عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

وهيبة قويّة - تونس

فنجانا قهوة


طردَت الرّوحُ الهائمةُ حولي النومَ من عينيّ، فأعددت فنجانيْ قهوةٍ. أردتُ أن أجد من يؤنس وحدتي. القهوة هي مؤنسي الدافئ الوحيد في مثل هذه اللّحظة، لذلك سأشرب القهوة معي.

أرتشف من الفنجان الأوّل، وأترك الثّـــاني يسقط فيه ثلج الوحدة.

الفنجان الثاني وحده قادرٌ على إبعاد كآبة المكان وحزن القلب، وربّما أبعد من حول سريري كلّ الأشباح والأرواح.
تبتعد وتعود. في كلّ الحالات القهوة معي، أحدّثها. أشربها، فتطرد كلّ ما يراه سوادها الجاثم في قعر الفنجان الأوّل والمتلألــئ في الثّــاني.
أنا لا أخاف الوحدة، ولكن أخاف ألا أستشعر روح شخص ما هنا حولي. هو الفراغ لا غير.
و الرّوح لا تحوم حول المكان الّذي أنا فيه وإنّما تسكنني روحا ونبضا تفرّ إلى عالمها وتعود.

وأنا لا أستقبلها عند عودتها لأنّها مهما غابت تظلّ رفيقتي هنا، حيث أضع يدي الآن. هي جهة القلب إشارةً ولكنّه القلب، لأنّها تظلّ مهما ابتعدت هنا لا تنفلت عن نبض القلب لأنّها ساكنة هنا، في ما أسمع، في نبض القلب.

هل أروي حكاية ما قبل النّوم؟ لا!

لا يمكن التّأليف من الصّمت حكاية. ولكنّي أقرأ وحدةَ الفنجان عندما يسقط فيه ثلج الحكاية.
مسكين. ظل وحده يعاني بردَ غياب الرّوح وأرَجَ ماء الزّهر المسكُوب فيه.

D 25 آب (أغسطس) 2011     A وهيبة قويّة     C 8 تعليقات

4 مشاركة منتدى

  • ألفهوه يا صديقتي تنشط الدوره الدمويه,وتمنح دفعآ إضافيآ للقلوب المتعبه لتعود في الحنين إلى الماضي.تغفو وتستفيق على المتعه والألم ..هذا شأنها في كل حين ..أرأيت يا صديقتي كم هو ممتع ومفيد فنجان قهوتك؟ فكيف الحال مع فنجانين اثنين!؟


    • شكرا الصّديقة هدى على مرورك على نصّي. وأمّا القهوة فلها سرّ. قد نتجاوز أحيانا شربها إلى الحديث معها وإليها. تنشّط القلب والذّاكرة، وحتّى القلم. وقد يبوح بأسرار كثيرة. ذات مرّة همس لي الفنجان بحكاية:
      القهوة ساحرة تعلّقت بالسّماء وسكنت القمر لتسكب عطرها على الشفاه فيتحوّل إلى حديث صامت بينهما كلّ ليلة وتبوح به حروفا هائمة على وجه القصيد...تنقش في كلّ لقاء ذاكرة للنّزيف يزيح العتمة وينثر النّجوم في سماء الأحزان ... وتصارع الظّلام وتنسج من خيوطه حلّة للفجر.

  • يقولون انهم ثلاثة الفنجان الاول سيف لان الحاجة اليه ملحة و الثاني ضيف لانه ان اتى فاهلا به و ان ذهب فمع السلامة والثالث كيف لان النفس تستريح به و اليه فايهما فنجانك؟ فنجاني يجمع الثلاثة معا في خزف قديم .


    • الأستاذة هدى الدهان
      نلتقي عند الفناجين الثّلاثة معا وفي خزف قديم. ولكنّي أضفت إلى فنجاني "فنجان طَيف". يحدّثني بسواده عن سرّ النّور، يهدّ عوالم من الأفكار غير المرتّبة ويعيد تشكيلها وبناءها في صور تحاول أن تجد أبعادها في الواقع. يكون حينا قريبا مؤنسا محدّثا بارعا، وحينا يكون هادئا صامتا...تصطخب في مرارته صور شتّى تجعل سواده أكثر لمعانا ثمّ يغرق كلّ الأطياف، لتبقى الفكرة.
      أشكر مرورك على النصّ، وكم تجمع القهوة حولها من رائع الحديث.

  • جميل هذا النص الذي يتناول كيمياء العلاقة بين القهوة وشاربها، وطقوس شرب القهوة التي لا تكون لذيذة إلا مع رفيق أو صديق أو أي شخص آخر نشعر معه بألفة أو محبة أو راحة.
    ثم إن القهوة أنيسة كل المتعبين في هذه الأرض، ورفيقة كل وحيد أو وحيدة. يشتاق إليها الإنسان ويتلهف لأن يتناولها، ويجد نفسه خاوياً أو متعباً أو مختلاً إن لم يفعل.
    شكراً أخت وهيبة على هذا النص اللطيف.


    • مرورك أجمل أستاذ موسى، وكم يسعدني أن أجد من يؤنس فنجاني فلا يسقط فيه ثلج الحكاية وإنّما يتدفّأ على حديث الأصدقاء وتبادل الفكرة. إذْ لا يمكن أن نجد للقهوة طعمها اللّذيذ الجامع لمرارة البنّ وحلاوة السّكّر إلاّ مع صحبة خير. فيستقرّ طعم القهوة في ذاكرتنا جميلا وتنفتح ظلمة سواده على نور الفكرة. وترتسم خطوط في الفنجان مبتسمة للشّارب. القهوة كريمة جدّا. وكرمها يتجاوز أن نستقبل بها ضيفا وأن نلتئم حولها مؤانسةً إلى إبداع الفكرة.
      ذات قهوة، فكّرت أن لا اشرب بعدها قهوة، فوجدتني أحدّثها. وأطلق مع عبق رائحتها فكرة. طافت الفكرة برائحة القهوة تغريها، اعتذرت القهوة، وجاءت الفكرة بمزيد الفناجين.

  • أي أنتعاش، وأي لذة تترك فينا تلك القهوة، بل ذلك النص البليغ الموجز والمعبر، سلمت يمناك أختي الفاضلة.


في العدد نفسه

لعنة البريد الإلكتروني

كلمة العدد 63: دراويش محمود

أنثى فوق الغيم: نسخة إلكترونية

عن مبدع الغلاف

مختارات من عود الند