عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

د. لطيفة حليم - كندا

مختارات: الكنديون من أصل عربي


أدناه مقتطف من مقدمة كتاب عنوانه "الكنديون والكنديات من أصل عربي" للباحثة المغربية، د. لطيفة حليم. الناشر: منشورات فكر، المغرب، 2016.

لطيفة حليمضمت هذه الأنطولوجيا أعلاما لكنديين من أصل عربي، صدرت لهم إبداعات أدبية وفكرية وفنية. وقد سبق أن كتب بعض الباحثين من قبل انطولوجيا في هذا الغرض (7) بشكل مقتضب، مما حفزني ودفعني لكي أوسع البحث والاستقصاء أكثر لرصد ما استجد في الموضوع.

لكن واجهتني صعوبات كثيرة حالت دون حصول هذا العمل على الكمال الذي تمنيته، والإتقان الذي سعيته. ومن بين الصعوبات الأولى أن هجرة الكتاب والمبدعين إلى كندا في وتيرة غير مستقرة، فأحيانا تتصاعد بتوافد أعلام جدد قصد الاستقرار النهائي بكندا، وأحيانا تتناقص بسبب مغادرة البعض قافلين إلى بلدانهم الأصلية لسبب من الأسباب.

والصعوبة الثانية هي مساحة دولة كندا الكبيرة والتي حالت دون التواصل. والصعوبة الثالثة غياب هيئات مرجعية للهجرة العربية، ومؤسسات تحفظ أرشيف المهاجرين العرب إلى كندا منذ بداية هجرتهم إليها. والصعوبة الرابعة اختلاف الفترات الزمنية، فالحديث عن الأموات أسهل من الحديث عن الأحياء، ذلك أن الهجرة في زمن جبران لم تكن في أول الأمر هجرة قسرية بل كانت هجرة اكتشاف عالم جديد لكسب العيش، فتفاعل المهاجرين مع الوطن الجديد لم يصدهم عن حنينهم للوطن الأم.

أما في الزمن الراهن فالأمر يكاد يكون مختلفا اختلافا جذريا عن زمن جبران ونُعيمة وأبي ماضي، فقد تأثر أكثر الأعلام بالواقع المحزن الذي يخيم على بلدانهم المشحون بالتطرف الطائفي، والغلو الديني، والتعصب المذهبي، واستمرار الاستبداد بالعباد، مما جعلني أقف طويلا على التغيرات والتحولات التي رافقت هذه الأنطولوجيا، وهي تتقدم نحو الطبع في تعديلات تحترم زمن التحول، فقمت بما استطعت من الجهد والمثابرة قصد الوصول إلى عدد أكبر من الأعلام العرب في وطنهم الجديد كندا. وألزمت نفسي بالتعامل معهم بحيادية مطلقة، بغض النظر عن توافقي مع أفكارهم أو الاختلاف مع تصوراتهم وحجم اصداراتهم.

إن هذه الأنطولوجيا هي جرد جزئي لمجموعة متميزة من الأدباء والمفكرين والفنانين وغيرهم من الأعلام الفاعلين، كل من موقعه، مع الوقوف على أعمالهم الفنية والأدبية والعلمية، إيمانا مني بالبصمة التي ميزت عطاءهم، سواء تعلق الأمر بالثيمات الاساسية التي تعرضوا لها بالتفكير والتحليل، أو بنوعية الخطاب الذي حاولوا فيه أن يمرروا تدبيرهم لثنائيات الهوية والاختلاف والتلاقح والتناغم، والحب والسلام، فجعلوا من الهوية لحظة انفتاح على كل المكتسبات الإنسانية والتطلعات المستقبلية، وليس لحظة انغلاق مرضي متشبث بالماضي.

وصول العرب إلى كندا

وصل العرب إلى هذه الرقعة الجغرافية المعلومة الآن حدودها والموسومة بـ كندا، والمعروفة بأمريكا، منذ زمن موغل في القدم، لم نستطع معه أن نقف على تاريخ محدد لوصول أول عربي-مسلم، مسيحي- لهذه الأرض النائية (8)، مع العلم أن مغامرات وبحوثا قيمة كثيرة قدمت في هذا المضمار، نذكر من بينها مغامرة العالم النرويجي ثور هايردال (9) الذي انطلق بشراعه مع أصدقائه الثمانية من مدينة آسفي المغربية للوصول الى سواحل أمريكا، بمساعدة منظمة المغامرة عائشة عمارة (10)؛ وكذلك فريق البحث بجامعة رود ايلاند (Rhode Island) ، الذي أفاد بأن بحارة مسلمين هم أول من استقروا بأمريكا.

وقد عثر أخيرا في مكتبة أثرية بأمريكا على مخطوطات قرآنية بالخط الكوفي، يعود تاريخها إلى خمسة قرون قبل اكتشاف كولومبوس لأمريكا. وفي هذا الخصوص قدم الدكتور يوسف مروة (11) بحثا موثقا بدلائل علمية، بين فيه أن العرب وصلوا إلى كندا وأصبحت موطنا لهم، قبل ان يحط بها كولومبوس. وقبله كتب المؤرخ والجغرافي ابو حسن علي بن الحسين المسعودي (12) "أبحر مسلم من قرطبة الإسبانية خشخاش بن سعيد بن أسود من مدينة ديلبا- بالوس- في 889 ميلادية وعبر المحيط الأطلسي إلى أن بلغ أرضا مجهولة وعاد بالكنوز الرائعة".

واستنادا لمثل هذه البحوث القيمة، وبعض المراجع الموثقة، احتفلت الجاليات العربية والإسلامية في كندا سنة 1997 بذكرى مزدوجة لمرور ألفين وخمسمائة سنة على وصول الكنعانيين -الفينيقيين- والألفية الأولى على وصول المسلمين إلى أميركا الشمالية. وأقيم احتفال كبير في مبنى البرلمان وحكومة مقاطعة أونتاريو، في مدينة تورنتو.

وإذا كان العرب قد وصلوا إلى كندا، مثلما وصلت إليها أجناس بشرية من قبل، فإن الكثير من دول العالم في الزمن الراهن ما زالت تطمح في الوصول إليها، وعلى الخصوص القطب الشمالي، طلبا لامتلاك قطعة منه، حيث تقام مفاوضات على تقسيم هذا القطب وغرس رايات بلدانهم من أجل نهب الثروات النفطية والمعدنية الباهظة المترقبة في المستقبل. ويعود ذلك إلى أن البلد كندا يعتبر بلد غواية وإغراء وثراء وسلام، وهذا ما دفع الكثير من العرب والمسلمين في الزمن الراهن إلى الهجرة إليها بهدف خلق جسر التعاون، لتعزيز الانتماء وسط العولمة برؤية جديدة، مكتشفين قواسم مشتركة بين الثقافات والحضارات التي تنصهر في بوتقة واحدة لتشكل وحدة لتاريخ الإنسانية(13).

= = =

(7) Voices In The Desert Anthology of Arabic _Canadian Women Writers: Ilizabeth Dahab / Edition Guernica / 2002

(8) لطيفة حليم. محاضرة. بمناسبة الاحتفال بمشروع المركز الوطني للبحر. بحضور زوجة النرويجي ثور هايردال. والكاتبة والشاعرة عائشة عمارة. آسفي: 2008 - 05 - 08 .

(9) Safi et les odysses de tbor He yer dab. Rabat: Edition Marsam 2003

(10) من شاطئ آسفي إلى أمريكا: لطيفة حليم.

(11) انظر الأنطولوجيا. مروة يوسف.

(12) 871 -957 ميلادية في كتابه مروج الذهب

(13) Cultures Without Borders From Beirut to Washington , D.C. : May Rihani 2014

JPEG - 20.2 كيليبايت
غلاف كتاب لطيفة حليم
D 1 حزيران (يونيو) 2017     A لطيفة حليم     C 0 تعليقات