هدى أبو غنيمة - الأردن
ألعاب الجوع
هل يسير التقدم العلمي التقني، والتحضر الإنساني في خطين متوازيين؟ أم يتخلف الإنساني لصالح سيطرة القوى المتحكمة بمقدرات الإنسان والكون؟ تستدعي قراءة "ألعاب الجوع" (1) للكاتبة الأمريكية سوزان كولينز هذه الأسئلة، كما تستدعي مشاهدة الفيلم الأجواء التي تعيشها الشعوب العربية، وشعوب العالم الثالث.
لا يمكن لإنتاج أدبي روائي أن يستمد موضوعاته من الخيال فحسب، بدون توافر الشروط الموضوعية والبيئة الاجتماعية، والثقافية لذلك الإنتاج، فحينما أصدر إلدوس هكسلي قبل أكثر من قرن رواية "عالم جديد شجاع"، وهي تتحدث عن مجموعة من العلماء يعملون على تجارب من أجل إنتاج جيل بشري متفوق، كان المناخ العلمي موارا بتجارب أطفال الأنابيب والاستنساخ وهندسة الجينات.
تتألف رواية "ألعاب الجوع" من ثلاثة أجزاء. تتحدث الكاتبة في الجزء الأول بصوت فتاة في السادسة عشر من العمر عن مسابقة تدعى لعبة الجوع، وهي تقليد أسطوري سنوي يذكرنا بمباريات المجالدة المتوحشة عند الرومان . يختار الحاكمون وأصحاب النفوذ فتى وفتاة، تتراوح أعمارهم بين الثانية عشرة والثامنة عشر من كل مقاطعة من ولاية في شمال أميركا.
ويتم الاختيار بواسطة القرعة، إذ تسجل أسماء المواطنين كافة في أوراق ثم يتم سحب الأوراق. وحينما يتم الاختيار، يساق الذين وقع عليهم الاختيار إلى مكان اللعبة للقتال حتى الموت بأبشع الوسائل. ولا بد من بقاء واحد على قيد الحياة ليكون هو الفائز ويتم تكريمه وتكريم مقاطعته.
يبدأ القتال بوضع المتسابقين في غابة كبيرة، يسيطر عليها فريق خاص يتابع عمليات القتل بواسطة شاشات كبيرة، يراها كل الناس في المقاطعات. بعد قتال شرس مرير، يبقى اثنان من المشاركين كانا متحابين، فيتمردان على قوانين اللعبة، مفضلين الموت معا على أن يقتل أحدهما الآخر، ويعلنان فائزين باسم الحب.
لا يستطيع أي قارئ للرواية أو مشاهد للفيلم ألّا يتابع بشوق الأحداث رغم جرعة العنف العالية. ولا يستطيع أيضا المشاهد الواعي أن يغفل المقارنة بين الفريق المراقب للعبة، وبين "سادة العالم الجدد" 2*) وما يحدث في عالمنا العربي وأماكن أخرى من العالم الثالث.
لا يخفى أثر أطماع الرأسمالية المتوحشة في إثارة النزاعات العرقية والمذهبية في العالم. وتشير الأرقام التي نشرتها المنظمات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة إلى أن عدد الوفيات عام 2001 نتيجة التخلف الاقتصادي والفقر والنزاعات في 122 بلدا من العالم الثالث أكثر بقليل من 58 مليونا.
أما حالات العجز الخطير والدائم الناتجة من نقص في الدخل والغذاء والمياه الصالحة للشرب ونقص الدواء فتزيد على مليار شخص. أي أن الجوع والأوبئة والنزاعات المحلية تدمر كل سنة ما دمرته الحرب العالمية الثانية خلال ست سنوات من رجال ونساء وأطفال.
يطلق بعض الاقتصاديين الألمان على القوى المنتفعة من النزاعات "رأسمالية القتلة". وتقول مجلة الإيكونومست "إن الدول الغنية هي التي تضع القواعد، وما على الدول الفقيرة إلا الموافقة".
لا ينتمي سادة العالم الجدد، ومنظمو ألعاب الجوع، لأية مدرسة فكرية، وليس لهم أفق تاريخي، ولا يعقدون تحالفات إلا مع أمثالهم الذين يجمعهم حب السلطة والمال.
ولعل اللعبة المعبرة عن رأسمالية الغابة الشائعة في العالم كله تلتقي مع ما قاله ميشيل لويس، وهو كان نجما في بورصة نيو يورك، ومصرفيا في وول ستريت، ومنظما لحساب عمليات الوساطة، ولعمليات مربحة جدا خلال السنوات الأخيرة.
ولكن هذا التلميذ السابق في مدرسة الاقتصاد في لندن، وفي جامعة برنستون الأميركية، لم يحجم عن إبداء ملاحظاته الناقدة لمحيط عمله، فقد نشر كتيبا بعنوان "بوكر الكذابين" مفادها:
"الذئب يتكيف مع كل الظروف بسرعة مذهلة. إنه يسخر تماما من كل ما يفعله الآخرون، ولا يثق إلا بغريزته. والمضارب الذكي لا يمنح ولاءه لأحد ولا يحترم أية قيمة، ولا أي قرار سابق. إنه يلتزم هدوءا غريبا، ولا تخالجه مشاعر المستثمرين العاديين كالقلق والذعر. إنه يعتبر نفسه من فئة النخبة، ويرى في الآخرين قطيعا من الغنم".
ترى هل تصح مقولة "إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب"؟ وهل ضروري أن يتنازل الإنسان عن إنسانيته ليصبح ذئبا؟ أم يتصدى لقوانين اللعبة لكون لقب إنسان أبرز أبجديات الحضارة؟
= = = = =
(1) Collins, S. (2008). The Hunger Games. New York, NY: Scholastic Press
(2) جان زيغلر. سادة العالم الجدد: العولمة-النهابون-المرتزقة-الغجر. ترجمة محمد زكريا إسماعيل. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2003.
◄ هدى أبو غنيمة
▼ موضوعاتي
المفاتيح
- ◄ عامة
- ◄ قراءة في رواية
5 مشاركة منتدى
ألعاب الجوع, إبراهيم يوسف - لبنان | 27 شباط (فبراير) 2014 - 14:15 1
حينما اخترع نوبل الديناميت؟ كان يؤسس لإقامة السدود وريّ الأرض وإطعام البشر، فلم يخطر في باله السيارات المفخخة. وحينما اخترع الإنسان الآلة وطوَّرها؟ فلكي تهوِّنَ عليه أموره فيفلح أرضه ويجني حبوبه لئلا يجوع.. لا لتستعبده الآلة أو تقتله وتحوله إلى قمامة.
من جهتي لست متفائلا ولا أرى في الأفق ما يشجع على الإصلاح.. فالإنسان ليس قادراً على معرفة كل شيء بدقة. والله ليس غافلا عن الكون وما يجري.. لكنه لا يتدخل ولا يلعب (النرد) كما "حَسَبَها" أنشتاين يوماً في رسالة إلى بورن .
المعذرة يا سيدتي.. فنفسي مربكةٌ، وأنا متهالكٌ ومنكود، ولا أساوي (متليكاً) صدئاً. فلنتكلم عن الطائرات الورقية، واللهو مع الأطفال، ويا فارة اعمليلي بيت- بعملك منقوشة بزيت. وسائر الأمور المماثلة، "فالحقيقة ليست سوى وهم، لكنه وهم ثابت لا يتبدل"
1. ألعاب الجوع, 2 آذار (مارس) 2014, 15:33, ::::: هدى أبو غنيمة الأردن عمان
الأستاذ إبراهيم يوسف تحية طيبة أشكر مرورك الكريم وهو يساوي الكثير,حتى وأنت معكر المزاج تتميز بتعليقاتك اللبقة ,وتضيف معرفة دمت بخير.
ألعاب الجوع, نورة عبد المهدي صلاح \ فلسطين | 2 آذار (مارس) 2014 - 19:49 2
من خلال ما كتبتيه كنت أتخيل تلك اللعبة أمامي وكأني حاضرة لها، سأبحث عنها هنا في فلسطين لربما أتت عبر إنسان يبحث في إنسانيته عن شيء نقي بأن يجعل في روحه نبض من العلم والثقافة والرقي قبل أن تتكالب عليه تلك القوى لتسحقه .. رغم أننا قد دخلنا تلك اللعبة شئنا أم أبينا، ولكن بمتفرجين كثر.. قد يكون بحجم هذا العالم أو أكثر..
_
1. ألعاب الجوع, 2 آذار (مارس) 2014, 21:49, ::::: هدى أبو غنيمة الأردن عمان
الأخت نورة صلاح تحية طيبة وشكرا لاهتمامك أجل نحن داخل اللعبة شئنا او أبينا فلنشهر إنسانيتنابكل طاقاتها الكامنة لمقاومة كل أشكال القهر والاستعباد سلمت وسلمت فلسطين .
ألعاب الجوع, هدى الكناني من العراق | 2 آذار (مارس) 2014 - 20:18 3
هدى ابو غنيمة
سيدتي
لك اسلوب مميز وذلك بانك دائما تفردي مكانا للقلب حتى في المواضيع الجادة والتي تثير القلق حين تُقرأ.
لن أزيد شيئا على اسلوبك من طرح او مقارنة أوتشبيه ؛ فانت ياسيدتي كاتبة مقتدرة ولك اسلوب سلس وجميل.
ما اود ذكره
ان الغلبة اخيرا للقلوب النابضة بالحب والايمان حتى في الظروف الاكثر قساوة او في واقع مرير فُرض على الناس واستسلموا له وبتصوري ان الثورات يرمز لها بالون الاحمر لان القلب النابض هو اول الثوار.
سلمت أناملك
هدى الكناني
1. ألعاب الجوع, 2 آذار (مارس) 2014, 21:40, ::::: هدى أبو غنيمة الأردن عمان
الأخت هدى الكناني تحية طيبة شكرا لاهتمامك ومرورك الكريم ,أخشى أن لا تكون الغلبة لقلوبنا المرهفة ,وأقسى مايتعرض له الإنسان هو أن تسلبه وحشية الآخرين إنسانيته ليصبح ذئبا يقاتل من أجل البقاءوالإنسان حامل أمانة رسالة السماء لإعمار الأرض بالخير والحق والجمال ربما يحن العالم إلى إنسانيته بعد أن أنهكته الصراعات الدموية وجشع سادة العالم الجدد سلمت ودمت بخير.
ألعاب الجوع, هدى الكناني من العراق | 3 آذار (مارس) 2014 - 04:49 4
هدى ابو غنيمة
العاب الجوع
سيدتي الكريمة نحن داخل هذه اللعبة الوحشية منذ الازل كما قلت ونورة
مذ اجتاح هولاكو بغداد وجعل من نهري دجلة والفرات باللونين الاحمر والازرق وفي كل حقبة زمنية تحرق ويسحق مثقفوها ويقتل الابناء وتسبى النساء ، لذا سميت العاصمة المتجددة لانها تحال الى ركام وبسواعد من لهم قلوب كزبر الحديد ومن يملكون قلوبا تنبض بالانسانية تنهض وتتجدد
سيدتي
رغم حلكةوضبابية ماحولنا فان هناك قلوبا تنبض وإن لم تُرَ ، يُسمع وجيبها مثال على ذلك عود الند بكاتباتها وكتابها لها نبض مسموع
ابدا لن تقتل القلوب وإن سلبونا الحياة وغادرنا الى ذلك العالم الاثيري فستظل اوراقنا تنبض وتتفجر بانسانيتنا.
هذا رايي المتواضع جدا
دمت بامان وسلام
هدى الكناني
1. ألعاب الجوع, 4 آذار (مارس) 2014, 19:55, ::::: هدى أبو غنيمة الأردن عمان
أ/ هدى الكناني هناك مقولة شائعة :التاريخ يعيد نفسه برأي أن ا
ا لصراع بين الحق والباطل هو الذي يعيد التاريخ لأن البشر هم البشر وإذا سلمنا بقول العالم الروسي سولنجستين أن الحضارة دورات ,فإن حضارتنا لا بد أن تنهض من جديد وربما لا تراها الأجيال الحاضرة,لكنها ستتجدد من رمادها مثل طائر الفنيق أترانا نكتفي بأمثال هذه المسكنات ؟قانون الكون قائم على التوازن .
ألعاب الجوع, إيمان يونس _ | 4 آذار (مارس) 2014 - 18:44 5
أ / هدى ..ألعاب الجوع موجعة حقًا لإنها تمارس بأرض الواقع بالكثير من بقاع الأرض ويحكمها قانون الغاب وتنقلها لنا الشاشة الصغيرة صورًا حية أبطالها لم يفكروا يومًا أن يقفوا أمام الكاميرا ليسجلوا معانتهم و صراعهم من أجل البقاء ..كل التحية والتقدير لطرحك القيم الذى لامس كبد الحقيقة المرة بأسلوب أدبى راقى
1. ألعاب الجوع, 4 آذار (مارس) 2014, 19:38, ::::: هدى أبو غنيمة الأردن عمان
أ/إيمان يونس تحياتي صدقت بقولك :أن ألعاب الجوع تمارس في العالم الحقيقي ,ولعلها أقسى مما قدمه العالم الافتراضي شكرا لمرورك الكريم واهتمامك .لك تقديري ومودتي.