عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

ملف: غزة 2014

أسبوعان في غزة


النص أدناه المادة مقتطف من موضوع عنوانه "لمصر أم لربوع الشام؟" نشر في العدد 84 من "عود الند" (نيسان/أبريل 2013). ونعيد نشره للتذكير بأهمية التضامن مع أهالي غزة.

المجلس العالمي لكتب اليافعين (ايبي:IBBY) هيئة دولية غير ربحية تأسست في سويسرا عام 1953، وتهتم بكتب الأطفال. أذكرها في البداية لأن لرئيسة فرع المجلس في فلسطين، جهان حلو، الفضل في تمكني من زيارة قطاع غزة مع وفد أراد زيارة مكتبتين قدم لهما المجلس دعما ضمن برنامجه "أطفال في ظل الأزمات"، وهما مكتبة العطاء (بيت حانون) ومكتبة الشوكة (رفح).

طبيعة زيارة وفد المجلس متوافقة مع اهتماماتي كناشر لمجلة ثقافية، لذا أعلنت رغبتي في المشاركة في الزيارة، وعرضت أن أضع خبرتي في الإعلام والنشر الثقافي الإلكتروني في متناول المؤسسات المحلية في غزة في حال الرغبة في تنظيم دورة تدريبية أثناء الزيارة.

زيارة وفد ايبي لم تكن ممكنة دون تعاون مع مؤسسة محلية مقرها في غزة. وقد جاء هذا التعاون من مركز القطان للطفل في غزة، الذي قامت مديرته، نهاية أبو نهلة، بكل الإجراءات التي سهلت القيام بالرحلة، بما في ذلك الدعوات والتنسيق مع السلطات المحلية.

سبق ترتيبات السفر الحصول على موافقة وزارة الخارجية المصرية على السفر إلى غزة عبر معبر رفح، وموافقة فلسطينية على دخول غزة. قبل بدء الرحلة من لندن في الثامن من نيسان/أبريل 2013، كنت على علم بأني سأذهب إلى المكتبتين المشار إليهما أعلاه، وسوف أقوم بدورة تدريبية في مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي، وأخرى في مركز تطوير الإعلام التابع لجامعة بير زيت.

يوم الخميس 11 نيسان/إبريل 2013 بدأت الرحلة من القاهرة إلى غزة في السادسة صباحا. جهان حلو وأنا صدمتنا السرعة الرهيبة التي لجأ إليها السائق في أماكن وحالات لا تسمح بالسرعة. ولذا كانت العلاقة مع السائق الشاب متوترة قليلا على الطريق.

حنون/دحنونكان في انتظار وصولنا على الجانب الفلسطيني منسقة نشاطات ايبي في غزة، نبيلة نزار، وكاتبة قصص الأطفال جيهان يحيى أبو لاشين، والسائق علي. أبلغنا على الطريق أننا مدعوون إلى مطعم مطل على البحر حيث سنلتقي مع أحمد عاشور، رئيس فرع مؤسسة تامر في غزة، ومجموعة من زملائه وزميلاته في المؤسسة.

بهاء عليان كان مسؤولا عن التنسيق معي في شأن الدورة التدريبية في تامر. اتفقنا على التفاصيل، آخذين في عين الاعتبار الأوقات المناسبة للمشاركات والمشاركين في الدورة. وكان الموعد الأنسب البدء عند الثالثة بعد الظهر، لكي يتمكن من يعمل أو يدرس في الجامعة من الحضور.

نسقت أيضا مع نبيلة نزار مواعيد زياراتي لمكتبتي العطاء والشوكة. وكان الموعد الأنسب في الصباح، قبل أن يذهب الطالبات والطلاب الصغار إلى الدوام الدراسي المسائي.

بعد الجلسة في المطعم ذهبت إلى فندق مارنا هاوس، وهو قريب من مستشفى الشفاء الذي يذكر في التقارير الإخبارية كثيرا كلما تعرضت غزة إلى عدوان إسرائيلي.

صباح الجمعة، سألت أبا أحمد، أحد العاملين في الفندق: "هل البحر قريب؟" قال: "نعم". طلبت أن يدلني على الطريق، فقال: "عندما تخرج من مدخل الفندق اذهب إلى اليمين (شارع أحمد عبد العزيز)، وعند أول شارع در إلى اليسار (شارع عز الدين القسام)، وسوف تجد شارع عمر المختار. در إلى اليمن وواصل السير وستجد البحر".

كانت غزة هادئة جدا. حركة السيارات قليلة، ومعظم المحلات مغلق. وجدت في نهاية شارع عمر المختار مكانا أدخل منه لأقف على شاطئ البحر، وكان ميناء غزة على شمالي. قضيت بعض الوقت في تأمل البحر وتصوير الأمواج، وعدت إلى الفندق.

مكتبة العطاء

لم أصل إلى مكتبة العطاء في الموعد المقرر، واعتذرت عن التأخير، وشرحت أنه لم يكن بوسعي الوصول في الموعد لأني زائر، ولا أستطيع القدوم إلى المكتبة لوحدي. أمضيت ما تبقى من الوقت قبل موعد الذهاب إلى المدارس في التعارف ووعدت أن أعود في اليوم التالي في الموعد.

في اليوم الثاني أيضا جئت متأخرا، وحاولت أن تكون الزيارة مثمرة رغم عدم وجود أجهزة كومبيوتر للعمل عليها، سوى جهازي الصغير. والمسألة أيضا أكبر من توفر أجهزة، فالكهرباء تنقطع فجأة، وهذا ما حدث أثناء الزيارة الأولى.

شرحت للطالبات والطلاب الصغار طريقة عمل فيديو من مجموعة صور يرافقها مقطع موسيقي. وبعد ذلك سألت إن كانوا يحبون أن يقرؤوا من القصص واسجل لهم أصواتهم ليسمعوها. راقتهم الفكرة، ودب الحماس على المشاركة في قراءة فقرة من إحدى القصص، وبعد ذلك أسمعتهم ما قرأوا، وكان هذا الجزء من الزيارة الأنجح خلال الزيارتين.

مكتبة الشوكة

وصلت متأخرا أيضا إلى مكتبة الشوكة. وقدمت اعتذاري. وعدت أن آتي في اليوم التالي في الموعد، ولكني تأخرت، فحيث نزلت في خان يونس لم يكن موقف السيارات الذي يمكن أن أركب فيه سيارة أخرى إلى الشوكة.

شرحت في مكتبة الشوكة كيفية عمل فيديو كما فعلت في مكتبة العطاء. المقر الذي توجد فيه مكتبة الشوكة يفتقر أكثر إلى الأساسيات. وكما قال لي أحد العاملين في المكان فإن الإنجاز الأكبر توفير مكان آمن للعب، حيث يوجد ملعب صغير بالقرب من المقر.

وضع مكتبتي الشوكة والعطاء يظهر الحاجة الماسة إلى موارد وخاصة الحواسيب، فهذه الأجهزة مهمة في التحصيل التعليمي وتفتح نوافذ على العالم.

وصل ثلاثة من كبار المسؤولين في ايبي يوم الأربعاء، 17 نيسان/أبريل 2013. تكون الوفد من احمد رضا خير الدين، رئيس ايبي الحالي (ماليزيا)، وباتسى الدنا، الرئيسة السابقة (كندا)، وليز بيج، المديرة التنفيذية (سويسرا). لم أرافق الوفد في زيارته لمكتبة الشوكة فور وصوله، فقد ظل دخوله غزة غير مؤكد حتى وقت متأخر من اليوم.

في اليوم التالي، قام الوفد مصحوبا بجهان حلو ونبيلة نزار وأنا بجولة زيارات ميدانية بدأت بزيارة مكتبة العطاء في بيت حانون، حيث التقى أعضاء الوفد بعدد كبير من الطالبات والطلاب صغار السن في المكتبة، ورحب الصغار بهم بنشيد جميل يقول:

أهلا وسهلا ومرحبتين

نورتونا يا نور العين

لما جيتو زرتونا

صارت فرحتا تنتين

تركزت أسئلة أعضاء وفد ايبي على أنواع القصص التي يقرأها الطالبات والطلاب في المكتبة. وتبين من الإجابات تنوع القصص التي تجذبهم. وشاهد أعضاء الوفد عينات من قصص كتبها ورسمها الطالبات والطلاب. وسأل أعضاء الوفد عن نشاطات غايتها أن يكتب الأطفال قصصهم بدون تدخل الكبار. واختتم اللقاء عند اقتراب موعد بدء الدوام المدرسي المسائي. وعبر الصغار عن تقديرهم لأعضاء الوفد عندما أنشدوا كلمة "كيلو". ثم صفقوا مرتين، كل مرة ثلاث تصفيقات سريعة، ثم هتفوا بـ "هو" بطريقة تشبه التخويف.

اجتمع أعضاء الوفد أيضا مع الأمهات والآباء، الذين قالوا إن مجيء أبنائهم وبناتهم إلى المكتبة، والمشاركة في نشاطاتها، لهما آثار إيجابية على ثقتهم بأنفسهم، وأدائهم الدراسي، وسلوكهم الشخصي. وسأل أعضاء الوفد الأمهات والآباء إن كانوا يقرؤون القصص لأبنائهم وبناتهم، فكان بينهم من يقرأ دائما وبعضهم يفعل من حين لآخر.

بعد زيارة مكتبة العطاء، توجهنا إلى مخيم جباليا والمنطقة المحاذية له، وزرنا مركزا لرعاية الأسرة، واستمع الوفد إلى شرح عن النشاطات المتنوعة التي ينظمها. ثم تجولنا في شوارع مخيم جباليا الضيقة، وزرنا اثنين من بيوت المخيم.

كان من المقرر أن يستأنف الوفد نشاطاته بعد الظهر، ولكني اكتفيت بهذا القدر من مرافقته نظرا لارتباطاتي الأخرى.

التدريب في مؤسسة تامر

الورشة التدريبة في مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي اعتمدت على استخدام المشاركات والمشاركين حواسبهم الشخصية المحمولة، ووفرت المؤسسة خدمة الإنترنت اللاسلكية وشاشة تلفزيونية ساعدت على شرح الخطوات التطبيقية. نسبة المشاركة من الجنسين كانت متساوية تقريبا. وكانت الدورة بمعدل ثلاث ساعات يوميا، من الثالثة بعد الظهر وحتى السادسة. في ختام الدورة حرص عدد من المشاركات والمشاركين فيها على دعوتي إلى مطعم مطل على البحر، والتقينا في اليوم التالي في مطعم "الديرة" وقضينا فيه وقتا جميلا.

شملت الدورة في مقر مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي لقاء دام حوالي ساعتين مع مجموعة من الشابات والشباب الأصغر سنا، المنتسبين لبرنامج "يراعات" الذي تديره تامر. وكانت جلسة سؤال وجواب. وكنت أتمنى توفر الوقت ليكون لهم دورة خاصة بهم.

التدريب في مركز تطوير الإعلام التابع لجامعة بيرزيت

الدورة في مركز تطوير الإعلام كانت أيضا عن الصحافة واستخدام الوسائط المتعددة في المواقع الإخبارية ووكالات الأنباء. المركز مجهز بكل ما احتاجته الدورة من أجهزة وبرامج وخدمة إنترنت. وفي حال انقطاع الكهرباء، كان التيار يعود من مصدر توليد كهرباء بديل. ساعات هذه الدورة كانت ست ساعات يوميا، ولذا أمكن قضاء المزيد من الوقت على بعض التمرينات في الكتابة أو نقاش قضايا نظرية أو متعلقة بأخلاقيات العمل الصحفي، من قبيل حماية المصادر.

لقاءات

تسنى لي في غزة اللقاء مع زميلتين كاتبتين في "عود الند": سمر شاهين وزينب خليل عودة، وهما صديقتان قبل الكتابة في "عود الند". سمر شاهين صحفية قديرة، وتدرّس الإعلام في جامعة فلسطين. واكتشفت أثناء الزيارة أن زينب عودة مصورة محترفة وضعت إحدى صورها على غلاف تقرير صادر عن المرصد الأورو-متوسطي لحقوق الإنسان (1) حول استهداف الأطفال في العدوان الإسرائيلي على غزة في تشرين الثاني/نوفمبر 2012.

الكاتب الفلسطيني حسام دجني تطوع لأخذي في جولة في غزة، شملت أحياء غزة القديمة كحي الدرج، والحديثة كالرمال، مرورا بمقر مجلس الوزراء، ومقر المجلس التشريعي، والجامعات، وساحة الجندي المجهول، ودوار حيدر عبد الشافي، ودوار أنصار. وجلسنا في مطعم ومسمكة منير أبو حصيرة، أشهر مطاعم السمك في غزة.

وكنت ألتقي في الفندق بعد انتهاء واجباتي اليومية زملاء وزميلات، أفرادا أو جماعات، وقضيت معهم جميعا وقتا جميلا. منطقة خدمة الزبائن في مقهى ومطعم الفندق أقيمت حول شجرة قديمة راسخة الجذور في المكان، والجزء الأكبر من المقهى فيه الكثير من شجيرات الزينة. أما المدخل فتزينه الأشجار المزهرة على الجانبين (أنظر/ي زهرة لوحة غلاف العدد 84).

يوم الجمعة، 26 نيسان/أبريل 2013، غادت الفندق في غزة في الساعة الثامنة صباحا، ووصلت القاهرة بعد الثامنة مساء بتوقيتها.

= = = = =

(1) عنوان الوصلة إلى تقرير المرصد الأورو-متوسطي لحقوق الإنسان

http://www.euromid.org/report/clouds/

للاطلاع على النص الأصلي كاملا، مع بعض الصور، استخدم/ي الرابط التالي:

http://www.oudnad.net/spip.php?article794

JPEG - 49.8 كيليبايت
صغار يلعبون في مركز للأسرة في غزة
D 25 تموز (يوليو) 2014     A عدلي الهواري: بحوث ومقالات وقصص     C 0 تعليقات