عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

محمد صديق بوهند - الجزائر

ملخص كتاب البحث اللغوي عند العرب


أدناه ملخص كتاب "البحث اللغوي عند العرب مع دراسة لقضية التأثير والتأثر". المؤلف: د. أحمد مختار عمر. قدم هذا الملخص ونوقش في جامعة جيلالي ليابس، سيدي بلعباس، الجزائر، في إطار مشروع خطوات نحو التميز

محمد بوهندلم يعرف العرب قبل الإسلام أي بحث لغوي يذكر. وكغيرهم من الأمم، كان البحث اللغوي خدمة لكتب الشريعة لكل أمة، ومن أجل تفسيرها وفهم معانيها. ورغم تأخر البحث اللغوي عند العرب حتى القرن الثاني للهجرة، إلا أن العلماء العرب قد أتقنوا الدرس اللغوي، فجاءت بحوثهم كاملة شاملة لكل علوم اللغة العربية من نحو وصرف ومعجم ودراسة الأصوات وحتى الدراسة المقارنة.

المصادر اللغوية

حصر اللغويون العرب مصادرهم التي استقوا منها مادتهم وبنوا عليها قواعدهم في خمسة مصادر : القرآن الكريم (واعتبروه أعلى درجات الفصاحة)؛ والقراءات القرآنية (التي جاءت وفقا للهجة من لهجات العرب)؛ والحديث النبوي الشريف (وقد رفضه الكثير من النحاة ذلك أن الرواة أجازوا فيه النقل بالمعنى ووقع فيه كثير من اللحن عند الرواية)؛ والشعر العربي (استشهدوا به حتى المجهول قائله رغم خروجه عن اللغة السليمة من أجل الضروريات وحصروا مصدرهم في الشعر الجاهلي وشعر المخضرمين)؛ والشواهد النثرية (ما جاء في شكل خطبة أو وصية أو مثل أو حكمة أو مشافهة عن بعض الأعراب ممن لم يختلطوا مع الأعاجم). وفي ذلك كله قد استكملوا الثغرات بالمنطق والقياس لا بمعاودة المشافهة.

الدراسات اللغوية عند غير العرب

اتجهت الدراسات اللغوية عند غير العرب إلى النحو ودراسة الأصوات والمعجم، فقد ظهرت في الهند القديمة دراسات للغة السنسيكريتية في فروع علم اللغة المختلفة تناولت الاشتقاق والأصوات والنحو والمعاجم. وقد درسوا الصوت المفرد والمقطع ووُجد فيها ما يقارب اثنتي عشرة مدرسة نحوية يمثل النحو البانيني فترة النضج فيها.

أما عند اليونان فقد كان تطوير النظام الهجائي للكتابة أول عمل لغوي عندهم، وكان التفكير اللغوي عندهم مرتبطا بالفلسفة (الفلاسفة السفسطائيين). وبعد ذلك نُقلت الدراسة اللغوية إلى الرواقيين الذين فصلوها عن الفلسفة. والمصريون القدامى اتجهت دراساتهم إلى فروع عدة: الفيلولوجيا والنحو والمعاجم حول اللغة اليونانية.

وترجم السريان النحو اليوناني وقلدوه. ولم تزدهر الدراسات اللغوية عند العبرانيين إلا بعد اختلاطهم بالعرب وخوفهم من ضياع لغتهم. ومع هذا بدأت دراسة اللغة والنحو العبرييْن لخدمة كتابهم المقدس. ويشهد للصينيين بوفرة كتب علوم لغتهم وقد كانت لهم دراسات صوتية.

الدراسات اللغوية عند العرب

أولا: نشأة الدراسات اللغوية عند العرب

بعد أن دوَّن العرب الحديث النبوي وألَّفوا في الفقه الإسلامي والتفسير القرآني، اتجه العلماء إلى تسجيل العلوم غير الشَرعية كالنحو واللغة وإن لم تقصد لذاتها إنما باعتبارها خادما للنص القرآني، ومنها محاولة أبو الأسود الدؤلي ضبط المصحف بالشكل.

وقد بدأ أهل اللغة بجمع المادة اللغوية (متن اللغة) عن طريق المشافهة ثم تصنيفها و تبويبها. وهكذا تُوِجت هذه الجهود بالمعاجم العربية المنظمة. والبحث النحوي بدأ متأخرا عن جمع اللغة. وقد اختُلِف في أول واضعٍ للنحو العربي إن كان أبو السود الدؤلي، أم علي بن أبي طالب، أم عمر بن الخطاب، أم زياد بن أبيه هو من حرك أبو الأسود الدؤلي لوضع النحو.

إلا أن السبب في وضع النحو، أيا كان واضعه، ما فشي من لحن عقب الفتوحات الإسلامية وفساد ألسنة العرب أنفسهم (من أشكال اللحن: تسكين أواخر الكلمات). وقد تمت أوليات الدراسة النحوية في مدينة البصرة في الفترة الممتدة من أبي الأسود الدؤلي إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي.

ثانيا: البحث الصوتي

عالج اللغويون العرب المباحث الصوتية مختلطة بغيرها من العلوم، فبالنسبة للنحاة فقد عالج سيبويه الإدغام في نهاية مؤَلفه "الكتاب" وعالجه المبرد في كتابه "المقتضب"، كما تناول المعجميون بعض المشاكل الصوتية، واهتُم بهذا النوع من الدراسات في المعاجم التي رتبت ترتيبا صوتيا كـ"العين" الذي تناولت مقدمته مشكلات صوتية كترتيب الحروف صوتيا ومخارج الأصوات، أما معجم "الجمهرة" فقد زيد فيه على ذلك الحديث عن الحروف التي تتآلف ولا تتآلف في الكلمة العربية.

، كما ساهم علماء التجويد والقراءات القرآنية والمؤلِفون في إعجاز القرآن وعلوم البلاغة اللذين أثروا البحث الصوتي بمباحث فيما يتعلق بتنافر الأصوات وتآلفها والحديث عن مخارج الأصوات، وأول من أفرد المباحث الصوتية بمؤَلفٍ مستقل هو ابن جني في كتابه "سر صناعة الإعراب"، وقد كان لابن سينا عمل يدخل تحت الدراسة الصوتية هو رسالته "أسباب حدوث الحروف".

ثالثا: النحو والصرف

كان الصرف في أول نشأته مُدمجا ضمن باب النحو وقد جمع مباحثهما سيبويه إمام النحاة في مؤَلفه المعروف بـ "الكتاب" ولم يطور الذين تلوْه هذا العلم بالقدر الكافي، وتحولت كثير من الدراسات اللغوية بعده إلى مجرد الشروح له، وفضل الخليل بن أحمد في "الكتاب" لا يُجحد، وفي نفس الفترة التي كان الخليل وسيبويه ينشران علمهما في مدينة البصرة وُجدَ عالمان آخران في الكوفة هما أبو جعفر الرؤاسي الذي صنف كتابا سماه "الفيصل" ومعاذ الهراء الذي اشتغل بالصرف حتى قيل أنه واضعه، وبعد ذلك سار نحاة البصرة والكوفة جنبا إلى جنب وتنافسا في البحث والإنتاج.

وكان من نحاة البصرة الأخفش سعيد بن مسعدة، وقطرب المازني، والمبرد؛ ومن نحاة الكوفة الكسائي، والفراء، وابن السكيت. وفي فترتهم ازدهر البحث اللغوي وظهرت الكتب الكاملة التي تعالج النحو مثل "المقتضب" للمبرد. وفي هذه الفترة انفصل النحو عن الصرف على يد أبي عثمان المازني الذي ألف "التصريف".

وبعد القرن الثالث هجري نافست أقطار ومدن أخرى البصرة والكوفة في الدراسات النحوية، أشهرها مصر والمغرب والأندلس اتجه علماء هذه البلدان إلى عرض مذهبي البصرة والكوفة وانتقادهما ومن أشهر نحاة هذه المرحلة: الزجاج، وابن السراج، والسيرافي، وأبو علي الفارسي، الرماني.

رابعا: المعجم

العمل المعجمي هو أصعب نشاط لعلم اللغة، ذلك أن المعجمي يعالج ظاهرة مفتوحة، ومحاولة حصر كلمات لغة حية تكاد تكون أمرا مستحيلا. ومن شروط المعجم الشمول والترتيب، وقد تميز العرب قديما وحديثا بتفنُنهم في أشكال معاجمهم وطرق تبويبها -لما لاحظوا طرفي الكلمة "اللفظ والمعنى"- فرتبوا معاجمهم إما على اللفظ (معاجم الألفاظ) وإما على المعاني (معجم المعاني)، و تنافسوا في معاجم الألفاظ بخلاف معاجم المعاني.

=أ= معاجم الألفاظ: هي المعاجم التي رُتبت مادتها اللغوية بحسب الألفاظ وهي تنقسم بحسب أولوية ترتيب ألفاظ مادتها اللغوية إلى مدرسة الترتيب الصوتي؛ ومدرسة الترتيب الألفبائي؛ ومدرسة الترتيب بحسب الأبنية:

( أ-1) مدرسة الترتيب الصوتي

رائد هذه المدرسة هو الخليل بن أحمد الذي امتاز بعقلية رياضية وبراعة في الموسيقى. وقد ألف أول معجم في اللغة العربية سماه "العين". وأهم ما يميز هذا المعجم أن مؤَلِفه يجمع مفرداته بطريقة رياضية منطقية، حيث لاحظ أن الكلمة العربية قد تكون ثنائية أو ثلاثية أو رباعية أو خماسية. وفي كل حالة أمكنه الاستبدال وتقليب الحروف إلى جميع أوجهها الممكنة من الناحية النظرية. ثم ميز بين المستعمل والمهمل، ورتب الكلمات داخل المعجم بحسب أول حروفها من حيث المخرج.

ويعد معجم "تهذيب اللغة" للغوي الأزهري تابعا في منهجه لمعجم "العين". أما من ناحية المادة اللغوية فـ"تهذيب اللغة" ضخم جدا بالنسبة لمعجم العين، والأزهري جمع مادته من نكت حفظها ووعاها من أفواه الأعراب عن طريق المشافهة. وقد أضاف ابن قاسم القالي في معجمه "البارع "وهو أول معجم أندلسي اتبع فيه منهج "العين" بعض ما رآه الخليل مهملا وصحح بعض الشواهد ونسبها إلى قائليها، وقد سار على طريقة الخليل ابن أحمد في كثير من المعاجم العربية كـ"مختصر العين"، للزبيدي و"المحيط" للصاحب بن عباب و "المحكم"، لابن سيده.

(أ-2) مدرسة الترتيب الألفبائي

رتبت هذه المدرسة المادة اللغوية بحسب الترتيب الألفبائي العادي (باعتبار الأشبه والنظائر في رسم الحروف) كالتالي:

= وضع الكلمات تحت أسبق حروفها: وقد اتبع هذا الترتيب ابن دريد في معجمه "الجمهرة" حيث سار على الترتيب الألفبائي ووضع الكلمات تحت أسبق حروفها في الترتيب الألفبائي بعد أن رتبها الترتيب الكمي، واتبع نظام التقليبات كـالخليل.

= وضع الكلمة تحت أسبق حروفها الأصلية: ونُظر في هذا الترتيب إلى الحرف الأصلي الأول من الكلمة وترتيبها بحسب الترتيب الألفبائي، وقد وضعت معاجم بحسب هذا الترتيب كـ"معجم الجيم" لأبي عمرو الشيباني و"المقاييس"، و"المجمل" لابن فارس و"أساس البلاغة" للزمخشري و"المصباح المنير" للفيومي.

= وضع الكلمة تحت أول حروفها دون تجريد: اتبعت هذا النظام كتب لغوية اهتمت بنوع معين من المفردات كـ"غريب القرآن" لأبي بكر السجستاني و"المفردات في غريب القرآن" للراغب الأصفهاني و"النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير.

= وضع الكلمة تحت حرفها الأخير دون تجريد: اتبع هذا النظام أبو بشر اليمان في مؤَلَفه "التقفية في اللغة" حيث رتب الكلمات دون تجريدها من حروف الزيادة، بحسب أواخرها ترتيبا هجائيا، قاصدا خدمة الشعراء.

= وضع الكلمة تحت حرفها الأصلي الأخير: رائد هذه الطريقة التي يطلق عليها "نظام الباب و الفصل"، أو "الترتيب بحسب القافية" هو اللغوي الفارابي وتبع هذا النظام الجوهري في معجمه "تاج اللغة وصحاح العربية"(1) وكذا "الصاغاني في مؤلفه الذي مات قبل أن يتمه "العباب الزاخر واللباب الفاخر"، وابن منظور في معجمه "لسان العرب"(2،). وممن اتبعوا نظام الباب والفصل أيضا الفيروز أبادي صاحب "القاموس المحيط" وكذلك رتب الزبيدي مؤلفه "تاج العروس".

أ-3) مدرسة الترتيب بحسب الأبنية

يراعي ترتيب الكلمات في هذا النظام بحسب الأبنية، الحركة إلى جانب الصوت الساكن، ولم يصل التأليف في الأبنية في مرحلته الأولى إلى صورة المعجم الكامل، وأول معجم تُرتب مادته على حسب الأبنية أو باعتبار السواكن والعلل هو معجم "ديوان الأدب" للفارابي الذي قسم معجمه إلى أقسام أسماها "الكتاب" ومنها كتاب السالم، وكتاب المثال، إلى آخره. وقسم كل كتاب إلى شطريْن: أسماء وأفعال. ومن المعاجم التي اقتفت أثر الفارابي معجم "شمس العلوم ودواء العرب من الكلوم" لـنشوان، وكذلك فعل الزمخشري في مؤلفه "مقدمة الأدب".

معاجم المعاني

ترتب الألفاظ في معاجم المعاني بحسب الموضوعات، وأخذت البدايات في كتيبات صغيرة يتناول كل واحد منها موضوعا واحدا مثل "الخيل" للأصمعي؛ "خلق الإنسان" لأبي عمرو الشيباني، إلى آخره. كما ظهرت أعمال تجمع أكثر من موضوع في مجلد واحد مثل "الألفاظ" لابن السكيت، "جواهر الألفاظ" لقدامة بن جعفر. ومن أهم الأعمال في هذا المجال "المخصص" لابن سيده. ويعد هذا الأخير أشمل معجم رتب بحسب المعاني، استعان فيه ابن سيده بكل ما كتب قبله من معاجم. ويوجد إلى جانب "المخصص" معجم "كفاية المتحفظ ونهاية المتلفظ" لابن الاجدابي.

المآخذ على المعاجم العربية

رغم تميز المعاجم العربية وتفنن العلماء في أشكالها وطرق تبويبها إلا أن لها بعض المآخد تحسب عليها وأهمها: عدم ترتيب المادة اللغوية ترتيبا داخليا ففيها خلط الأسماء بالأفعال والثلاثي بالرباعي؛ وعدم الالتزام بالمنهج المتبع والمصرح به في المقدمة (ما جاء في "ديوان الأدب" للفارابي من أنه لن يذكر المشتقات القياسية. ومع ذلك يوجد في المعجم فعال من جمع فعل)؛ ووقوعها في بعض الأخطاء عند شرح المادة اللغوية؛ والشرح شرحا معيبا نتيجة غموض العبارة، وعدم الدقة في التعبير.

= = =

(1) يعرف بـ"الصحاح".

(2) أصدرت دار لسان العرب طبعة من معجم" لسان العرب" بعد أن أعيد ترتيبها على حسب الأوائل وأضيفت لها مصطلحات علمية.

JPEG - 13.7 كيليبايت
غلاف البحث اللغوي عند العرب
D 9 كانون الأول (ديسمبر) 2017     A محمد صديق بوهند     C 0 تعليقات