لما أنيس البزور - الأردن
فن تشكيلي: الحرية في أعمال منال العدوي
تأملات نقدية حول مفهوم الحرية في أعمال منال العدوي
تتمثل الحرية في أعمال منال العدوي في الخروج عن المألوف المعتاد في تنفيذ العمل الفني وخروجه من المؤطر المقفل حول الخامة المرسوم عليها. التنوع في الأعمال بين البعد الوهمي، التقاني، والبعد الحقيقي بتجسيم بعض العناصر، مستخدمة خامات مختلفة مثل الأروجامي والفلين لإبراز بعض العناصر، جاعلة عين الناظر تنجرف لها وتقف عندها، نتفكر في ما هيتها وفيما وراء ضمنيتها.
تقول الفنانة منال العدوي حول مفهوم الحرية: "اختلف مفهوم الحرية بعد ثورة 25 يناير 2011 واختلف التعبير عنه باختلاف الأشخاص واختلاف البيئة والمستوى الاجتماعي. واذا كانت الحرية هي التحرر من القيود التي تكبل طاقات الإنسان وإنتاجه سواء كانت قيودا مادية أو قيودا معنوية، فقد عبرت في أعمالي عن هذا المفهوم، فلم تعد اللوحة مسطحة، ولكن تم استخدام تقنية نحتية وهي الأورجامي تارة، وتقنية التجسيم باستخدام الفلين لإبراز بعض المناطق المطلوب إبرازها في اللوحة، فلم يعد هناك فرض ولا إجبار في التعامل مع لوحة الباتيك، فبعض التأثيرات تتوارى احيانا وتبرز أحيانا لخدمة الفكرة المطلوبة".
اتخذت العدوي من أعمالها بابا من أبواب الحرية المنشودة، التي تكمن داخل فطرة كل آدمي، ككائن فطري بدائي، دائم البحث عن حقيقة الأشياء المبهمة، اللامعروفة، والآني اللامفهوم. كان الشغل الشاغل للإنسان القديم اكتشاف المجهول. شعور بالجوع يقابله بحث عن طعام لسد حاجة ملحة في كل يوم يتجدد؛ البحث عن المسكن والأمان من الحيوان المفترس؛ كذلك عوامل الجو، وتأمين أداة يدافع أو يقتل بها من يتعرض له لأذيته؛ أو يقتله بدافع أكله. تلك إذن أبهى يوميات الآدمي البدائي.
في الشكل الهرمي وجسم الطائر تقول العدوي: "الهرم يعبر عن النظام الهرمي في إدارة الدولة". كون الهرم يبدأ بالمساحة الأكبر ثم الأصغر فالأصغر حتى يصل للقمة العالية الصغيرة جدا، كناية عن الشريحة الأكبر من عامة البشر من الطبقات الأولى في الأسفل، بعيدين كل البعد عن طبقات أعلى في الأدوار الدنيوية بشتى مجالاتها والمناصب القريبة من القمة الصغيرة في الآفاق.
الهرم في هذه الأعمال اتخذ وظيفتين رمزيتين، في وقتنا الحاضر ربما عبرت عنه العدوي بالأنظمة العربية وما حل من تغيرات وهتافات، ورفض، وإصلاح، وعزل، وحرية وغيرها. أما الطائر فوظف للتحرير من القيد - الخروج من الإطار الهرمي. أما في الزمن الماضي فنرى في هذه الأعمال رغبة من الفنانة في الرجوع إلى لوراء واستحضار الرمز المصري القديم.
شكلت العدوي بعدة طيات ورقية (الأورجامي) شكل طائر محلق، وهذا توظيف صريح للحرية بأسلوبية شكلية غير مباشرة. الهرم في معظم أعمالها قائم ومغطى بقماش مليء بثقوب كناية ضمنية عن الأنظمة العربية كما بينا آنفا ورفض الشعب لهذه الأنظمة البالية والخروج عن سيطرتها، وربما رغبة منشودة في إصلاح تلك الأنظمة وعلى رأسها ما حل من ثورات واحتجاجات على الأرض المصرية في عام 2011.
ومن جانب آخر تعود بنا أعمال منال العدوي إلى مصر قديما، بوجود الهرم والقماش الممزق، ليس مجرد شكل ليشغل حيز عمل فني، بل هو رجوع للقوانين والمبادئ كرسالة للأنظمة الواقعة حاليا بأن هنالك وجودا واحدا للهرم قديما وحاضرا مع الاختلاف الضمني ماضيا ومعاصرا.
لا تخلو تلك الرموز من السخرية، كأنها تريد من هذه الخامات أن تقول لنا إن الحرية المطلقة أصبحت انفعالات حسية تخرج من ذواتنا في تعبير مجسد من خامات -جمادات- غير مطبقة على أرض الواقع. كذلك نشوة عارمة بالإصلاح والذي يمكن بالعودة للأصالة العربية المصرية زمن حكم أخناتون الذي تتخذه العدوي رمزا وقدوة في أعمالها للآدمي، الحق غير المتجرد من إنسانيته، العارف لحقوق غيره قبل سيطرة نفوذه وحقوقه. ولا يتزعزع ككيان ذاتي أو كممثل لشعبه من غير أي ستر لعيوب وأخطاء فيه. هنا توصلنا منال العدوي لمرتبة أسمى من مجرد تفكير، تجعلنا نتفكر بعمق ببشريتنا وأطباعنا غير الكاملة.
الآدمي، بغض النظر عن كونه رئيسا أو مرؤوسا، وأيما منصب كان به، لابد أن يبقى إنسانا. ما يوضح ذلك قول العدوي عن سبب توظيف أخناتون: "كان صاحب ثورة دينية وأول فرعون ينادي بالتوحيد. أيضا خرج في الفن من المثالية إلى الواقعية". وتقول إنه "كان يتصور بحرية مع عائلته"، أي كان موضوعيا عفويا بلا تكلف أو زيف، بساطة الرئيس ومساواته لنفسه مع غيره.
استخدمت العدوي الأحمر النقي بمساحات واسعة، فهو لون ناري حيوي، كناية عن الإثارة والاندفاع، مختزلة بتلك التكوينات الثورة من أجل الحرية. تمثل ظاهر للعناصر كمجسم يخرج عن سطح العمل الفني بشكل قصدي، كناية عن القيمة العالية للعنصر البارز. التنوع الحركي في الأعمال بتوظيفها أعلى وأسفل بشكل هرمي مع وجود الطائر المحلق كدور المحرر للنظام الهرمي. كان المحور الأساس في عدد من الأعمال المرأة والرجل معا، كناية عن الدور التكاملي في وحدة الجنسين.
![]() |
الباتيك الشمعي/الشابلونات اليدوية المسطحة، 120x 100 سم، معلق نسجي مطبوع. |
![]() |
الباتيك الشمعي /الشابلونات اليدوية المسطحة، 60x 60 سمx30 سم، معلق نسجي مطبوع. |
= = = = =
هوامش
(1) حوار مباشر للباحثة لما بزور مع الدكتوره منال العدوي في جامعة اليرموك، الأردن، حول محاور فنية وسياسية واجتماعية بعد المشاركة في مؤتمر"الفن في زمن متغير" عام 2013، وحوارات إلكترونية، 2014-2013.
(2) الأورجامي: فن ياباني، وهو فن طي الورق، إذ يمكن طي ورقة مربعة عدة ثنيات بحيث نحصل في النهاية على شكل طائر أو حيوان ما. استخدمت العدوي طية الطائر للتعبير عن الحرية.
(3) أخناتون: فرعون من الأسرة الثامنة عشرة. حكم مصر 17 عاما. يشتهر بتخليه عن تعدد الآلهة المصرية التقليدية وإدخال عبادة جديدة تركزت على آتون، التي توصف أحيانا بأنها ديانة توحيدية.
◄ لما البزور
▼ موضوعاتي