د. محمد محمود التميمي - الأردن
نحن والحزن
نحن كتلة واحدة ولدنا سويا ونعيش ملتصقين كتوأم سيامي، لا نحن نستطيع الانفصال عن الحزن ولا هو يقبل أن يبعد عنا. نبرع بسرد الحزن، ونتقن سرد حكاياته ورواياته. نبرع في تعظيم الفرح الواهم لنختمه بطامّة كبرى.
وحكاياتنا على عكس كل الحكايات الأخرى تبدأ بالفرح وتنتهي بالترح، لتبقي طعم المرارة ملتصقا بالفم والحسرة ساكنة في القلب حتى حكاية أخرى، تذيقنا حلاوة في البداية ننسى معها مرارة الحكايا السابقة، وتنفرج بها أسارير القلب لتعود مرة أخرى وتقصم ظهورنا بحزن أشدّ ومرارة أقوى، تجتمع فيها مرارةَ ما سبق من حكايات وقصص.
نحن منذ ولادتنا باكيين، وفي طفولتنا تبرع الجدّات والأمهات في تلقيمنا الأسى ضمن حكايات خرافية يحبكون الوجع فيها بكل مرارة ويجعلون في النهاية سعادة غير منطقية لا تكفي حلاوتها إلا لنخلد للنوم لنستيقظ صباحا وقد ذابت الحلاوة كأن لم تكن، وبقيت المرارة تسكن حلوقنا.
في مراهقتنا، نحب الوهم ونبرع في الكتابة للحبيب الوهمي الذي جفانا، ونبكي لسماع أغنيات الهجران والحرمان، ولا تشدنا أغنيات الفرح فهي سطحية مبالغ في فرحها، ولا تلامس الحزن في دواخلنا.
ونقرأ بتمعن، بل نعيش، روايات الخيانة، والعذاب وقصص الحب غير المنجز بكل تفاصيلها، لنكبر ونصبح شبابا نلوك مرارة الأيام، ونبلعها غذاء يوميا ضروريا للحياة، فلا نرى في الأفراح سوى سفاسف الحزن، ونتبع الضحك بدعوة ان يكفينا الله شرها، ولا نفكر في تحقيق الانجاز سوى في المخاطر التالية من حسد أو حقد أو فشل، فلا نتذوق الفرح ولا نتوقف عن أكل الحزن.
وعندما تأتي الشيخوخة، فإننا نجتّر ما في قلوبنا من حزن ومرارة لنلقمه للأجيال الناشئة التي لم ترَ من الدنيا فرحا بعد أو حزنا، لتستمر مرارة الحزن في الدوران جيلا بعد جيل.
ألا يكفينا ما نعيشه في واقعنا من مرارة الأيام وسوادها لنهرب منها لما هو أقسى؟ هل نعيش واقعا جميلا مثاليا فنحتاج لحكايات تعرّفنا أن هناك طرف آخر يسمى القهر والحزن والكآبة؟ أم أننا غرفنا في الهموم وتجرعناها منذ الصغر فلا نستطيع أن نتخيّل أنّ هناك شيئا آخر يسمى السعادة؟
حتى الدعوة إلى الله اقتصروها على الترهيب، ونسوا أو تناسوا أن لها شقيقة توأما تسمى الترغيب، وأن من لا يذهب إلى النار يذهب إلى الجنة.
ويحضرني في هذا المقام تساؤل نزار قبّاني:
ما للعروبةِ تبدو مثل أرملة = = أليسَ في كتبِ التاريخ أفراحُ؟
◄ محمد التميمي
▼ موضوعاتي
6 مشاركة منتدى
نحن والحزن, أشواق مليباري\ السعودية | 25 كانون الثاني (يناير) 2014 - 12:12 1
الدكتور محمد
مقال جميل جدا والله!
لأن الدنيا دار كد وعمل، وكل مايرافقه من نصب وهم وحزن، والآخرة هي دار القرار.
شكرا لك
تحيتي
1. نحن والحزن, 25 كانون الثاني (يناير) 2014, 16:57, ::::: محمد التميمي
فعلا يا أستاذة اشواق. الدنيا دار ابتلاء وما علينا الا التحمل والصبر فيها. ولكن بعض من نصي يشير الا اننا لا نستطيع حتى استراق لحظات فرح تساعدنا على الصبر.
دمت بخير ودامت ايامك بفرح
نحن والحزن, منال الكندي | 25 كانون الثاني (يناير) 2014 - 13:08 2
ما للعروبةِ تبدو مثل أرملة = = أليسَ في كتبِ التاريخ أفراحُ؟ لأن العروبة من يومها مستباحة ومستمرون في قتلها، والعروبة فكرة ضحكوا بها على العرب، لأن الإسلام وحد وجمع الجميع تحت مظلته ولا يوجد فرق بين عربي أو أعجمي إلا بالتقوى.
1. نحن والحزن, 25 كانون الثاني (يناير) 2014, 16:59, ::::: محمد التميمي
الاستاذة منال: كلامك رائع وفي محله. دمت بخير ودامت ايامك بفرح.
نحن والحزن, إبراهيم يوسف - لبنان | 27 كانون الثاني (يناير) 2014 - 18:42 3
منال الكندي
أرأيت وحدة العرب والمسلمين..؟
يعجبني هذا الإجماع وفعل المحبة بينهم
ويعجبني نزار
فقط لو استبدلوا الجمعة بيوم آخر
للموت بلا مقابل
هل في يوم الجمعة ينالهم أجر أعلى..؟
وما دام الشعر بالشعر يذكر..؟
فينبغي التذكير بالأبيات الأخرى من القصيدة.. وتقول:
مآذن الشّـامِ تبكـي إذ تعانقـني
وللمآذن كالأشجارِ أرواحُ
هذا مكان "أبي المعتز".. منتظرٌ
فهل تسامحُ هيفاءٌ ووضّـاحُ..؟
1. نحن والحزن, 28 كانون الثاني (يناير) 2014, 05:59, ::::: محمد التميمي
استاذ ابراهيم
اعجز عن الرد على تعليقك، فالغصة في الحلق والحزن في القلب على ما وصلنا اليه يمنعاني من التعليق. ولكن برغم كل هذا الظلم والظلام هناك بصيص أمل يضيء من بعيد يقول لي: ان غدا أجمل!
نحن والحزن, إيمان يونس - مصر | 5 شباط (فبراير) 2014 - 07:15 4
د. محمد ..لامست كلماتك كبد الحقيقة المرة ولكن دعنا نجتهد في تغيير جينات عروبتنا لإن الفرح العربى مقدر له أن يعيش تحت الإقامة الجبرية للحزن ..تحياتى وتقديرى
1. نحن والحزن, 20 شباط (فبراير) 2014, 11:43, ::::: محمد التميمي
الخطوة الاولى للعلاج هي معرفة المرض. وهو الهدف من هذه المقالة.
نحن والحزن, مليكة علاوي الجزائر | 18 شباط (فبراير) 2014 - 23:13 5
نعم ،ولولا الحزن ما كان التّاريخ...فلقد علمونا أنّه بالحزن نصير كبارا..ولا يمكن أن نصنع غير الحزن بإخفاقاتنا واستلابنا وبهدر ذواتنا في الاجتهاد بأن نظل والحزن صديقين مخلصين..(ذكرتني هذه الخاطرة بقصيدة من أروع قصائد التغزل بالحزن للشاعر صلاح عبد الصبور موسومةبـ: "الحزن").
لغة جميلة تنضح حزنا وألما رغم أنّ صاحبها يطلّ بابتسامة ترسم أملا لا ألما. دمتم /وبالتوفيق
1. نحن والحزن, 20 شباط (فبراير) 2014, 11:45, ::::: محمد التميمي
شكرا مليكة على كلماتك الرقيقة.
فعلا نحن كتبنا تاريخنا بالكثير من الدم والدموع، وبالدم والدموع يجب ان نصنع مستقبلا مشرقا لأمتنا.
نحن والحزن, هدى الدهان | 21 شباط (فبراير) 2014 - 02:16 6
لا تسأل اليتيم عن طعم الحنو والاحتضان .الامة التي ذاقت حروباً لها فيها ناقة او لم يكن لها حتى سنام جمل وتعيش صيف قائظ يمتد معظم العام وترزح تحت قيود من الاعراف اقوى من الدين من اين تاتيك بفكرة الحياة الجميلة والامل الذي يلوح في الافق وسيتحقق يوما بالتاكيد و تشبع رئتيها من عبق الزور ورائحة الهواء النقي بدلا عن رائحة البارود ومولدات الكهرباء؟