هدى الكناني - العراق
مجرة ولودة
اسمك وشمي
كل مرة تؤذيني أو تُخطئ، أغزل من كلمات الحب شباكا، أطرّزها بحروف أسمك؛ لأصطاد لك بها الصفح والغفران من سويداء قلب يموج ثورة توجعه حد الجزع.
كم مرة أعدت لبحيرة حبنا صفاءً، عَكَرْتَه بأحجار أخطائك العمياء. هذه المرة طعنتك النجلاء، فستان من الساتان والتل الأبيض، مقتلي؛ ليست هي الأجمل ولا الأفضل. لكن أتراه حظي العاثر الذي يطل من عيني خَجِلا متعثرا، جعل قلبك يتعثر في الوصول إلي؟ أم حظها المتوثب توقا وتغنجا، سرق المبادرة من عينيك؟
سأشم جسدي ووجهي وجفوني بحروف اسمك وسأحتمل كل الأوجاع، لأخرج كائنا غريبا آخر، علّي أكف عن حبك.
مجرة ولودة
دعني أخلع جسدا ممزقا فشلا ومهترئا خيبات، لأرجع أثيرية الروح؛ ذرة في كون شاسع، ضاعت في دهاليز جسد وعالم مادي، أراد نحر روحها وما أستطاع، فذبح القلب من الأذين إلى البطين فصيّره نصفين، التهمت نصفه الأول النيران، ومات الآخر تجمدا وجزعا، فعطلت فيه المشاعر والإحساس.
سأعود إلى كون خصب، ولود، مليء بالمجرات، علّ مجرة خصبة وَلُود تتناسل نجوما، أقمارا و كواكب، تتبنى روحي، تحتضنها وتلفها بنسيج من غبار النجوم كقِماط طفل. يزورنا قمر مغامر ومسافر منذ الأزل، يحكي لنا كل يوم مغامرة مفعمة بالتشويق والصور وأغفو على تهويدة نجوم فرحات ينشدن تراتيل أمل. يزددن مع ولادة كل مجرة نجما، كوكبا أو قمرا، عليّ أغفو قريرة العين أسبح في ضيائها بأمان لآخر الدهر.
في حضورك لن ألوذ بكتاب
رفع رأسه عن الكتاب الذي يقرأه وتمتم مخاطبا نفسه: "ويح قلبي. ما أنساني عطرها، كل ذاك الغياب. أيعقل أن تكون هنا؟ فلطالما كان عطرها يسبقها حتى قبل أن تفتح الباب، بالنسبة لي على الأقل".
تمسّك بالكتاب بقوة بكلتي يديه ولاذ به وكأنه ساتره الذي يلوذ به من وابل ترسانتها التي تمطر رقة وحضورا آسرا، فاستفاقت رغبة كانت نائمة في عروقه، تزأر وتزمجر وتُشِب في قلبه النيران.
دلفت الحجرة غافلة، فاجأتها رؤيته ووقفت معقودة اللسان كتلميذ صغير أمام أستاذ جليل؛ تلعثمت وبالكاد حَيته، وعيناها مفتوحتان على مصراعيهما، تعِبُ النظر كما يعب العطشان الماء. أحتضر كبرياؤها حتى خافت أن يموت بين يدي قصيدة تزفرها عيناه.
"كم أعشق الأقمار التي ترصّع سواد ليل شعره حتى ليتضاعف أملي يقينا من أنها قد تنير القادم من الأيام، ليتك تقتنع أن سنواتك العشر التي تزرعها أشواكا في درب عشقنا، هي جسري الذي آمل يوما ما، أن يوصلني إلى قلبك وينجيني من ضياعي بعيدة عنك. وأن ليلة جمعتنا، كانت هاربة من إحدى قصور ألف ليلة وليلة بغموضها الحنون ودفئها المسعور وكلماتها المنتحرة بين براثن عصور".
مخاطبا نفسه: "ما كنت أود رؤيتها قبل أن أمارس كل طقوس ضبط النفس البوذية والهندوسية وكل ما ذُكر في الكتب السماوية، كي لا تنهار مقاومتي لذلك الوجه الطافح رقة حرير أِستُعير من شرانق الأحلام، وذلك الخال الذي يطرز خدها الأيمن كنجم قطبي يسكن سماءً صافية".
حاول ارتداء ثوب الهدوء والوقار، لكن الرداء بدأ يتفتق ويتمزق، فما عاد يتسع لارتعاشة لهفته لضمها إلى صدره ولثم جبينها والغرق في غدائر شعرها فتمسك بكتابه أكثر من ذي قبل.
هدأت أنفاسها اللاهثة وسألته: "متى عدت؟".
أبتلع ريقه جاهداً وسعل: "منذ فترة قليلة".
"حمداً لله على سلامتك، لن أشغلك أكثر، برعاية الله".
انسحبت متنهدة، متأثرة، تحاول إخفاء دمعة متأهبة للسقوط، لتحرق كبرياء مهترئ المقاومة. لم تعد عيناه قادرتين على رؤية حرف واحد في الكتاب وفقد الرغبة في كل شيء. رمى الكتاب قائلا:
"ليتني أسفح كلمات الكتب كافة وأذبحها قربانا في محراب عينيك ولتنبجس ثورة من شقائق النعمان ترتديني حد الاختناق. آه يا صغيرتي وإن رحل صوتك، أعيش الحاضر بماضي لحظات قليلة قضيتها معك".
يخرج إلى الشرفة علّ النسمات تخفف حرارة نيران سرت في عروقه كما تسري النار في الهشيم.
"يا قلب؛ أنت في حضورها كنجم محتضر، ما أن تغادرك، تلفظ آخر أنوارك".
سارع الخطى نازلا محاولا اللحاق بها، مناديا اسمها وكأنه يرتشفه حرفا بعد آخر ليطفئ ظمأ قلبه.
توقفت، ما أن سمعته يهتف باسمها وفستانها يرفرف كأجنحة فراشة مفعمة بالحياة.
بادرته: "لم بعدت؟ لم تأخرت؟"
يصمت.
"ألن تجيب؟".
يرد: "كلا".
تفتح عينيها على وسعهما لتتألق بذلك البريق الماسي وكأنها أنوار مذنب عجوز غاب عن الأرض مائة عام وعاد ليودع كل ألقه فيهما.
وبخطوة واحدة واسعة ومفاجئة احتوى وجهها بين كفيه:
"كان بعدك عني يقتلني باليوم ألف مرة ومرة وأملي بيوم أراك فيه وأحتويك بين ذراعي، هاجسي الذي أبقاني حيا. كم ذبت شوقا للغرق في ضحكة عينيك وغدائر شعرك، بل اشتقت حتى لنوبات جنونك التي تمسح غبار الملل عن أيامي".
وأضاف: "منذ هذه اللحظة، أبرء إليك من بُعد أو نسيان يلجمني ويكمم فمي، فلا ينطق باسمك أو يمنعني من أن أحتويك بين ذراعي".
◄ هدى الكناني
▼ موضوعاتي
9 مشاركة منتدى
اسعد كثيراً بقراءة ماتكتبين فكماتك تنبض في قلوبنا فهنيئا لمجرتنا بولادة نجمة جديدة مثلك سلمت اناملك ياهدى
1. مجرة ولودة, 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014, 20:44, ::::: هدى الكناني من العراق
احلام مهدي من العراق
وسلم احساسك الراقي عزيزتي.
دوما يسعدني مرورك الدؤوب الذي يعطيني حافزا كي اخطو خطوة للامام.
أحب ما تكتبين.
رائعة الحرف أنتِ.
1. مجرة ولودة, 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014, 20:53, ::::: هدى الكناني من العراق
ايناس ثابت / اليمن
لطالما اسعدتني كلماتك
وحروفك التي تفيض رقة كجريان مياه رقراقة عذبة كم اعجبني وحلق بي عاليا ما كتبت في مشاركتك ، عزيزتي
كل الود والتوفيق لقلمك الساحر
هدى
روعة بل اكثر من روعة
1. مجرة ولودة, 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014, 20:49, ::::: هدى الكناني من العراق
زيد المهداوي السويد
احساس رائع، يغمرني حين تعجبكم كتاباتي
عطرني مرورك .
هدى
"ويشبُّ في قلبي حريقُ
ويضيعُ من قدمي الطريقُ
وتطلُّ من رأسي الظنونُ تلومني"..
من يملإِ القنديلَ زيتاً يا صديقتي..؟ ينشرُ العتمةَ ويستأثرُ بالنور. "أحببتُ النسوة" ونونهنَّ وراقتني تراتيلُ الأملِ وما تلاها. "ولطالما عطرُها كان يسبقها، حتى قبلَ أن تفتحَ الباب"..؟ الباقي نقطة زيتٍ من القنديل لطّختْ أناقةَ الفستان.. كما الدفءُ مناخٌ طيِّبٌ لا يحتملُ السعير.
محبتي وإعجابي بالنص ورهافة مشاعرك.
1. مجرة ولودة, 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014, 21:06, ::::: هدى الكناني من العراق
ابراهيم يوسف/ لبنان
االاستاذالعزيز
اتدري ياصديقي لقد كنت اخاف التعامل مع نون النسوة ، لئلا اُخطيء بها لكنك دوما كنت لي وللكل عونا في تفادي الكثير من الاخطاء فبت احبها ولا اخاف التعامل معها بفضلك.
شرف لي اعجابك وحبك للنص وذلك المرور المعطر بالحنو اللغوي والعمق الذي تسبر به اغوار النصوص الانسانية.
دام مرورك استاذ
أ/ هدى الكناني ,تحية طيبة نصك المرصع بالتعبيرات الجميلة والصور والمفردات هو مجموعة من الفراشات البديعة الألوان في أفق الفكرة نعدو وراءها علنا نمسكها مأخوذين بجمالهاوألوانها سلم إحساسك المرهف .
1. مجرة ولودة, 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014, 20:56, ::::: هدى الكناني من العراق
هدى ابو غنيمة/ الاردن
استاذتي العزيزة
لي الشرف ان تؤطر كلماتي بهذا التقييم من اديبة وناقدة مثلك
وسلم ذاك الاحساس الانساني الذي يرشح من كل ما تقولينه وتكتبين.
الأستاذه هدى الكناني
هناك مقولة لشاعر ايرلندي تقول :"إمش في الهواء مخالفآ لما
تعتقده صحيحآ "
وهكذا يمشي الكثيرون نحو أقدارهم عكس المنطق .
أعجبني نصك كثيرآ حتى تمنيت أن آخذ مكانك وأتبع اسلوبك كي أجد
تعليقآ رائعآ يليق به
1. مجرة ولودة, 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014, 21:17, ::::: هدى الكناني من العراق
مريم / القدس
سيدتي
سعيدة انا بما اطريتني حد الخجل
لو استطعنا في تلك اللحظات التي تمر بنا ، حتى لكاننا مغيبين عن الوعي و لو استطعنا التحكم بقلوبنا وبانفعالاتنا ،بل اعطيناها اجازة وتبعنا عقولنا وما تُشير به علينا، قد نكون اوفر حظا،ربما؟؟؟
دام مرورك عزيزتي
الست هدى اسمك وشمي كانت من اعذب ما قرأت لكن من اين يأتي الحبر ؟ من اين نبتدأ بوشم الاسم ؟ ان كان الحلقُ يجف اذا لفُظَ اسمه ، فهو الذي لاذ بكتابه ومن ثم عادَ ونادى وتكلم ونطق وهزمَ جبروت رجولته وقلبه .. استمري بالتآلق
1. مجرة ولودة, 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014, 21:24, ::::: هدى الكناني من العراق
آيات / العراق
لقد عبقني ردك عزيزتي بعبق نثر جميل تراقصت على انغامه
قصيدة حانيةغفت بين سطوره
اسعدني مرورك
أجَدتِ عزيزتي بوصف الرجل حين يلتقي بالمراة ..يمارس طقوس كل الاديان و خرافات كل الشعوب و تعاويذ الجدات و بالنهاية لايفلح في اخفاء شيء كالطفل تصطبغ يديه وشفتيه بالحلوى ويؤكد لك انه لم يأكل شيئا قبل الغداء .نص تحليلي جميل
1. مجرة ولودة, 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014, 17:57, ::::: هدى الكناني
هدى الدهان
اشكرك عزيزتي
وهذه شهادة اعتز بها
سعدت لمرورك ولرجوعك الميمون بنقد تحليلي رائع
لطالما القى ضياءا على الكثير من السلبيات الساكنة في اعماق ﻻ تراها
اﻻ عيون خبيرة لماحة.
هدى الكناني
هي صكوك غفران معتقة في قارورة الحب، ووشم راسخ بجدار الذاكرة الحية بكل إطلالة تشرق معها الروح ، ليتظل الأمنيات في تناسل ، والأمل يعد مواليده في تجمهرات الحروف ، وفي طقوس البوح الموصولة بالوجع ، المتطلعة للنور.
هدى الغالية المبدعة ، دمت شمعة نستنير بها ، وترشدنا لمسارات الكلمة الرقيقة وللأحاسيس المرهفة ، والأدب الراقي بامتياز.
محبتي أيتها الرائعة وباقة ورد تليق بك.
1. مجرة ولودة, 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014, 20:59, ::::: هدى الكناني من العراق
جليلة الخليع من المغرب
سيدتي
أسعدتني كلماتك حتى لكأنني اتنفسها حرفا حرفا كنسائم عذبات وكقطرات ماء تبلل خاطري الموجوع بالجفاف كدلاء ناعور تمتليء ماءً، لتسقي كل شيء ويرتوي، إلا دلائه تبقى تلهث لأرتشاف قطرة ماء.
ما أن تعلقي على مشاركتي ينتابني احساس وكأن حروفك تعانق حروفي وتسمو أملا فوق الخيبات .
دام مرورك المعطر بعطر أول وردة ربيعية بِكر ماشمها انسان بعد.