جليلة الخليع - المغرب
حروف في قبضة الذاكرة
للكبار فقط
ولأنهم الكبار، نظل نتلعثم في عقدة البوح، نكرر الكلمات إلى حيث لا مرمى، والأهداف نتلقفها بقدم الخيبة.
نعيد تصفيف شعرنا حتى نظهر بما يليق لمن لا يليق، ونعاود الكرة، وللمرة الألف نظل صغارا في زحمة التجاهل.
نستعيد ريق الوجع بطعم المرارة، والصوت المنكسر بالداخل يخرج إفرازاته بلون الهزيمة على لوحة شردتها السريالية في عتمة الزمن الذي يعاني من مغص حاد، وما زال الوجع يطلق صافرته، والآهات تعبر مجرى النزيف.
يأفل النور المعلق بسراج الحلم، نودع في كل لحظة رفة فرح زارتنا ذات إشراق، ونزرع القلق في جيوب بدلتنا المهترئة التي تآكلت بفعل المناسبات التي يتناسل فيها الكبر في جوقة من لغو، والجملة بتراكمات الأفعال، تتضخم غدتها الدرقية، فيصيب الاختناق معاجم اللغة.
نستيقظ في يوم نحاول أن نلبسه ثوبا جديدا، لكنه نسخة مكررة لأجندة الأيام الفائتة، أغفلنا ترقيمها، لكنها تزداد سوادا بفعل الكربون المتطابق، والصورة الأصلية تبددت من كثرة اللمس، والبصمات محت ملامحها الأولى، واستمر التكرار والكربون يتصاعد دخانه .
نظل صغارا، نسمع؛ نطيع ؛ لا نبدي رأيا؛ وان كانت أصابع الاتهام تنهش ضعفنا، وتأكل بشراهة براءتنا، ولكن مع ذلك فالصمت يكسبك الرهان، أو النفاق الممهور بالغنج والدلال يمنحك إكسير الحياة، وتظل دائما في الرتبة التي تريد، وفي المكانة المرموقة التي لا تستحقها، لأنك فقط كنت صغيرا وعلى أيديهم سوف تكبر.
حروف في قبضة الذاكرة
أستعيدني ثقلا متطاول الظل، أمنيات لا تستطيع التنفس، وجها بملامح الأحلام الممسوحة، وعمرا بإيقاع الصخب.
تلتف ساقي على خاصرة الأيام، يتقطع بوح العمر بمسافات الذاكرة النائية، فأنسى قدميّ على عتبة الماضي، وتجترني الخطى بعجلة الأفعال المطوقة لعنق التاريخ المهترئ في أجندتي المتآكلة.
يختنق الحرف بشهقة مختمرة تحت جلدة البياض، تتكاثف الفقاعات في غياب المشاعر، وتنتحر واحدة تلو الأخرى، فـأمتلئ بالفراغ .
كل الأوقات تعيدني لصفحتي الأولى، لنقطة البداية، لمقدمتي التي لم أنفلت من قبضتها، للتكرار المبثوث في دواويني، لقصيدتي اليتيمة وشعري القابع في بقعة السواد.
موجة تلو موجة، وبحر مكتظ العباب، أسبح بظهر أمنياتي فأتركها عالقة بسطح الماء. أخرج مبللة، منفوضة من ذرات تكهناتي الخفية.
تتمشى الضوضاء بالمساحات الشاسعة التي تحتلها ذاكرتي، أركض في المسافات المقابلة التي عبدها النسيان، علني أستقبل ظلي في تراكمات البحث، فأستل ورقتي الضائعة، من دفتر العمر المتبقي، وتصافحني اللحظة بيد بيضاء من غير سوء.
سريالية بخيوط الشمس
يرتفع ضغط يومي وأنا أمتطي صهوة مصعد التعب، أمد يدي نحو الأعلى علني ألامس الراحة المدفونة في قطن السحاب، فأكون تلك الطفلة العاشقة للبياض، المتطلعة للأعلى ترسم بأفقها البعيد ملامح الأحلام المدفونة بوسادة نومها.
كنت تلك الطفلة الحالمة، أستيقظ كل يوم على حلم أخضر أزرعه بمساحات بياضي، فينمو رويدا رويدا لتحتل الظلال جدران غرفتي، فتتشابك الأغصان لتحضنني بقوة حتى لا أنفلت من قبضة الربيع.
لكن، حدث ذات استيقاظ، أنه قد تكسر أحد الأغصان الموعودة باحتضاني، وسقط أرضا، وظللت ما بين الأعلى والأسفل أراهن على سقوطي، والغصن الآخر متمسك بي، ينهر تلك الجاذبية، ويرفعني برافعته نحو سحاباتي اللائي ينفثن في وجهي رغوة البياض، ويدعونني لنسجها ولبسها عند عيد ميلادي المرهونة به حياتي.
ما زلت آيلة للسقوط، مرتفعة بدافعة الصمود، أتأرجح بفعل الطقس، تهب الرياح وتحركني في اتجاهاتها، وأنا ورقة ما بين الاخضرار والاصفرار أستجمع طاقة الألوان لأحقنها بشراييني، فتشتعل شموع صغيرة مغروسة بحلوى العيد.
ألتهم قطعة من نور، فتتمدد الطاقة الكهربائية بداخلي لأطرد العتمة بالأيونات التي تتمشى في سراديبي الخلفية. لتصر وأصر على الارتفاع وأرسم على وجه الشمس ملامح جديدة بقلم حمرة ومساحيق مختلفة، ما دامت كل الأشياء ما زالت تتنفس، ما زالت تزهر، ما زال التشابك هنا وهناك يومئ بالولادة، والحياة تريدني أما كي أمنحها الحنان وأحضنها، فتكبر بداخلي وتلدني ألف مرة أقوى وأكبر.
◄ جليلة الخليع
▼ موضوعاتي
5 مشاركة منتدى
حروف في قبضة الذاكرة, هدى الكناني من العراق | 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 - 04:06 1
جليلة الخليع / المغرب
سيدتي
يا لجمال تعابيرك التي ترشح حزنا يتناسل حتى اكاد اجزم انني اغرق به فاذا بحنان الامل يحتويني وينتشلني من ضياعي داخل دهاليزه.
والحياة تريدني أما كي أمنحها الحنان وأحضنها، فتكبر بداخلي وتلدني ألف مرة أقوى وأكبر.
سلمت اناملك ودام احساسك العالي.
بالتوفيق
هدى الكناني
1. حروف في قبضة الذاكرة, 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014, 22:10, ::::: جليلة الخليع /المغرب
هدى الغالية الرائعة،
هوذاك الحزن الملتف على خاصرة البوح، هو ذاك النزيف الموعودة به حروفي، هي كلماتي التي تغادر مناطق الفرح، لتستجمع دموعها وتذرفها في تجمهراتي.
هدى الغالية ، قراءتك أحس بأياديها تضمني ، لتزرع بروحي بعضا من نور مشتت هنا وهناك ، فيسكنني الأمل والأمان.
شكري الكبير أيتها الرائعة جدا ، وباقة ورد تليق بروحك البهية.
حروف في قبضة الذاكرة, إبراهيم يوسف - لبنان | 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 - 16:49 2
جليلة الخليع
"ونظل صغاراً.. نستعيد في زحمة النسيان ريق الوجع وطعم المرارة".. من جهتي ..؟ عرفت طعم هذه المرارة في إحدى المحطات.. لكنني ركنتها في زاوية من زوايا الروح- ولمّا تزل تستفيق وتؤرقني من حين إلى حين. سِمَتُكِ يا سيدتي حسن الاستعارة ولماحة الإيحاء.
خالص محبتي وتقديري
1. حروف في قبضة الذاكرة, 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014, 01:24, ::::: جليلة الخليع /المغرب
سيدي الكريم، هي مرارة يصعب علينا ابتلاعها، وحتى إذا ما ابتلعناها تظل تسكن الذوق وتعكر صفو النكهات التي تحاول أن تنسينا هذا المذاق القبيح.
أستاذي الراقي دائما إبراهيم قاسم يوسف، شكري الكبير حضورك الرائع كما العادة وقراءتك العميقة.فما أحوجنا لمن يقرأ بوحنا بعمق.
تقديري الكبير وكثير ود واحترام.
حروف في قبضة الذاكرة, مليكة علاوي الجزائر | 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 - 16:18 3
وكأنّك لم تنه سرياليّة بخيوط الشّمس.أسلوب أنيق مشوق بصور تدعو إلى التّأمل..دمت
1. حروف في قبضة الذاكرة, 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014, 01:30, ::::: جليلة الخليع /المغرب
غاليتي مليكة علاوي،تسكنني تلك السريالية، فأعبث بخيوطها إلى حيث حلقوم البوح، ليستعصي علي فك طلاسمها المنغلقة على ذاكرتي.
شكري الكبير مليكة الغالية الرائعة حضورك المفعم بالنور.
محبتي وباقة ورد.
حروف في قبضة الذاكرة, هدى أبو غنيمة الأردن عمان | 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 - 14:25 4
أ/جليلة الخليع تحية طيبة ذاكرتك المتوقدة شكلت من الحروف أجمل الكلام ومن الكلمات نصا جميلا غاية في الشفافية نرى أنفسنا فيه ونشاركك وجع البوح ومتعته لك مودتي وتقديري.
1. حروف في قبضة الذاكرة, 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014, 19:28, ::::: جليلة الخليع /المغرب
الأستاذة المبدعة هدى أبو غنيمة، هي ذاكرة تظل متوقدة، وتشعل أنوارها/نيرانها كلما هبت رياح الماضي ولفحت وجوهنا.شكرا للحضور المشجع، وللنور الذي أضاء الصفحة .
محبتي مبدعتنا وباقة ورد تليق بك.
حروف في قبضة الذاكرة, ايناس ثابت اليمن | 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 - 14:26 5
جمال التصوير والمشاعر والكلمات بادٍ في نصك.
تحياتي لكِ ولمشاعرك الراقية.
1. حروف في قبضة الذاكرة, 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014, 19:31, ::::: جليلة الخليع /المغرب
إيناس الغالية الرائعة ، الجمال يكمن في هذا الحضور البهي الممهور بالأحاسيس الرقيقة.
شكرا كبيرة وباقة ورد .