المهدي كرومي - المغرب
ذكرى الراحل
عاش ازديادين حبيبين للنفس. ميلاد فرح الناس بداية، وميلاد فرح النفس وسرور المحبين فيما بعد، الطفولة حكاية الوالدين، والنضج روايات الناس الأخيار. كلتا الحكايتين عزيزتين تلتمسان الخروج إلى النور. سر باح به قبل كشف خبايا النفس التي ارتجلت الحكاية، آت من رحلة خلفية سبب الوجود في أحضان الطبيعة الجديدة.
نهج طريقه بين الحاضنين: حضن الأسرة وحضن المجتمع، بصعوبة تذكر.
نما مع إخوته في وظائف، حذق أداء المهمات، جلب حظوظا من الثناء، بعض إخوته يبلون البلاء الحسن، وهم من خيري الإخوة. الباقون دون ذلك، حذقوا الأقوال وفي الأعمال ينقصهم الإتمام والتكميل.
قص الوالد عن الميلاد الكثير، طفل جميل يسرك أن تنظر إليه في كل وقت وحين، مخلوق بمواصفات الكمال والاكتمال، كأنه قطف من نور، يترعرع في النور، ويتزود من النور مباشرة، طفل غاية في الجمال خلقة وخلقا، يبدأك بابتسامة قليلة النظير في محيط الناس، حصن المحبة الذي لا يذبل، تصنع العلاقة التي تدوم.
روت الوالدة عن طفل ينبوع المسرات، كريم المعشر، أقطف منه السعادة كلما ألمت بي ملمة، وهو السعادة بعينها في باقي الأوقات، جاراتي كن يتسابقن لإرضاعه والاهتمام بشؤونه، حتى أنني كنت ألتمس حضرته بين الحين والآخر في دور الجيرة، بين يديه الهدايا الثمينة والجميلة من مال وحلوى وألعاب.
وحدث الناس عن بركة وخير، مثل الماء يجري في أحضان الشيخين، نساء المدينة يطلبن الله أن يمن عليهن بطفل نبيل مثل صبيهما، وهذا الخير وهذه البركة لم يحلا عليهما وحدهما، بل البركة والخير يفيضان في طرقات القرية بلا حساب.
من فضل الله عليه النضج، الميلاد الثاني. طلب من الله أن يزوده بالعقل والرشد أكثر من أي نعمة أخرى، ميزة التطلع إلى السماء، فيما معظم الناس تقيم عيونها وأسماعها وأفئدتها على الأرض فحسب، لم يغفل دوره على الأرض.
الملكتان اللتان فجرتا ينابيع التطلع، لسان سؤول يلهج بأسئلة لا تنقطع جدائلها، في قلب عقول لا تمر عليه الأفكار مرور الكرام. كما له حضوره الأرضي، يطمع في حضور سماوي.
المشاكل مع الناس يحلها في طرفة عين أو يسير من ذلك، المشكلة التي عانى منها، تجلت في اهتمام أخ بوارداته وشارداته، دائم الحضور قائم في شؤونه ود ذلك أم لم يوده، في السرور يتدخل وفي الأحزان، قد يقال أخ كريم يهتم بأخيه، إنما المصيبة أنه يريد أن يكسر السرور حتى لا تتم الغاية المنشودة، ويريد أن يزيد أوار نار أحزانه.
في أوقات يعتزل الناس، يختلي ويتفكر في الوجود، ينبش عن البدايات ويستحضر معطيات الزمن، ويبحر في الغد، مرتع الخصب وجنته، يتفكه ويتروى ويأخذ النفس، السماء تأخذ من نفسه الكثير، والأرض تأخذ التروي والتفكه، لعله يسير سيرة حسنة يجمع بها شعثه.
الناس تنسى في غالب الأحوال، فعلا تضايق إذا وجدت إلى المضايقة سبيلا، بينما ترحل إلى همومها في أغلب الأوقات، الزمن جبار يأخذ منها الكثير، فلا تجد مندوحة عن الجري وراء الأرزاق أو وراء السراب، فلا تحفل إلا لمما.
أما الأخ فلا ينسى أبدا. إنه اهتمامه الأكبر، له لسان سؤول عن أحواله جميعا، في نجاحاته وفي إخفاقاته، وقلب يعقل شاردات ووردات مجالاته وإمكانياته وقدراته وملكاته، لا يوقر أباه وأمه وصاحبته وإخوته والناس أجمعين إذا كان أخوه هو الموضوع، يقول دائما وأبدا على مرأى ومسمع من السامعين إياك أعني وإياك شغلي.
تدبر في أمره، جعل وقتا كافيا في محرابه لتحديد المشكلة، لا يخفي أن مشكلته أتت من المرض العام الذي يصيب أكثر الناس، وهو الاهتمام بالأرض أكثر من السماء، أين الميزان؟ جعلوا الأرض هي كل الحياة، والأخ هو المصارع لا المنافس.
المشكلة سهلة الحل صعبته، صعبة لأن الحل لا يأتي من طرف واحد، والسهولة أتت من التعرف على الصعوبة. التمس حوارا هادئا يحل معضلة الخصام غير المبرر، اتفقا على تقديم قربانين للخلاص من المشكلة نهائيا.
وجد الخصم أن أحسن قربان يقدم أمام شهواته طلب غيبة الأخ عن المدينة بلا رجعة، فيما الآخر رجا أن ينصف، لكنه اليوم يريد الغياب في أسرع وقت ممكن، بسبب أن صبية مليحة القد وقفت في طريق الأخ المغضوب عليه، خطب يدها لدى والدها فلم يرض، الشيء الذي دفع كبرياءه للانتقام، الرسالة سريعة بإشارة من المواقف العدوانية المتتابعة.
لا للقربان، طلب وقتا آخر للحوار، لعلهما يجدان طريقا جديدا للخلاص من الورطة، هنالك تفاجأ بعالم آخر لا قبل له به أبدا، عالم من الأنوار فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
تنبه للأمر فوجد أن أكثر الصفوف من أمثاله، سأل فقيل له نحن أمام مكتب الضياء الذي يعرف المغيبين قسرا على مشكلاتهم مع الأغيار، من أجل وضع ملفات متكاملة للقضايا.
أخيرا سمع تاليا يتلو: " ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر".