عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » أرشيف أعداد عـود الـنـد » أرشيف الأعداد الفصلية: 2016- » أعداد السنة 11 » العدد الفصلي 02: خريف 2016 » كلمة العدد الفصلي 02: الحوار الاجتماعي بديل الإقصاء والاستئصال

عدلي الهواري

كلمة العدد الفصلي 02: الحوار الاجتماعي بديل الإقصاء والاستئصال


.

د. عدلي الهواريلا يمكن القضاء على الأفكار المختلفة، سواء أكان الاختلاف على أساس فكري أم أيديولوجي أم ثقافي أم خلافه. ولا يجوز التفكير بالقضاء على الأفكار المختلفة. وإذا تمكن تيار من هزيمة تيار آخر، فالنتائج التي تجنى من ذلك قصيرة الأمد، حتى لو استمرت مرحلة الهزيمة عقودا، فما يجري في فترة الشعور بالنصر والسيطرة على الوضع القائم زرع بذور نزاع سينفجر في وقت لاحق.

لا أتحدث عن التيارات الفكرية بالمطلق، فهناك أفكار وتيارات فكرية عنصرية غير جديرة بالانتشار. ولكن الواقع يخبرنا أنها موجودة، والمهم أن يظل انتشارها محدودا. ومقياس الحكم على تيار فكري بأنه سيء ليس الخصومة الفكرية، أو التنافس في حلبة السياسة على تأييد الجماهير أملا بالوصول إلى السلطة، بل مقاييس موضوعية، فالتيار الفكري الذي يؤمن بتفوق عرق معين على بقية بني البشر لا مجال للاختلاف على تصنيفه.

سار العالم على طريق توسيع دوائر مشاركة عدد أكبر من الناس في التعبير عن الرأي في أوضاع المجتمعات، فما يتخذ من قرارات له تأثير على حياة الناس، وفكرة القائد الملهم الذي يقطر حكمة وذكاء فكرة قديمة مصطنعة. ما يسمى "الحوار الاجتماعي" من أفضل الوسائل لتبادل الأفكار، وصنع القرارات لتعم الفائدة على مختلف فئات الشعب.

الحوار الاجتماعي يعني ضمن ما يعني حوار أرباب العمل مع النقابات التي تمثل العمال والموظفين، وهذا نقيض سياسة محاربة النقابات وسحب الاعتراف منها كما حدث كثيرا في الثمانينيات في بريطانيا في عهد رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر، التي تبنت سياسات أحدثت شرخا رأسيا في المجتمع أسهم في تحدي زعامتها لحزب المحافظين، ونتج عن ذلك تنحيتها عن رئاسة الوزراء، رغم فوزها في الانتخابات العامة ثلاث مرات متتالية.

ويعني الحوار الاجتماعي أيضا أن الحكومات تطرح السياسات التي تفكر بتبينها للنقاش وتمنح لذلك فترة كافية من الزمن، ويعتمد قصرها أو طولها على أهمية سياسة أو قانون، ومدى تأثيرهما على حياة قطاعات مختلفة من الشعب. والحوار لا يكون على صفحات الجرائد فقط، أو من خلال ظهور مسؤول حكومي على شاشة التلفزيون ليجيب عن بعض الأسئلة التي كثيرا ما تكون مطروحة للترويج للسياسة التي يراد تبنيها أكثر من إخضاعها للتحليل وإظهار العيوب وليس المزايا فقط.

لماذا لا تستخدم في العالم العربي فكرة طرح الحكومة الأوراق ليجري حولها حوار اجتماعي مثلما يحدث في بعض الدول؟ ولماذا قبل سن مشروع قانون، لا تطلب الحكومة من كل المعنيين بالأمر إرسال تعليقاتهم واقتراحاتهم وتحليلاتهم حتى لا يأتي القانون الجديد ناقصا ومليئا بالعيوب؟

ليس للحوار الاجتماعي كمفهوم موعد محدد، ونقطة بداية ونهاية، بل هو حالة دائمة لأنه جزء لا يتجزأ من أسلوب إدارة الحكم. وهو أيضا ليس معروفا تسديه الحكومة أو النظام للأحزاب أو الجمعيات الأهلية أو عموم الشعب. لا يعقل مثلا إمهال الأحزاب السياسية بضعة أيام للتوصل إلى اتفاق، وإلا...

القضايا الوطنية لا يتوقف الحوار حولها. والحوار الاجتماعي حول القضايا التي تهم شعبا بأسره، أو أمة بكاملها، لا ينجز خلال أيام، ولا ينجز بأمر من ذي سلطة لتبرير عمل مضمر يحتاج فقط إلى إخراج ليبدو كرد فعل وليس عملا مبيتا خطط له على مهل.

ذات يوم عملت في مؤسسة إعلامية تعترف بالنقابات، ولذا لم يكن من الممكن للمدراء تغيير جدول العمل المتفق عليه دون تفاوض مسبق بين الإدارة وممثلي فرع النقابة. وكان التفاوض على هذا الأمر البسيط، مقارنة بالقضايا الوطنية، يستغرق بضعة أسابيع. وقد يتم الاتفاق على التغييرات بعد طرح الأفكار ومناقشتها، ثم طرح أفكار بديلة، وهكذا، فهذا من سمات التفاوض الذي قد يسفر عن اتفاق، وفي أغلب الأحيان هذا ما يحصل. ولكن إذا لم يتحقق الاتفاق، قد تقرر النقابة الإضراب عن العمل، وفي هذه الحالة لا يطرد من العمل من يشارك في الإضراب.

لا يعقل أن يستمر التفاوض على تغيير نوبات العمل بضعة أسابيع، في حين أن القضايا المهمة في الدول العربية لا يجرى حولها حوار، وإن جرى فهو شكلي، ولمدة قصيرة، وإذا لم يخرج بنتيجة محددة مسبقا، فهو مرفوض، ويستدعي التدخل لفرض حلول بالقوة.

تنوع التيارات الفكرية في أي مجتمع هو الأمر الطبيعي. لا توجد مجتمعات متجانسة مئة في المئة، كل أفرادها يؤمنون بالشيء نفسه، ويتصرفون بالطريقة نفسها.

وفي حال وجود قوة كبرى أو مهيمنة تفرض ما تريد على البقية، أو تعمل على إقصائها أو استئصالها، فعندئذ يكون هذا الأسلوب وصفة معروفة تاريخيا للنزاعات المتكررة في المجتمعات.

لذلك، لا بد من الاعتياد على الاختلاف في الرأي والأفكار، أولا كأفراد، وثانيا كأنظمة حكم. وهذا يحتاج إلى أسلوب حكم يعطي للفرد ما له مثلما يحدد له ما عليه، ويحدد للحكومة ومؤسساتها أطرا تعمل ضمنها.

مهما جربت الأنظمة الحكم بأساليب الماضي المعتمدة على القمع والإقصاء والاستئصال، لن تنجح إلا مؤقتا، وسيكون في انتظارها نزاع قد يؤدي إلى هزيمتها.

عود الند العدد الفصلي الثاني خريف 2016

D 1 أيلول (سبتمبر) 2016     A عدلي الهواري     C 3 تعليقات

3 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

رواية التبر: تحليل سيميائي

قراءة في رواية كل المعارك

علاقة سرّية

هوس شرقي

الساهرات أصبحن خارج البيت