عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

مليكة علاوي - الجزائر

هُسْ! الأطفال نائمون


أشارت: "هُـس! الأطفال نائمون"، وهمسَتْ: "لكن بإمكاني مساعدتكم".

ذُهِــل الثلاثـة. ابتسمتْ ثمّ قـالَـتْ: "أعتقِدُ أنّكم ضائعـون، لابـأس". وصفقَتِ الباب.

تَـنـاظروا، ردّد أحدهم ـ مومئا ـ قولها: "هُسْ! الأطفال نائمون". تناظـروا، وبضربـةٍ واحدةٍ أردوا البابَ أرضـاً، لكنْ ما شيء تحرّك، ولا حتّى سُمِـع مُـواءُ قططها الكثيرة التي تعوّد المارّة سماعَ ضجّتها، وما كان إلاّ وقـعُ أقدامهم، ولُهــاثُ أنفاسهم يتردّد وهم يركضون، فكأنّه الموات، والمرأة لا حِسَّ لهـا ولا صدى.

وبينمـا هم على هذه الحال، إذا بصوتٍ مجلجِـلٍ يخرق أسماعهـم، ينبعث من الخارج، فتسارعوا إلى النّافذة القريبة الوحيدة، وما كان غير صوت صاحبهم الرّابـع ـ فقد كانوا أربعةـ الذي بقي في السيّــارة يراقب من بعيد، وهو يصيح: "اخرجــوا، اخـرجــوا"، فوكز أحدهم الآخـر خارجين وهم يقولون: "هُـسْ! الأطفال نائمون".

وما إنْ بَرِحـوا المكــان منطلقيـن في سيّارتهم، تخرج المرأة وهي تبتسم قائلة: "هُـسْ! الأطفال نائمون"، ثُـمَّ تـردف: "بـَـسْ بَـسْ، أيــن أنتم يـا صغــاري؟"

وما إنْ تُكـمِـلُ دعــاءهــا حتّى تلتَـفَّ حولها مجموعة من القطـط المختلفـة الألـوان والأحجـام، فتبتسم، وتهمــس:" هُسْ! الأطفال نائمــون".

تُلْقـي إليهـا بقطع من أجزاء فئران سمينة وخنافس كبيرة، وأحشـاء دجاج منتنة وأعراف ديكـة حمراء. وتبتسم:" هُسْ! الأطفال نائمــون".

نمل يجر خنفساءتقتعــد غير بعيـدة حجـرة وهي تتفرّج على الوليمـة. يقع نظرها على نمـلات صغيرات تحمل خنفساء ميتة. تُحملقُ فيها، وتحُـدُّ النّظرَ، والنّملات تتدلّل وتقطع الوهاد والأكام، والمرأة لا تملّ النّظر، بل تقترب منها وتعترض بأصبعها طريقها، لكنّ النّملات تعاود الكرّة، تتابع سيرها بعد فزعها من الخطر العارض، وتكمل النّملات الطريق.

تعاود المرأة إزعاجهـا فتضع العيدان والأشياء، لكنّ النّملات لا تفزع ولا تضجر؛ تُكمِـل طريقهـا حاملة الخنفساء الميتة، فتهبّ المرأة واقفةً، وتقول: "لـو أنّي نملة".

تتنهَـدُ، تلتفت يُمنـةً ويسـرةً، وتهمس: "هُسْ! الأطفال نائمــون". تقرفص. تنظر إلى النّملات في حقدٍ وضغَن، لكنّ النّملات تواصل سيرهـا ناقلة حملهـا، غير آبهةٍ بالمرأة ونظراتها التي تلاحقها، وتتابع سيرها إلى أنْ تصل إلى مأواها المحاذي لصنبور نَديٍّ، فتضع حملها، وتعاود سعيها في حركة دؤوبةٍ.

ترمقهـا المرأة شزِرةً بـرِمةً إلى أنْ يسقـط الظلام ،ويلتحف كلُّ شيء به. تقوم من مكانها متعبةً، تنظر يمنةً يسرةً كأنّها تبحث عن شيء، وتهمس: "بَسْ. بسْ. مـا أسوأ أن أكون إنسانــا!"

تُحيطُ بها قطط من كلّ جانب تحرّكُ رؤوسها، وتفتح أفواهها، تبتسم، وتقول: "هُسْ! الأطفال نائمــون"، وتدخل الدّار، ثُـمَّ تعود بصحن مملوءٍ بأنواع أشكال الخنافس وأحشاء الفئران والجرذان، وهي تبتسم، فتموء القطط موءةً طويلة عرفاناً وشكرا.

تضع المرأة الصّحن وهي تهمس: "هُسْ! الأطفال نائمــون". ترمقها، وتربتُ على ظهر واحدة، تبتسم ثمّ تدخل الدّار، وترفع الباب الخشبيَّ العتيق، تجرّه. تُوصِد به، وحتّى لا يقع، تُـثَبِّتُــه ببعض الحجارة والقرميد.

بعد هنيهة، أطلّـتْ من النّافـذة، فقد كانتْ بعض القطط تموء، وهمست: "هُسْ! الأطفال نائمــون"، ثُـمّ أوصـدتهـا. ما كانتْ في الحقيقة سوى باب سيّارة باهت اللّون وضعته فوق ركام من الأخشاب والأحجار الكبيرة التي جمعتها من الخارج.

أمّا بيتها على قارعة طريق جبليّة، فكان عبارة عن مركز مرور يحتمي فيه رجال الدّرك من حرارة الشّمس، يأوون إليه بالتّناوب، إذ ما زالت بعض إشارات التّوقف التي قد جمعتها صاحبة البيت، وجعلت من واحدة طاولة تصفّف عليها حاجياتها حينما تهرع ليلا إليه، وبعضٌ صفّحتْ به ذلك الجدار المطّاطيّ المُشَكّل من أطر السيّارات لتمنع دخول الأمطار وأصوات حيوانات اللّيل.

D 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014     A مليكة علاوي     C 3 تعليقات

3 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

كلمة العدد 102: المكتبات الرقمية ضرورة

العولمة والحفاظ على اللهجات الجزائرية

قراءة في ديوان البسي شالك

سوف تلهو بنا الحياة: رحيل جورج جرداق

الجاحظ: رائد الثّقافة العربيّة