عدلي الهواري
كلمة العدد 97: العقلية التجارية والمناسبات الدينية
كل عام وأنتم بخير بمناسبة بدء شهر رمضان المبارك. أرجو للصائمات والصائمين صياما مقبولا.
لم تعد العقلية التجارية توفر فرصة لجني الأموال منها، وإذا لم تتوفر المناسبة تخترع مناسبات، ينجح بعضها كعيد الأم. وقد زحفت العقلية التجارية إلى المناسبات الدينية، فعيد ميلاد المسيح، عليه السلام، اصبح موسم التسوق الأهم في الدول الغربية، وتبدأ حمى التسوق قبل شهر تقريبا من اليوم الخامس والعشرين من الشهر الأخير في السنة الميلادية، وتتسارع وتيرته حتى مساء الليلة التي تسبق يوم الميلاد نفسه.
يصدر هذا العدد (97) مع بدء شهر رمضان المبارك، الذي تغلغلت فيه منذ عقدين أو نحو ذلك العقلية التجارية التي تسعى إلى جني المال من خلال التشجيع على الاستهلاك، بأشكاله المختلفة، وأولها الإكثار من الطعام والشراب. والأسوأ من ذلك استهلاك التسلية والترفيه من خلال المسلسلات التي تزدحم بها القنوات التلفزيونية، ويكثر الحديث عنها قبل أسابيع من بدء شهر الصوم، إن لم يكن قبل ذلك بكثير.
من المفارقات أن منتجي المسلسلات التلفزيونية اختاروا شهر عبادة وروحانيات ليكون الموسم التجاري الأفضل لمسلسلاتهم. وصارت دورة إنتاج المسلسلات التلفزيونية مرتبطة برمضان، فبعد انتهائه بفترة ليست طويلة يجري التحضير للموسم التالي لتكون المسلسلات جاهزة للعرض في رمضان. وأحيانا يتأخر العمل على بعض المسلسلات، فتعرض حلقات بينما يجري العمل على تجهيز أخرى أثناء رمضان.
من المستغرب من وجهة نظري حشد هذا العدد من المسلسلات خلال فترة شهر واحد، فالإنسان المهتم بمتابعة التلفزيون لا يمكنه مشاهدة عدد كبير من المسلسلات التي تعرض في فترة واحدة ومواعيد متقاربة إن لم تكن متضاربة. وثمة مؤشرات على عدم وجود اهتمام بجودة المسلسلات التي تنتج، لأن بعض المسلسلات يمكن أن تباع كرزمة، أي أن هناك استغلالا للموسم لتمرير بعض البضاعة الرديئة. واللجوء إلى هذه الممارسات يعطي فكرة عن أحد أسباب بطء تطور المسلسلات التلفزيونية والأفلام.
مقابل هذه الظاهرة السلبية التي تحوّل الصائمات والصائمين إلى مستهلكي كمية كبيرة من الطعام، ومهدري ساعات عديدة من الجلوس مقابل شاشة التلفزيون، هناك كثيرون لا يزالون متمسكين بالواجبات الدينية والممارسات الروحانية. ومن المظاهر الإيجابية المرتبطة برمضان ما سمي موائد الرحمن، حيث يمكن لمن يرغب أن يتناول الإفطار فيها. ولو عممت هذه التجربة لتصبح جزءا من جهود دائمة لتحقيق العدالة الاجتماعية للقضاء على الفقر لكان لها تأثير أكبر، وخاصة إذا لم يقتصر الأمر على توفير الطعام والشراب، بل شمل أشكالا عديدة من التكافل الاجتماعي.
ولأن العقلية التجارية تشجع على الاستهلاك طيلة أيام السنة، هناك مبادرات تشجع الناس على مقاومة الإدمان على الاستهلاك. من هذه المبادرات عدم شراء شيء في أحد أيام السنة، أو صنع الخبز في البيت بدل الذهاب إلى المحال التجارية الكبرى (أو المخابز) لشرائه. وبشكل عام، من المؤكد صحيا الآن أن الأكل الذي يعد في البيت أفضل بكثير لصحتك من الأكل الجاهز، والخضروات والفاكهة أكثر فائدة من اللحوم والحلويات.
شهر رمضان فرصة للتخلص من عادات سلبية كثيرة كالتدخين والإفراط في شرب القهوة والشاي، فمن يتمكن من السيطرة على إرادته ساعات عديدة كل يوم طيلة شهر، يكون قريبا جدا من السيطرة عليها دائما، وبالتالي على عاداته السلبية، بدل أن تسيطر عليه. فليكن شهر رمضان هذه السنة فرصتك للعودة إلى الممارسات والعادات الإيجابية.
مع أطيب التحيات
عدلي الهواري
◄ عدلي الهواري
▼ موضوعاتي
- ● كلمة العدد الفصلي 35: التاريخ يكرر نفسه
- ● كلمة العدد الفصلي 34: أعذار التهرب من المسؤوليات السياسية والأخلاقية
- ● كلمة العدد الفصلي 33: تنوير أم تمويه؟
- ● كلمة العدد الفصلي 32: حكّم/ي عقلك وأصدر/ي حكمك
- ● كلمة العدد الفصلي 31: قيم لا قيمة لها
- ● كلمة العدد الفصلي 30: النقد والمجاملات
- ● كلمة العدد الفصلي 29: عن الذكاء الصناعي (والغباء الطبيعي)
- [...]
4 مشاركة منتدى
العقلية التجارية والمناسبات الدينية, إيمان يونس _مص | 26 حزيران (يونيو) 2014 - 09:29 1
التجارة شطارة ولا تعرف غير مبدأ الربح عند بعض التجار حتى لو كانت بضاعتهم رديئة لإنهم يجيدون الترويج لها ويجدون من يشتريها بكل أسف في كل مناسبة ..وموسم مسلسلات رمضان فقد بريقه لإنها أصبحت توقيت إعلانات للسلع المختلفة يفوق الفترة الزمنية للمسلسل الذى ينسى المشاهد ما كان يشاهده خلال الإعلانات ..وشهر رمضان شهر الإرادة والروحنيات هدية من الرحمن لعباده لمن يحسن الإستفادة منه ويعى الفائدة المرجوة منه دينيًا ودنيويًا ..كل عام وأنتم وجميع القائمين على المجلة والمشاركين والمشاركات فيها بألف خير وصحة وسعادة
العقلية التجارية والمناسبات الدينية, أشواق مليباري | 28 حزيران (يونيو) 2014 - 11:17 2
ماتفضلت به عين على الحقيقة
فالغريب فعلا أن كل شيء في البلدان العربية يتداعى سوى إنتاج المسلسلات؟؟!!
فهي قائمة على قدم وساق رغم الحرب والفقر والعجز!
إن أصدق عبارة سمعتها (التلفاز يورث الأمراض النفسية والإجتماعية)
لذا فحري بنا أن نغير من عاداتنا هذا الشهر خاصة فيما يتعلق بهذه المسلسلات التي لا تقتصر على ذلك فحسب، بل تشوه تاريخنا وصورتنا أمام أنفسنا.
شكرا لك
وكل عام وأنتم وعود الند بخير وعافية
العقلية التجارية والمناسبات الدينية, ولاء المصري | 28 حزيران (يونيو) 2014 - 14:56 3
كل عام وانتم بخير
وعود الند مشرقة دوما
شيئان ان حدث فيهما او في احداهما خلل في الدول الغربية تقوم الكارثة، انقطاع التياد الكهربائي والتراخي في تطبيق القانون
يحيل شعوبهم الى كائنات شرسة للأسف
طوبى للشرق ولعمق جذوره الأصيلة
د. عدلى الهواري رمضان مبارك لك ولجميع القراء والكتاب .
العقلية التجارية والمناسبات الدينية, نورة عبد المهدي صلاح | 12 تموز (يوليو) 2014 - 13:23 4
كل عام وهذه المجلة .. تتألق بروادها ومحبيها .. كل عام وانت بألف خير