الصفحة الأخيرة - عدلي الهواري
هموم أكاديمية: دراسة الحالة
من المنهجيات الشائعة في البحث الأكاديمي دراسة حالة (case study)، ولذا لم أتوقع أن ألقى أي اعتراض على ذلك، فدراسة الحالة كمنهجية مستخدمة منذ عقود، وباختيارها أكون سرت على درب سار عليه كثيرون قبلي.
فوجئت بتعليق من أستاذ مهمته تقييم مسار البحث في مرحلة محددة، ويبدي فيه اعتراضا على دراسة الحالة، ولم يكن واضحا لي إن كان قصد الحالة التي اخترتها تحديدا، أم منهجية دراسة الحالة.
في بحثي عن مزيد من المعلومات عن منهجية دراسة الحالة وجدت مقالة منشورة في عام 2006 كتبها بينت فلوبيرغ (Bent Flyvbjerg) ويرد فيها على جوانب سوء الفهم الخمسة التي تحوم حول منهجية دراسة الحالة، وهي:
أولا: "المعرفة العامة النظرية (المستقلة عن السياق) ذات قيمة أكبر من المعرفة الملموسة العملية (المعتمدة على السياق)".
ثانيا: "لا يمكن المرء أن يعمم على أساس حالة واحدة، ولذا لا يمكن دارسة الحالة أن تسهم في التطور العلمي".
ثالثا: "دراسة الحالة مفيدة أكثر في وضع فرضيات، أي المرحلة الأولى من عملية البحث الكاملة، في حين أن الطرق الأخرى ملائمة أكثر لاختبار الفرضيات وبناء نظريات".
رابعا: "دراسة الحالة تتضمن تحيزا نحو تأكيد الحقيقة، أي وجود نزعة لتأكيد الأفكار المسبقة للباحث".
خامسا: "من الصعب في أحيان كثيرة تلخيص وتطوير مقترحات ونظريات عامة على أساس حالات دراسة محددة".
وقد وجدت في مقالة فلوبيرغ (Flyvbjerg) فقرة تتحدث عن تجربته، وفيها جانب مشترك مع تجربتي، ويقول:
"عندما تقرأ نقدا كهذا لمنهجية معينة عددا كافيا من المرات، أو إذا سمعت المشرف على رسالتك يكرر النقد، تبدأ في الاعتقاد بأنه قد يكون صحيحا. هذا ما حدث لي، وجعلني أشك في منهجية دراسة الحالة. ومع مواصلتي البحث، وجدت أن كامبل [Campbell] غيّر وجهات نظره لاحقا 180 درجة، وأصبح من أشد مؤيدي هذه المنهجية".
مثلما تعاملت مع عقبات أخرى تتعلق بالمصطلحات والمنهجية بشكل عام، تعاملت مع الجانب المتعلق بدارسة الحالة ضمن الفصل التمهيدي في رسالتي لنيل الدكتوراه، واستعنت بما قاله فلوبيرغ (Flyvbjerg) عن جوانب سوء الفهم الخمسة ورده عليها.
أثار استغرابي طبعا أن الاعتراض على منهجية دراسة الحالة قد تم في جامعة منحت درجة الدكتوراه لباحثين اختاروا أفرادا، وليس دولا، لبحوثهم، فإحدى رسائل الدكتوراه كانت عن برنارد لويس، وأخرى عن راشد الغنوشي، وثالثة عن حسن الترابي.
يقول فلوبيرغ (Flyvbjerg) إنه ينبغي ألا يعتبر رده على جوانب سوء الفهم الخمسة "رفضا للبحث الذي يركز على عينات عشوائية كبيرة ... كمسوح الاستبيانات المرتبطة بالتحليل النوعي، فهذا النوع من البحوث ضروري أيضا لتطور العلوم الاجتماعية". ويؤكد أن منهجيتي دراسة الحالة واستخدام عينات عشوائية كبيرة "ضروريان للتطور السليم للعلوم الاجتماعية".
الاعتراض على منهجية معروفة مجرد مثال آخر على الهموم التي تواجه الباحث/ة في موضوع ما في الدراسات العليا، وكباحث/ة يمكنك توقع عقبات من أنواع مختلفة، ومنها المنهجية، والمصطلحات، والمراجع التي استخدمت أو لم تستخدم. وسيمكنك تجاوز العقبات من التعمق في الموضوع، وعرض حججك ومبرراتك بطريقة مختلفة، والبحث عن المزيد من الأدلة التي تعزز وجهة نظرك، دون تجاهل وجود وجهات نظر أخرى.
= = = = =
ملاحظة: توثيق المقتطفات أعلاه بالإشارة إلى رقم صفحة غير ممكن بالنظر إلى الاعتماد على النسخة الإلكترونية المنشورة على الإنترنت على الرابط التالي:
http://arxiv.org/ftp/arxiv/papers/1304/1304.1186.pdf
يشير كاتب المقالة إلى أنها نشرت في دورية مختصة، وفيما يلي التوثيق الكامل.
Bent Flyvbjerg, "Five Misunderstandings About Case-Study Research," Qualitative Inquiry, vol. 12, no. 2, April 2006, pp. 219-245.
المرجعان أدناه ذكرهما كاتب المقالة (Flyvbjerg) في قائمة مراجعه، وأعيد نشرهما نظرا لذكره اسم كامبل في فقرة مقتطفة أعلاه.
Campbell, Donald T. (1975). ‘Degrees of Freedom and the Case Study’, Comparative Political Studies, 8(1):178-191.
Campbell, Donald T. and Stanley, J. C. (1966). Experimental and Quasi-Experimental Designs for Research. Chicago: Rand McNally.
◄ هموم أكاديمية: ع هـ
▼ موضوعاتي