عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

وسام هلال - مصر

نصان: صراع + أوهام


صــراع

انتقلت في الصيف الماضي مجبرة إلى بيت عمتي بالمدينة لأكون قريبة من الجامعة. البيت تسكنه أشباح من هدوء، تمتلك مهنة صنع الملل بجداره، ليس فيه أحد من عمري لأتقرب إليه، وأؤنس وحدتي به.

عمتي أرمله لديها ولد يصغرني بثلاث سنوات، لاحظت منذ بداية إقامتي تعلقه الشديد بها، وانه نسخه مطابقة من كل تصرفاتها وحركتها. لا يشبه من هم في سنه من الصبيان الممتلكين لطاقه اللعب والحراك الدائم، حتى أنني ظننت أن الأشباح التي منحت لي الملل هي أيضا من وضعت الهدوء والسكينة بداخله.

بمرور الأيام وجدته قد تأثر بي كثيرا، فأصبح يقلد كلامي وبعض حركاتي المميزة. حاول التقرب مني يوما بعد يوم، لأجده يتجرأ ويسألني أسئلة غريبة، كنت أفاجأ عند سماعها، فكلها متعلقة بالفتيات وخصوصياتهن. شغلتني تصرفاته الغريبة، فكانت تثير ضحكي ثم تتعب رأسي تفكيرا.

في غياب عمتي عن المنزل، لاحظت تردده على غرفتها كثيرا. أثارني الفضول. وفي إحدى المرات تسللت إلى الغرفة برفق دون أن يراني. دهشت مما رأيت: إنه يرتدي ملابسها، ويضع من زينتها، وينظر لنفسه بالمرآة ويغازلها.

ارتبكت كثيرا وتوجهت مسرعة لغرفتي، ولكن أوقفني صوت هاتفه المتروك بالصالة. أمسكت به وعبثت بداخله قليلا، فوجدت رسائل. انه يتحدث مع شباب متنكرا في دور فتاه.

ألقيت الهاتف وتوجهت إلى غرفتي لأفكر: ماذا افعل: هل اخبره بأنني كشفت سره أم اخبر عمتي بما رايته ؟

فوجئت به يخرج من غرفة أمه. كان مرتديا ملابسها التي ضاقت عليها، و أخفتها في الدولاب، وقد وضع مساحيق على وجهه، وصبغ شفتيه باللون الأحمر.

وقفت لا أسيطر على أعصابي. نظر إلي في بلادة ، ثم ضحك بخلاعة وقال: "ما رأيك؟ سأذهب مع حبيبي إلى السينما".


أوهــام

منذ شهرين بدت على عمي، الذي يكرهه الجميع، ملامح لمرض نفسي استحوذ عليه. كل يوم يخترع موضوعا جديدا يثير الاستياء، وربما الفوضى، أو الضحك حتى البكاء كما حدث منذ ثلاثة أيام.

سيطرت عليه فكره الترشح للانتخابات، وتخيل أني أعارضه، وامنع العائلة من الجلوس معه، واحرضهم عليه. اصبح كلما رآني ينهال علي ضربا، ومن العجيب انهم كانوا يتركونه يضربني، ولا يخلصوني من يديه حتى تتعب أرواحهم من الضحك.

في إحدى المرات، وبعد أن أكلت نصيبي من الضرب، نمت قليلا من التعب، واذا بي أستيقظ على أصوات مزعجه. ركزت سمعي قليلا لأجد أنها أصوات أولاد عمي وإخوتي الصغار. انهم يهتفون باسم عمي ويرددون عبارات لا يفهمونها.

قمت مسرعة لأنادي احدهم، وأسال: ماذا يفعلون؟ ومن أنطقهم بهذه الكلمات؟

قال لي أخي: عمي أعطانا هذه الحلوى وبعض الجنيهات، لكي نهتف باسمه. وقال لنا: لا تسمعوا لكلامها حتى يعطي لنا المزيد.

ضحكت كثيرا وأعجبتني اللعبة، أعطيتهم أنا الأخرى بعض الحلوى، ليهتفوا ضده. منهم من وافق ومنهم من رفض.

فعلت كل هذا متناسيه ما سيحدث لي بعد أن يسمع هذه الهتافات من صغار البيت: هل هو من سيضربني؟ أم أن هذه المرة سألقى ضربا جديدا مصدره أبي وأمي؟

يوما بعد يوم تغيرت أفكاري بسرعة البرق، فمللت من هذه اللعبة، ومللت من عمي أيضا، ثم أصبحت اشفق عليه وأردد مع الصغار الهتافات التي تريحه وتسعده. ربما يتناسى هذه الفكرة، بعد أن يحقق هدفه، ويخترع لنا فكره جديده تعطي لنا المزيد من التسلية.

D 26 حزيران (يونيو) 2014     A وسام هلال     C 0 تعليقات