د. سلمى زكي الناشف - الأردن
مقتطف: رحلاتي حول العالم
كان اسم الرحلة "فرح القطب"، وكانت الأرض جميعها بيضاء، ومغطاة بالثلوج الكثيفة، والثلج يتساقط، وركبنا الميني باص وكنا خمسة عشر شخصا ما فيهم الدليل، ومن ضمنهم شخص مريض تسيره ابنتاه ويحمل جهاز الإنعاش معه، وطفل صغير، وبهذا فقد وجدت نفسي قوية ومناسبة لهذه الرحلة أمام ما أرى، بعد أن كنت متخوفة منها.
وصلنا بعد مسافة ليست بالبعيدة إلى قرية سانتا كلوز [بابا نويل] وفيها المكتب الرسمي لسانتا كلوز، كما يوجد فيها المطاعم والمحلات الكثيرة لشراء ما يلزم من هدايا تذكارية، وفيها تحديد المنطقة التي تبدأ فيها الدائرة القطبية لشمالية.
صعدنا مع الدليل إلى مركز إقامة سانتا، ودخلنا دون عناء بسبب المريض الذي معنا، وجاء دوري للالتقاء به، وتحادثنا، ودعاني للعودة إلى روفانيمي مرة أخرى، وسررت بالدعوة ولكنني لم أعده بذلك، والتقطت لنا الصور التذكارية والفيديو الذي يمكن مشاهدته على الرابط التالي:
https://youtu.be/Jh56Nn3RWeM
تجولنا بعدها في القرية، واشترينا بعض الهدايا التذكارية. وجاء وقت الطعام في مطعم جميل، دافئ وسط الثلوج الكثيفة، ودخلناه، وتناولنا طعام الغداء، ومشروب البيري اللذيذ المشهورة به فنلندة، ثم تناولنا القهوة الفنلندية، وغادرنا إلى مكتب الشركة السياحية، انطلقنا بعدها في رحلة السفاري، في كاسحات الثلوج الصغيرة، وهذه الرحلة تستلزم لبس الخوذة الواقية.
أخذ كل منا موقعه في الرحلة وعلى كاسحة الثلوج، وبدأنا المسير. سرنا فوق النهر المتجمد، وبين الغابات، والأشجار، إلى أن وصلنا مزرعة غزلان الرنة، وهي ما كنا نراه دوما في الصور ونحن أطفال ونعتقده، أو على الأقل أنا، حلما. رأيناها واقتربنا منها وتحدثنا مع مالكيها، والتقطنا الصور التذكارية معهم.
ورأينا الزلاجات التي كانت مرتبطة بأذهاننا ونحن أطفال بغزلان الرنة. وجاء وقت قيادتها، وبالفعل تقسمنا إلى أزواج ليركب كل اثنين زلاجة، وجاء نصيبي مع مالك المزرعة، وسرنا في جولتنا. أسرع الغزال بطريقة جنونية أثارت خوفي من أن أسقط من الزلاجة، ولكنهم يعرفون ما يصنعون، فقد أخبرني المرافق بأن الغزال يسير بسرعة تصل إلى 50 ميلا في الساعة.
انتهت جولتنا بسعادة بالغة لي بأنني حققت حلما لطالما حلمت به. ومع انتهاء زيارتنا للمزرعة، دعينا للدخول إلى داخلها لتناول الشراب الساخن، والبسكويت، وشرحت لنا بعض الأمور عن الدب القطبي وغيره، ووزعت علينا شهادات سياقة زلاجات غزلان الرنة، وكنت في غاية السعادة، وقفلنا بعدها راجعين بكاسحات الجليد إلى حيث ينتظرنا الميني باص للعودة إلى روفانيمي، وبالذات إلى مكتب السياحة والسفر لتسليم أوعيتنا الشتوية التي استلمناها منهم في بداية الرحلة.
وتم توزيع شهادات المرور عبر الدائرة القطبية في منطقة روفانيمي في فنلندة في مكتب الشركة على كل واحد فينا باسمه، وأضافت هذه الشهادة مزيدا من السعادة لي.
- سلمى الناشف مع بابا نويل
* * *
استيقظت في صباح اليوم التالي وكلي نشاط وحماس للذهاب إلى الرحلة، بعد أن زال ترددي، وامتلأ جسمي بالدفء، فالداخل حرارته مرتفعة جدا تكفي لتشعر معها بأنك لست في الدائرة القطبية بل على العكس قريبا من خط الاستواء.
قمت بنشاط، وتناولت فطوري بعد استعدادي الكامل لليوم، وانتظرت مجيء مندوب الشركة، وبالفعل فقد وصل في الوقت المحدد وأقلني إلى حيث موقع الشركة، حيث وجدت عددا من المشاركين لا بأس بهم، وبدأت بارتداء ملابسي الشتوية التي اعتدت عليها ولم أشعر بثقلها كما حدث معي البارحة، وانتهيت منها، وتجمع الجميع مع الدليل وصعدنا إلى الميني باص الذي سينقلنا إلى مزرعة كلاب الهسكي حيث رحلتنا اليوم رحلة سفاري مع كلاب الهسكي في غابات روفانيمي الثلجية.
وصلنا إلى حيث سنبدأ بالرحلة، وبدأت الكلاب تعوي ترحيبا بزائريها، واستقبلنا المسؤول عن المزرعة وأعطانا فكرة عن سياقة الزلاجات، والمسافة التي يجب أن تكون بين زلاجة وأخرى، وهي عشرة أمتار، وكل ما يتعلق بالغابة والرحلة. وابتدأنا الرحلة، التي أستطيع أن أقول نها أكثر من رائعة، وكنا كل اثنين في زلاجة، أنا والدليل.
ابتدأت الدليل بقيادة الزلاجة على أن أتممها أنا في منتصف الرحلة. تستغرق الرحلة قرابة الساعتين، وبالفعل بدأت سياقة الدليل مرتبكة ولكنها أتقنتها بعد فترة، وأنا أجلس مستمتعة بالمناظر الخلابة من حولي والتي لم أرَ مثيلا لها سوى في الصور السياحية، وتوقفنا أكثر من مرة لالتقاط الصور، أو لإعادة التذكير بالتعليمات، أو لترتيب الفريق والتأكد من سير الأمور بمسارها الصحيح.
تابعنا المسير في أجمل رحلة على الإطلاق في حياتي، وكنا مصحوبين بفتاة على كاسحة ثلوج سريعة ومختلفة كحماية لنا، وهي فتاة من أجمل الفتيات التي شاهدتهن في حياتي. وفي منتصف المسافة توقفنا، وقمت بتبديل موضعي مع الدليل لسياقة الزلاجة، المزودة بكابح للسرعة، وعلى سائقها ترك مسافة عشرة أمتار على الأقل بينه وبين الزلاجة التي تسبقه حتى لا يصطدم بها.
في منتصف السياقة أحسست كأن قدمي قد بدأت بالتجمد بالرغم من كثافة الملابس الشتوية التي أرتديها، فأوقفت الزلاجة ثوان، ورفعتها وحركتها أكثر من مرة لأواصل الطريق، ولم أجد صعوبة في ذلك، فالكلاب تعرف طريقها تماما وهي مستمرة به دون توجيه. حتى في التقاطعات أبدأ بالحيرة من أين سأذهب، فتأخذ طريقها الصحيح بثقة لأجد بقية الفريق أمامي. وهكذا استمتعت لأبعد الحدود بالسياقة في هذه المناظر الجميلة بل الرائعة حتى وصلنا، واستقبلنا العاملون بترحاب شديد.
دعينا للدخول إلى داخل المبنى، وقدّم لنا عصير البري الساخن المشهورة به فنلندة، وبعض البسكويت، وأحضر لنا المسؤول كلبا من كلاب الهسكي المشهورة بتحملها للبرد الشديد والتي قد تكون من سيبيريا أو الاسكا أو مزيج منهما، وعمره ثلاثة شهور، وكان وديعا للغاية بحيث أحببناه جميعا وتسابقنا للتصوير معه. وبعد أن انتهينا ودعنا المسؤول وشكرناه، وغادرنا إلى حيث مكتب الشركة، وسلمنا ملابسنا الشتوية، وشكرناهم على جهودهم وغادرنا.
كان علي في اليوم التالي أن أغادر بالطائرة إلى هلسنكي لأمكث فيها ليلتين أغادر بعدهما إلى عمان. وبالفعل غادرت وأنا احمل أجمل الذكريات.
= = =
- غلاف كتاب سلمى الناشف
◄ سلمى الناشف
▼ موضوعاتي