نبيلة دين - الجزائر
النظرية الخليلية للعلامة الحاج صالح
النظرية الخليلية للعلامة الحاج صالح: قراءة في الأسس والمفاهيم
تعد النظرية الخليلية قراءة تقويمية جديدة لما تركه العلامة الخليل بن أحمد الفراهيدي وتلميذه سيبويه خاصة. وذكرنا سيبويه لأن أغلب أقوال الخليل العلمية وجدناها مبثوثة في كتابه، حيث قام بتجاوز ما ذكره شيخه بتوسيع وتوضيح المفاهيم التي استقاها واستنبطها من شروحه ودروسه وتوجيهاته.
وقد بين العلامة عبد الرحمن الحاج صالح أهمية هذه النظرية في قوله: «وقد صارت النظرية منذ ذلك الوقت العماد النظري اللغوي لعدة دراسات قام بها باحثون من مختلف الآفاق العلمية وخاصة من مركز البحوث لترقية اللغة العربية بالجزائر من مهندسين في الحاسوبيات وأساتذة في اللغة العربية والإنجليزية وباحثين في أمراض الكلام» [1].
أولى الحاج صالح أهمية قصوى لهذه النظرية، ما يكشف لنا عن قيمتها في تحسين الطرح اللساني العربي وتوجيهه حسب ما يناسب اللغة والفكر والمفاهيم اللسانية العربية.
يتضح مما سبق أن ما خلفه لنا الخليل احتاج إلى تجديد وتطوير وبحث حتى يصبح عمادا وقاعدة لكل طرح أو نظرية لسانية عربية، مع العلم أن اللسانيات تجمع بين أطراف وتخصصات متنوعة من مهندسين وأساتذة ومختصين في أمراض الكلام.
وهذا ما حاوله عالمنا الخليل حين أراد الجمع بين المفاهيم اللسانية التراثية ونظيرتها المستحدثة، فقد مكنه فكره الموضوعي من أن يحافظ على خصوصية اللغة العربية مع محاولة مواكبة المفاهيم الجديدة المستحدثة.
ويقول الحاج صالح موضحا فكرة تأسيس نظريته: «وقد حاولنا منذ ما يقرب من ثلاثين سنة أن نحلل ما وصل إلينا من تراث فيما يخص ميدان اللغة، وبخاصة ما تركه لنا سيبويه وأتباعه ممن ينتمي إلى المدرسة الخليلية وكل ذلك بالنظر في الوقت نفسه فيما توصلت إليه اللسانيات الغربية. وكانت النتيجة أن تكون مع مرور الزمان فريق من الباحثين ... يريد أن يواصل ما ابتدأه الخليل وسيبويه» [2].
وهذا ما يبين اهتمام الحاج صالح بالتراث واشتغاله عليه وشدة حرصه على تحليله ومحاولة ربطه بالمفاهيم اللسانية الحديثة. ثم قال: «والذي نريد أن ينتبه إليه إخواننا الباحثون هو وجود نظرية استخرجها بعض الباحثين الجزائريين مما أخرجه علماء النحو الأولون» [3].
إذن هي نظرية لغوية لسانية حديثة مستقاة من المفاهيم النحوية لعلمائنا الأولين، ونخص بالذكر الخليل وسيبويه. وأهم الأسس والمعالم التي بنى عليها العلامة الحاج صالح نظريته يمكن حصرها في الآتي:
= مفهوم الاستقامة وما إليها وما يترتب على ذلك من تفريق بين ما يرجع إلى اللفظ وما يرجع إلى المعنى.
= مفهوم الانفراد في التحليل وما يتفرع من هذا المفهوم.
= مفهوما الوضع والعلامة العدمية.
= مفهوما اللفظة والعامل.
وتوجد مفاهيم أخرى متفرعة عن المفاهيم المذكورة مثل مفهوم الأصل والفرع؛ ومفهوم التفريع؛ ومفهوم القياس. وفيما يلي توضيح لهذه المصطلحات.
الاستقامة: تحيلنا الاستقامة إلى مرتكز التحليل للنحاة القدامى، الذي كان يقوم من جهة اللفظ وحده، ومن جهة أخرى على المعنى، فاللفظ إذا فسر بمفاهيم تخص المعنى، فالتحليل معنوي لا غير. أما إذا فسر اللفظ دون أي اعتبار للمعنى فهو تحليل لفظي نحوي، فالنحاة العرب لم يخلطوا أبدا بين هذين التحليلين، حيث يقول الحاج صالح: «فالتخليط بين هذين الاعتبارين يعتبر خطأ وتقصير» [4].
الانفراد وحد اللفظة: فالانفراد يمثل طريقة النحاة السابقين في ضبط وحدات اللغة سواء جملا أو ألفاظ، والتبرير لها بالاعتماد على اللغة ذاتها بإقحام شيء مفترض كما هو الحال في النظريات اللسانيات الحديثة مثل التوليدية. أما مصطلح اللفظة فيعني الكلمة التي يمكن انفرادها، كما تعني الكلمة بلواحقها التي لا تخرجها عن بابها مع امكان نيابتها عن تلك الكلمة المنفردة. وإذا أردنا التوضيح بمثال نأخذ: الاسم الذي قد يكون كلمة مفردة وقد تدخل عليه زوائد لكن لا تخرجه عن حد الاسمية، التي تتسم بالانفصال والابتداء مثل: الطالب المتخلق الذي تفوق. اليوم لفظة واحدة مكونة من مجموعة كلمات، ولكن بقي الاسم على حاله ولم تخرجه عن بابه.
الموضع والعلامة العدمية: الموضع وهو ما يمثل المحل الذي يمكن أن يوضع فيه عنصر من العناصر المؤثرة، فإذا لم يحمل ذلك المحل عنصرا سمي علامة عدمية وهي التي تختفي في موضع لمقابلتها لعلامة ظاهرة في موضع آخر.
العامل: يرتبط مفهومه في هذه النظرية بالبنية التركيبية للجملة، فالعامل هو المحرك الرئيس لعناصرها والموجه لعلاقاتها ولإسناد الحركات الإعرابية المناسبة لها.
الأصل والفرع: إن فكرة الأصل والفرع عند النحاة نجدها تتعلق بالعنصر الثابت أو النواة، أما الفرع فهو الأصل بزيادة ايجابية أو سلبية. والأصل كذلك هو ما يبني عليه ولم يبنى على غيره. والفرع هو الأصل مع زيادة أي مع شيء من تحويل. [5]
المثال: ويعتبر مفهومت منطقيت رياضيت، وهو وزن الكلمة ومكون من عمليتين: العملية الأولى تضم الحروف الأصلية للكلمة. أما الثانية تهتم بالعلامة. العدمية، أي التغيرات الطارئة على الكلمة من خلال دخول الزوائد عليها.
القياس: هو أساس عول عليه كثيرا في جل القضايا النحوية وهو: «حمل شيء على شيء لجامع بينهما، وحمل شيء في الحكم، وهذا الحكم هو الذي يسمى في المنطق الرياضي تطبيق النظير على النظير bijection وتطبيق مجموعة على مجموعة حتى يظهر تطابق في البنية بين مجموعتين على الأقل» [6].
الوضع والاستعمال: باعتبار أن اللغة نظام من الرموز والعلامات ينتقي منها المتعلم ما يحتاجه للتعبير عن نفسه ووضعه واحتياجاته، فهي «قبل كل شيء وضع ثم استعمال الناطقين لها» [7]، وهذا ما يحتاج إلى عناية فائقة بالنحو والبلاغة. يقول الحاج صالح: «البلاغة في مظهرها الأول، أي كعلم للمعاني/ هي امتداد لعلم النحو لأنها تنظر في كيفية استعمال الفرد لمعاني النحو وهي المعاني التي تدل عليها كل الوجوه التي يقتضيها النحو» [8].
هذا بإيجاز أهم الأسس التي بنيت عليها النظرية الخليلية، التي أسهم الحاج صالح من خلالها في محاولة بعث تراثنا القديم في ثوب جديد.
= = =
الهوامش
[1] عبد الرحمن الحاج صالح، "النظرية الخليلية الحديثة: مفاهيم الأساسية"، كراسات المركز، العدد 4 (2007): ص 11.
[2] عبد الرحمن الحاج صالح، بحوث ودراسات في اللسانيات العربية (الجزائر: موفم للنشر، 2012)، ج1، ص 208.
[3] المصدر نفسه، ج 2، ص 45.
[4] الحاج صالح، بحوث ودراسات في اللسانيات العربية، ج1، ص 217.
[5] صالح بلعيد، اللغة العربية العلمية (الجزائر: دار هومة، 2003)، ص 110.
[6] بلعيد، اللغة العربية العلمية، ص 109.
[7] المصدر السابق، ص 107.
[8] الحاج صالح، المدرسة الخليلية الحديثة، ص 383.
= = =
أدناه رابط ينقلك إلى مجموعة من بحوث عبد الرحمن الحاج صالح:
http://archive.sakhrit.co/authorsArticles.aspx?AID=7437
1 مشاركة منتدى
النظرية الخليلية للعلامة الحاج صالح, بردادي عبد الرحمان | 23 حزيران (يونيو) 2018 - 10:52 1
إثراء راقٍ..و مقال مفصل، يعطي نظرة بانورامية للنظرية الخليلية، مشكورة أستاذة نبيلة..