غانية الوناس - الجزائر
إلى فلسطين وكفى
تعلمني فلسطين أن الحب امتداد على طول المسافات، وأنه وحده يستطيع كسر الحصار، واختراق الحواجز، وحده يصمد حتى النهاية ليمنحنا أخيرا جواز العبور إلى نبضها.
لم أكن أحمل الموت في قلبي، كانت الحياة تغمرني من رأسي حتى قدمي. كنت أكتب لها وأهديها قصائد مبتورة، أنصافها جميعا معلقة هناك على جدران العودة، لحين اكتمال عقد الرجوع.
كنتُ أرسمها في أحلامي وطناً نرتمي في حضنه آخر الوجع، نرتديه معطفاً إذا ما بردنا، نتنفسه هواء إذا ما اختنقنا، نسكبه ملحاً على آخر الجراح ولا نبكي ولا نتألم، فقط نبتسم لأن ابتساماتنا ضوءٌ سينير النفق لحين وصولنا.
قلت لصديق لي: سأعود يوما.
قال لي: قولي سترحلين، لكن إلى أين؟
قلت: أؤكد لك أنا سأعود، سأعود كما كل العائدين إلى فلسطين بعد حين، سأحمل قلبي ودفاتري، كل أشعاري التي كتبت فيها عنها، سأحمل نبضاً ما خفّ يوماً ولا استقال، سأحمل أنفاسي، هواجسي وأحلامي، بعض الأمنيات وليس كلها، ففي هذه الأرض سأترك عطري مبتلا بالتراب.
سأعود معهم، لن يوقفني حاجز أبدا، ولن يهتم أحد إذاك بالتدقيق في هويتي، ملامحي من ملامحها، فلسطين تنثر قسماتها على وجهي، وتلك الابتسامة هي من وحيها، أنا أشبهها أعرف ذلك وأشعر بذلك وأحيا بذلك الشعور الحي اتجاهها.
تتلبسني في كل حرف وسطر وقصيدة وديوان وكتاب، تجسدني أطيافها حين أقف على باب التاريخ أرسمها بعيني، ما بيننا مسافة دعاء وركعتين، هي أنا وأنا هي حين أطالعها في أحلامي، تشبه جداتي، رشيقة القوام، سيدة حين تقف، غائرة نظراتها، لا تتحدث كثيرا، تبتسم أغلب الوقت حتّى وهي حزينة، لا تضحك فقط تبتسم فالابتسامة في طقوسها قوة، وهي قوية إلى ذلك الحدّ وأبعد، معتدة بذاتها، عزيزة النفس، رقيقة، عذبة، شفافة، صامدةٌ، كونٌ جميلٌ يختصر الأوطان في كلمة.
حين أدخلها أول مرة، سأقرأ الفاتحة وبضع آياتٍ أحفظها من سورة يوسف. سأدخل برجلي اليمين هكذا في عاداتنا، سأقبل ترابها، سأنحني لأهمس في جوفها، اشتقتكِ ما مرّ الزمان مُرا في بعدك. اشتقتك ما امتد في هذا الكون عطر الزهر عبيره.
اشتقتك كونا واثنين، وألفين من القبلات كنت اخزنها في قلبي ريثما ألقاك.
اشتقتكِ أماً وأباً، عائلةً وأصدقاء، اشتقتكِ وطناً، اشتقتكِ أرض العودةِ والانتهاء.
يحسبني صديقي أهذي بها، يقول لي : كلّ الذين أحبوها ما رأوها رؤيا العين، قتلهم شغفهم بها، ماتوا وهم يطلبون ودّها. حبّها قاتل يا صديقتي، حبها قاتلٌ هذه الأرض المستحيلة، لا أحد عاد من عشقها حياً.
أجيبه: وهل تلوم عاشقاً؟ هل تطلبُ منه شروحاً؟ هل تبحث في ملامحه عن جوابٍ لعشقه؟
يا صديقي هذا الحبّ هو ما يبقينا أحياء، هذا العشق الفطري للأرض المستحيلة هو ما يجعلنا نرسم أحلامنا هناك في السماء وليس في الأرض. فلسطينُ جنتّنا، وقودنا، نبضنا، خفقانُ قلوبنا التي لا تهدأ، نبضُ عروقنا التي لا تجفّ منها الدماء، فلسطينُ ثورتنا، زهرتنا، شمسنا والقمر. هي عقيدتنا، إنّها إيماننا بأن الله موجود.
أتريدني أن أكفر؟ أنا إن لم أحبّها أكون قد كفرت. تعلّمني فلسطين الحبّ، تعلّمني الحياة، تعلّمني أن أؤمن بالله وبها كل يوم أكثر. وأنا لازلتُ على عهدي بها. لا زالت بوصلتي لا تشيرُ إلاّ إلى حيفا.
◄ غانية الوناس
▼ موضوعاتي
4 مشاركة منتدى
إلى فلسطين وكفى, هدى الدهان -العراق | 27 تموز (يوليو) 2014 - 18:47 1
مادام هناك برتقال وزيتون تبقى حيفا .ومادام هناك عجوز نقي القلب بعكاز و ام تصنع الجميد للابطال تبقى حيفا .ومادام هناك طفل ينتظر ان يكبر ليستطيع ان يحمل الحجارة المتبقية من هدم بيتهم في غزة ليرميها في وجوه من كسروا العابه ستبقى حيفا .
إلى فلسطين وكفى, هدى أبو غنيمة الأردن عمان | 28 تموز (يوليو) 2014 - 20:11 2
أ/غانية الوناس تحية طيبة وكل عام وأنت بخير نصك الجميل يعبر أدق تعبير عن الرؤيا التي تسكن أرواحنا ,ففلسطين قبلة الروح وتحرير القدس كلمة السر لنهضتنا الحضارية لو يدري أعداؤها إرهاصات الوعد الحق ,لخرجوا منها.سلم قلمك.
إلى فلسطين وكفى, مريم -القدس | 29 تموز (يوليو) 2014 - 22:06 3
الصديقة غانية
سلام الله عليك وعلى من أحب وعشق ثرى فلسطين الأبية.
سلام الله على أرض خلقت للسلام ولم تعرف معنى السلام
فلسطين الملهمة لأبنائها الميامين المنزرعين بين ذراعيها كصخور جبالها الشماء
ستبزغ شمس الحرية ولو بعد حين ،ويعود المهجرون لديارهم ،وسينعمون بدفيء ثراها وطيب هواها وعبق برتقالها ..
إلى فلسطين وكفى, إبراهيم يوسف - لبنان | 30 تموز (يوليو) 2014 - 14:07 4
(لقد صامَ هنديٌ.. فَرَوَّعَ دولةً
فهل ضارَ عِلْجاً صومُ مليونَ مُسْلمِ"..!؟
لكنَّ غزَّة انتصرتْ
لم يبقَ أمام الصهاينة
إلاَّ إلقاء السلاح
قريبا جداً
سنحتفل بالنصر في لبنان
وتحتفلون أيضاً في الجزائر
ويحتفل به أحرار الدنيا
في غير مكان
وفي غزة سيحتفلون بالنصر المبين
انتصار الدم على السيف