عدلي الهواري
كلمة العدد 101: الكتابة المحايدة جندريا
هل الكتابة بالعربية بحياد جندري ممكنة؟
الجنس في سياق تصنيف البشر نوعان: ذكر وأنثى. وتصنف الكلمات والأفعال والضمائر في اللغة العربية إلى نوعين: مذكر ومؤنث. في اللغة الإنجليزية هناك كلمتان مختلفتان لتصنيف البشر والكلمات. في حال البشر الكلمة هي سكس (sex)، وجندر (gender) في حال الكلمات.
حُمّلت كلمة الجنس معاني إضافية، ولم تعد تستخدم فقط في سياق تصنيف الذكر والأنثى والمذكر والمؤنث. ورسخ المعنى الإضافي النظرة التي تكبل المرأة ولا تعترف بكيانها إلا في سياق مرتبط بدورها كزوجة وأم أولا وأخيرا.
وجود كلمة رديفة للجنس بمعنى النوع بالإنجليزية، وهي جندر، أتاح المجال للحديث عن مسألة المساواة بين الرجل والمرأة دون الإشارة للجنس بمعنييه. شاع استخدام مصطلح جندر، ويستعمل كما هو في الكثير مما يكتب بالعربية أو يترجم إليها. ولكنه أيضا ترجم إلى "النوع الاجتماعي". وكلاهما شائع الاستخدام.
تحول الجندر (النوع الاجتماعي) من مصطلح إلى قضية تعطى الكثير من الاهتمام، فصار يطلب من كل الهيئات الرسمية أو الخاصة أن تأخذ في الحسبان أثر الميزانيات والبرامج والمشاريع على الجندر.
وانتشرت في الدول الناطقة بالإنجليزية ظاهرة الكتابة بصيغة غير متحيزة للذكر، فالكلمات التي ارتبطت بكلمة رجل (man) استبدلت. على سبيل المثال، الناطق الرسمي باسم هيئة ما، سبوكسمان (spokesman)، صار سبوكسبيرسون (spokesperson). وهذا المصطلح محايد، ولا نعرف منه إن كان الشخص رجلا أم امرأة. وهناك بدائل مقترحة لكل الكلمات التي تشكل (man) جزءا منها.
عنما نقول في اللغة الإنجليزية ستيودانت (student) فهذا يشمل الطالب والطالبة. الجملة التالية محايدة جندريا:
(الطالب/ة يجب أن يسلم/تسلم الورقة في الموعد).
ولكن عندما نستخدم ضميرا مذكرا بعد (student)، نكون وضعنا الجملة في سياق غير محايد جندريا. على سبيل المثال. لو قلت بالإنجليزية:
الجملة بهذه الصيغة منحازة للمذكر. ولذا من الممارسات الشائعة الآن أن تكتب على النحو التالي:
بهذه الصيغة تمت الإشارة إلى الطالبة والطالب.
عند محاولة الكتابة بالإنجليزية بصيغة محايدة جندريا، أو تعترف بالمذكر والمؤنث في آن واحد، تصطدم النيات الحسنة بقواعد اللغة. ولكن البديل لم يكن في الكف عن المحاولة، بل في البحث عن بدائل تحقق الحياد الجندري، بحيث تظل قراءة ما يكتب سلسة.
من الاقتراحات على الكاتبات والكتاب بالإنجليزية استخدام صيغة ضمير الجمع (they) حيثما أمكن، فهو بالإنجليزية يشير في آن واحد إلى أكثر من مذكر وأكثر من أنثى.
في اللغة العربية هناك تخصص أكبر في الضمائر، فالمثنى له ضمير خاص. وكثيرا ما يحتار المترجم/ة عند مواجهة كلمة مثل (teachers)، فما لم تكن هناك قرينة تؤكد العدد، قد يفترض المترجم/ة أنهم معلمون أو معلمات، وليس معلمين اثنين، أو معلمتين اثنتين. وإذا كان العدد مهما في سياق الموضوع، تكون الترجمة غير دقيقة. ولو كان الأمر متعلقا بهجوم مسلح وكانت الترجمة: هاجم مسلحون بدل هاجم مسلحان، قد تبدو الترجمة مغرضة وتريد المبالغة.
في الأسابيع القليلة الأخيرة كثفت الاطلاع على النصائح المتعلقة بالكتابة بالإنجليزية بصيغة محايدة جندريا. ووجدت أن المهمة رغم حاجتها إلى بعض الجهد أكثر سهولة من اللغة العربية. على سبيل المثال، كلمة زوجة (wife) أو زوج (husband) تستبدل بكلمة (partner) أي شريك أو شريكة، أو بكلمة (spouse). ولكن هذه النصيحة لن تجدي نفعا في اللغة العربية فالكلمات البديلة لزوج/زوجة غير محايدة جندريا.
يكتب المسمى الوظيفي في مصر بصيغة المذكر حتى لو كانت امرأة تشغل المنصب. على سبيل المثال: عميد كلية الآداب، فلانة الفلانية. بهذه الطريقة نكون استعرنا من اللغة الإنجليزية فكرة أن كلمة مثل (teacher) تعني أستاذا وأستاذة، ولن نعرف بالضبط إلا من قرينة أخرى كالاسم بعد المسمى الوظيفي.
هل سيمكن تعميم هذه الممارسة لتشمل سياقات أخرى غير المسمى الوظيفي؟ وهل سيحظى ذلك بالقبول؟ تساؤلان لا أملك الإجابة عنهما، فهما جزء من القضية الأوسع التي أطرحها في هذه الكلمة.
الاستنتاج المحدود الوحيد الذي أمكنني الوصول إليه بعد الاطلاع على الكثير من النصائح عن الكتابة بصيغة محايدة جندريا هي أن لكل لغة خصائصها، والكثير من النصائح المتعلقة باللغة الإنجليزية غير قابلة للتطبيق في اللغة العربية.
أحيانا تكون اللغة العربية طيعة فيمكن أن نكتب جملة بدون تشكيل ويمكن أن تقرأ بصيغة المذكر أو المؤنث. على سبيل المثال: إذا أردت النشر في "عود الند" يمكنك ذلك. هذه الصيغة يمكن أن تقرأ في سياق مذكر ومؤنث.
الحياد الجندري ممكن جزئيا في الشطر الأول من بيت المتنبي: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته. الجزء الأول (إذا أنت أكرمت) يمكن أن يقرأ بصيغة مذكر أو مؤنث. أما الجزء الثاني فليس محايدا إلا إذا كتبنا الجزئين هكذا: إذا أنت أكرمت الكريم/ة ملكته/ــا.
ويكفي أحيانا أن نضيف /ة بعد كلمة لجعل السياق ينطبق على الذكر والأنثى. مثلا: كل أستاذ/ة محل احترام. هذه صيغة تشير إلى الأستاذة والأستاذ بإضافة بسيطة (/ة). ولكن إذا واصلنا الكتابة، قد نواجه حاجة لاستخدام أفعال أو ضمائر فلا يعود الحياد الجندري ممكنا. مثلا: كل الطالبات والطلاب يحترمن/يحترمون معلماتهن/معلميهم. صيغة كهذه تفتقر إلى السلاسة.
بناء على ما سبق، يمكن القول إن مهمة الكتابة بالعربية بطريقة محايدة جندريا تحتاج إلى جهد أكبر من ذاك اللازم بالإنجليزية. ولكن رغم خصائص العربية التي تذكر وتؤنث أكثر من اللغات الأخرى (على الأقل مقارنة بالإنجليزية التي أعرفها) سيظل من الممكن البحث عن صيغ بديلة تحقق الحياد الجندري، وسلاسة الكتابة والقراءة، والالتزام بقواعد اللغة.
وقد حرصت على كتابة الكلمة هذه بحياد جندري، ولكن لا أظن أن الحياد وقواعد اللغة قد تطابقا في كل جملة، وهذا يظهر حجم التحدي، ولا بد من التماس العذر، والتفكير معا بتحقيق التوافق في كل الحالات.
◄ عدلي الهواري
▼ موضوعاتي
- ● كلمة العدد الفصلي 34: أعذار التهرب من المسؤوليات السياسية والأخلاقية
- ● كلمة العدد الفصلي 33: تنوير أم تمويه؟
- ● كلمة العدد الفصلي 32: حكّم/ي عقلك وأصدر/ي حكمك
- ● كلمة العدد الفصلي 31: قيم لا قيمة لها
- ● كلمة العدد الفصلي 30: النقد والمجاملات
- ● كلمة العدد الفصلي 29: عن الذكاء الصناعي (والغباء الطبيعي)
- ● كلمة العدد الفصلي 28: الورق والتمويل: وصفة الانتحار البطيء
- [...]
المفاتيح
- ◄ كلمة عدد
- ◄ لغة ولسانيات
5 مشاركة منتدى
كلمة العدد 101: الكتابة المحايدة جندريا, هدى الدهان | 27 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 - 09:54 1
موضوع لغوي جميل اخرجنا قليلاً من دائرة السياسة و الاجتماع ولكن برأي كوني امراة يلفت نظري اكثر من يخاطبني بصيغة المؤنت وليس بصيغة التعميم . فتلتقط اذني كلمة "عزيزتي المشاهدة" وكانه يقصدني انا حصرا ولادخل للمشاهد بهذا البرنامج وهناك برامج وحتى مقالات لاينفع معها الا التأنيث او التذكير كبرامج الموضة للفساتين والحقائب و برامج الدعايات للسيارات مثلا.وتفصيل مثل القاريء/القارئة احس فيه بقدرةالكاتب على توجيه الخطاب لكلينا كلّ على حدة.ويبقى تخصيص الجنس او ذكر الاثنين معاً افضل بالتأكيد من مبدا ان المذكر يُكتب و يُقصَد به كلا الجنسين المذكر والمؤنت.
كلمة العدد 101: الكتابة المحايدة جندريا, هدى أبو غنيمة الأردن عمان | 27 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 - 20:14 2
تحية طيبة د.عدلي موضوع جديد يستدعي وجهات نظر متنوعة أعتقد أن أن الكتابة المحايدة جندريا ممكنة في التعبير الوظيفي ,لكنها تفرغ اللغة الأدبية من مضمونها الإيحائي والخصوصية الإنسانية وعلى أية حال يستدعي الموضوع قراءة موسعة لنستطيع مناقشته .كل التقديرلإثارة هذا الموضوع.
كلمة العدد 101: الكتابة المحايدة جندريا, مليكة علاوي الجزائر | 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 - 15:22 3
مرحبا،إذا ما كتب الإنجليز بحياد جندري فلأنهم أدركوا ضرورة إنصاف المؤنث؛الذي يصرّ على وجوده (الواقع المعيش/المنظمات النسويّة)ويثبت أحقيته بنجاحه واعتلائه المناصب العليا الحسّاسة وتجاوز العقد ،فثباته على مطلب المساواة،أعتقد أنّ الكتابة بالعربيّة بحياد جندري غير ممكن،و إن كانت العربيّة طيّعة ،فمن يكتب يحكمه عقل ذكوري غير منصف،لا يرى المرأة وإن كانت نابغة غير تابعة،و إن كان الكاتب امرأة فتوارث التبعيّة يسري تلقائيّاً.موضوع يفتح أبواب النقاشات وأبحاث...تحياتي.
كلمة العدد 101: الكتابة المحايدة جندريا, الدكتور محمد مراح | 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 - 21:20 4
النص \الفكرة يندرج ضمن التوجه العالمي للحركات الحقوقية النسوانية المتطرفة التي تمكنت من فرض إرادتها على المنظمات الدولية ، وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة؛ التي تبنت طروحاها الجندرية ، الهادفة لإلغاء خصيصة الزوجية من العالم ، رغم طبيعيتها، وتجذرها في جل مظاهر الحياة .
مالذي سيتحقق للمرأة من حقوق أو حتى للرجل إن إختفت صيغتا التأنيث والتذكير من الخطاب ؟ ما مصير التراث الزاخر للثقافات ؟ والأهم ما مصير الأنظمة التشريعية القائمة في مصدريتها على نصوص مقدسة (تحديدا القرآن الكريم والسنة النبوية )التي احترمت النظام اللغوي الذي تنزلت وصيغت به ؟
وأي جمالية ستبقى للغة إن هي فقدت نبراتالأنوثة من مفراداتها ونصوصها؟! أليس هذا الاتجاه مفضي إلى تجميد وتحنيط العالم في صيغ لغوية تعبيرية جامدة باردة خالية من أي حس او شعور عاطفي ، لا يمكن أن يكون له محل في الحياة ، إن (تجندرت) اللغة،فيحل عصر الجليد العاطفي
كلمة العدد 101: الكتابة المحايدة جندريا, إبراهيم يوسف - لبنان | 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 - 17:28 5
شرُّ البليّة ما يضحك..؟ استفزتْني بالأمس إحدى سيداتِ "المجتمع الراقي"، وهي تنظِّر وتتحدثُ عن المرأةِ المنتجة وعن عمى المجتمع وظلمِه لها، واستبدادِ الذكور ونصيبِ المرأةِ المنكود. كانت تتظاهر بالسكينة والهدوء، وتختارُ كلماتِها بدقة وتتأنقُ في الحديث عبر إحدى الفضائيات، ودعمتْ منطقها بالإشارة إلى "أم أربعة وأربعين" كيف أطلقوا عليها صفةَ التأنيث للنيل من المرأة بفعل تعصّبِهم وتعنّتِهم..!! وفاتَ طويلةَ العمر أن "أبو بريص" لايقلُّ شأناً عن صديقتِه "أم أربعة وأربعين". أعتذرُ لهذا التشبيه الذي ساقتْه السيدة وهي تتولى همَّ الدفاعِ عن الجنس اللطيف.