عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

إصدارات جديدة - زهرة زيراوي

الفردوس البعيد


زهرة زيراويصدر للكاتبة والفنانة التشكيلية المغربية، زهرة زيراوي، رواية جديدة عنوانها "الفردوس البعيد". الناشر: دار العين، القاهرة (2016). وقد أقيم للكاتبة حفل لتوقيع روايتها يوم الأحد، 14 شياط (فبراير) 2016 في جناح جناح دار العين للنشر في معرض الدار البيضا للكتاب. نبارك للزميلة الكاتبة في "عود الند" صدور الرواية، ونرجو لها الرواج. أدناه صورة من حفل التوقيع، وتحتها مقتطف من الرواية منقول عن موقع وزارة الثقافة المغربية.

JPEG - 46.2 كيليبايت
زهرة زيراوي

تسوقها قدماها يوما وهي في الثلاثين عاما إلى حي سيدي "لغليمي" بمدينة سطات تفكر في البيت الذي عاشت فيه ما يقرب من عام بأحد تلك الأحياء.

تتذكر ذلك الرياض الفسيح بنافورته، وبمشربياته ودهاليزه، بنسائه السريات، تحاول أن تنسى الحجرة التي كانت تنام فيها والفرو، والحصير، وتنظر للمدينة بعين أمها.

تلج الزقاق المسدود. أين الخوخة؟ أو الباب العالي ذو القوس الحديدي الكبير؟ هنا كان يقف المخازني في فم الرحم المؤدي إلى "الروى" فناء البيت الكبير.

أين المنزه الذي في الطابق الثاني من الطرف الشمالي للبيت الكبير والذي لا يدخله النسا؟ هو فقط مجلس القائد وضيوفه.

تقول الأم:

كم اشتقت وأنا صغيرة أن أصعد درج المنزه وأختلس نظرة من هذا المكان المحظور.

ماذا لو تفرست وجه هذا الأب الأسطوري القريب من السياسة والحكم أكثر مما هو قريب لنسائه وأولاده؟

في هذا المكان "سيدي لغليمي" تاريخ أمها الذي ظلت ترقبه كمن يرقب عالما غرائبيا قادما من الحكايا التي تقص على الأطفال ليلا، من جزر الواق الواق.

تسمع أمها وهي تحكي لصديقة لها عن والدها المغرم بالترحال إلى الشرق والغرب، في ذلك الزمان، وعن الحيطة التي اتخذها لأيام "السيبة" أيام الفوضى والاقتتال، إذ عندما كان يخرج إلى أدغال الجنوب للصيد، يعمد إلى صورة له بحجم هيأته؛ أتى بها من إيطاليا أيام عين سفيرا هناك، فيسندها إلى الجدار القبلي، والمقابل لباب الزقاق حيث يبدو القائد يحمل بندقيته واقفا، مبتسما تلك البسمة الوقورة، والهازئة، بالمارين من المعبر الذي يتقاطع مع الزقاق، فيسرعون الخطو دون أن يجرؤوا على التطلع أكثر. كان هذا يحفظ بيته من السبي.

من يصدق اليوم أن هذه المدينة الصغيرة أسهمت في تاريخ بلد وجاسرت أطرافا من العالم؟ يخامرها هذا السؤال فتعتذر لتاريخ لم تعطه شيئا.

تحس وهي تعبر الطريق المؤدي للبيت العتيق بأنها مرفوضة حتى في بقايا هذا الاندثار. لقد كانت أمها تؤكد لها هذا الإحساس. لم تقل لها ذلك يوما. غير أن ملامح وجهها كانت تشي بهذا عندما تلتفت إلى أخيها لتزرع فيه حقول جده كأن تقول له: أنت تشبه جدك: الشعر الكث والقامة الربعة والذكاء.

هل يمكن أن يبدل الحكي وحده حياة إنسان؟

ما عشته يا أمي هو ما بدلني وجعلني مع تاريخك، أو تاريخ بلدي، بهذا الحياد. كان هذا الإحساس الثاوي تحت الجلد: أنني لست منكم ولا أنتم مني. كأني مجرد لقيطة التقطتموها يوما من إحدى الجادات، من قارعة طريق "ما" هو كل ما يشغلني.

هل يا أمي كان طبعي حادا ورديئا، ومنذ عامي الثاني. أو شيء ما في وجهي لا يمنحني الحق في أن أنتمي لسلالة الجد، بل يحيلني على بداوة والدي.

D 24 شباط (فبراير) 2016     A عود الند: أخبار     C 0 تعليقات