، بعيدا،
خوفُ يؤويني،
حين أنقذ حياتي،
تُضرَب الأبواب بوجهي،
العدالة، تُرفض باستمرار
يُختبر الصبر
في التلفاز
...
أمام صمت الأغلبية
تُحصر على الحائط (في الزاوية)
من تلك النهاية
عدتُ.
أنا الإذلال
الذي امتصصتَ
بأنفك المسطح
أنا الخزيُ
وها أنت تهرع مني في الظُلمة
أنا الإرهابيّ
أقتلني
الجُبنُ والخوفُ
تركتهما
في الوادي
بين مواء القطط
وحضنَ الكلابِ.
أنا الأعزب
لا أخسرُ أحدا.
أنا الرصاصة
لا أفكرْ.
من غلافها
أنطلق نحو الإثارة
ثانيتان من الحياة
وأموت مع الأموات
أنا الحياة
التي تركتَ.
= = =
المراجع
1. تنزين تسوندو، كوْرا، 2017، التبت تكتب، الهند.
2. ويكيبيديا.
- غلاف كتيب كورا عن التبت