قضايا: اقتصاد
فشل سياسة التقشف
التقشف سياسة اقتصادية اتبعت سنوات طويلة. وكلّما تعرض بلد لمشكلة اقتصادية نتيجة سوء إدارة الاقتصاد، لجأت الحكومة إلى التقشف بدافع ذاتي أو بطلب من مؤسسات مالية دولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. من الأمثلة على أجراءات التقشف تخفيض المعونة التي تقدمها الحكومة للفقراء، ورفع الدعم عن مواد أساسية بما في ذلك الخبز الذي تعتمد عليه الأسر الفقيرة كثيرا.
ولكن أصوات الذين قالوا في الماضي إن سياسة التقشف سياسة اقتصادية فاشلة بدأت تعلو وتجد لها آذانا صاغية في وسائل الإعلام وحلبة السياسة. والأمثلة كثيرة على فشل التقشف كسياسة لحماية الأوضاع الاقتصادية من مزيد من التدهور، أو حفز النمو الاقتصادي. ومن أشهر الأمثلة الحديثة على فرض التقشف على دولة، ما جرى في اليونان، التي رفض شعبها سياسة التقشف لكن الحكومة رضخت بعد رفض أولي للشروط مؤسسات الاتحاد الأوروبي المالية. وسياسة التقشف كانت (ولا تزال) متّبعة في بريطانيا. وبدأ الموقف منها كسياسة اقتصادية يتغير بعد التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي.
المقتطف أدناه من ورقة قدمها البروفسور روبرت سكيدلسكي (Robert Skidelsky )، الأستاذ الفخري في الاقتصاد السياسي في جامعة واريك البريطانية. عنوان الورقة "فشل التقشف". صدرت الورقة في حزيران (يونيو) 2015 عن معهد شيفيلد لبحوث الاقتصاد السياسي. ترجمة "عود الند".
= =
أدت ورقة صادرة عن صندوق النقد الدولي في عام 2010 إلى انتهاء ساعة المجد التي حظي بها اليسينا. فباستخدام ذات البيانات التي استخدمها أليسينا، قال مؤلفو ورقة صندوق النقد: "مع أنه من الممكن التكهن بأن تأثيرات الثقة أدت دورا في عينة التعزيزات، ولكن أثناء فترات الهبوط، لا يبدو أن التأثيرات لعبت دورا قويا ما فيه الكفاية لتحويل التعزيزات إلى تمددية". الانكماش المالي انكماشي. نقطة.
الأدلة على أن هذا صحيح تتراكم. في الوقت الحاضر، هناك اتفاق واسع النطاق أن التقشف يسبب ضررا.
مكتب مسؤولية الميزانية وكالة مستقلة أسسها [وزير المالية البريطاني] أوزبورن لتقييم أداء الحكومة على مستوى الاقتصاد الكلّي (ماكرو). استنتج المكتب أن التقشف أدى إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2٪ من 2010 وحتى 2012، مما أدى إلى رفع كلفة التقشف التراكمية منذ 2010 لتبلغ 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
ويقدر سايمون رين لويس من جامعة أكسفورد أن الضرر قد يكون أكثر من ذلك وقد يكون بلغ 15٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
في استطلاع حديث لرأي الاقتصاديين البريطانيين أجراه مركز الاقتصاد الكلي، رأى ثلثا الذين استطلعت آراؤهم أن التقشف أضر اقتصاد المملكة المتحدة.
بريطانيا ليست الدولة الوحيدة التي عانت من التقشف. ففي التوقعات للاقتصاد العالمي المنشورة في تشرين الأول (أكتوبر) 2010، اعترف صندوق النقد الدولي بأن "المضاعفات المالية لم تقدر حق قدرها في مختلف أنحاء العالم".
بعبارة سهلة: المتنبئون لم يحسنوا تقدير مدى القدرة الإضافية، وبالتالي لم يحسنوا تقدير نطاق التوسع المالي لزيادة الإنتاج.
هل كان الخطأ غير مقصود؟ أم أن الأمر يعود إلى أن المتنبئين كانوا مستعبدين للنماذج الاقتصادية التي عنت ضمنا أن الاقتصادات في حالة عمالة كاملة، وفي هذه الحالة النتيجة الوحيدة للتمدد المالي هو التضخم؟
نجح [حزب] المحافظين إلى حد بارع في إقناع الناخبين الإنجليز بأنه يقوم بعملية "تنظيف الفوضى التي تركها [حزب] العمال؛ وأنه بدون التقشف كانت "بريطانيا ستسير على درب اليونان".
للأسف لم يتمكن حزب آخر، باستثناء الحزب القومي الإسكتلندي، من تطوير سردية مضادة فعالة، ولذا لم يكن هناك انخراط في نقاش حول التقشف والتوسع.
ورغم التأخير، حان الوقت لذلك. فقد ظل جورج أوزبورن وزيرا للمالية، ووعد بتخفيضات أقسى خلال السنوات الخمس القامة.
لا يزال التقشف المالي المذهب السائد في منطقة اليورو، وذلك بفضل ألمانيا. ولذا سوف يستمر الضرر.
وفي غياب سردية مضادة فعالة، قد يكون قدرنا أن نكتشف مدى الألم الذي سوف يتحمّله الضحايا قبل أن يمحي ذكراه الانتعاش الموعود.
= = =
الهوامش
[6] Simon Wren Lewis (2015) ‘The Macroeconomic Record of the Coalition Government’, Journal of the National Institute of Economic and Social Research.
سايمون رين لويس (2015) "سجل حكومة الائتلاف [البريطانية] في الاقتصاد الكلي"، مجلة المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية. متوفر على الرابط التالي:
http://ner.sagepub.com/content/231/1/R5.abstract
[7] Simon Wren Lewis (2015) ‘The size of the recent macro policy failure’, Mainly Macro.
سايمون رين لويس (2015) "حجم الفشل الأخير للسياسة الكلية". مدونة مينلي ماكرو. متوفر على الرابط التالي:
https://mainlymacro.blogspot.co.uk/2015/02/the-size-of-recent-macro-policy-failure.html
= = = =
معلومات إضافية عن أسماء ذكرت في المقتطف.
= أليسينا: البرتو اليسينا (Alberto Alesina). أستاذ في جامعة هارفرد الأميركية.
= أوزبون: جورج أوزبورن (George Osborne). وزير المالية البريطاني. استبدل بوزير آخر بعد تصويت الشعب البريطاني على الخروج من الاتحاد الأوروبي، الذي تبعه استقالة رئيس الوزراء، ديفيد كاميرون، وانتقل رئاسة الوزراء إلى تيريزا ماي في تموز (يوليو) 2016.
= مركز الاقتصاد الكلي: Centre For Macroeconomics. عنوان موقعه على الإنترنت:
http://www.centreformacroeconomics.ac.uk
= =
رابط الورقة الكاملة
http://speri.dept.shef.ac.uk/wp-content/uploads/2015/06/SPERIPaper23-the-failure-of-austerity.pdf
= =
شاهد/ي أيضا فيديو قصير (بالإنجليزي) يشرح فيه مارك بلايث (Marl Blyth)، أستاذ الافتصاد السياسي في جامعة براون الأميركية، مفهوم التقشف. الخلاصة في ختام الفيديو: سياسة التقشف هراء خطير.
◄ عود الند: مختارات
▼ موضوعاتي