عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

د. محمد محمود التميمي - الأردن

نحن والحزن


محمد التميمينحن كتلة واحدة ولدنا سويا ونعيش ملتصقين كتوأم سيامي، لا نحن نستطيع الانفصال عن الحزن ولا هو يقبل أن يبعد عنا. نبرع بسرد الحزن، ونتقن سرد حكاياته ورواياته. نبرع في تعظيم الفرح الواهم لنختمه بطامّة كبرى.

وحكاياتنا على عكس كل الحكايات الأخرى تبدأ بالفرح وتنتهي بالترح، لتبقي طعم المرارة ملتصقا بالفم والحسرة ساكنة في القلب حتى حكاية أخرى، تذيقنا حلاوة في البداية ننسى معها مرارة الحكايا السابقة، وتنفرج بها أسارير القلب لتعود مرة أخرى وتقصم ظهورنا بحزن أشدّ ومرارة أقوى، تجتمع فيها مرارةَ ما سبق من حكايات وقصص.

نحن منذ ولادتنا باكيين، وفي طفولتنا تبرع الجدّات والأمهات في تلقيمنا الأسى ضمن حكايات خرافية يحبكون الوجع فيها بكل مرارة ويجعلون في النهاية سعادة غير منطقية لا تكفي حلاوتها إلا لنخلد للنوم لنستيقظ صباحا وقد ذابت الحلاوة كأن لم تكن، وبقيت المرارة تسكن حلوقنا.

في مراهقتنا، نحب الوهم ونبرع في الكتابة للحبيب الوهمي الذي جفانا، ونبكي لسماع أغنيات الهجران والحرمان، ولا تشدنا أغنيات الفرح فهي سطحية مبالغ في فرحها، ولا تلامس الحزن في دواخلنا.

ونقرأ بتمعن، بل نعيش، روايات الخيانة، والعذاب وقصص الحب غير المنجز بكل تفاصيلها، لنكبر ونصبح شبابا نلوك مرارة الأيام، ونبلعها غذاء يوميا ضروريا للحياة، فلا نرى في الأفراح سوى سفاسف الحزن، ونتبع الضحك بدعوة ان يكفينا الله شرها، ولا نفكر في تحقيق الانجاز سوى في المخاطر التالية من حسد أو حقد أو فشل، فلا نتذوق الفرح ولا نتوقف عن أكل الحزن.

وعندما تأتي الشيخوخة، فإننا نجتّر ما في قلوبنا من حزن ومرارة لنلقمه للأجيال الناشئة التي لم ترَ من الدنيا فرحا بعد أو حزنا، لتستمر مرارة الحزن في الدوران جيلا بعد جيل.

ألا يكفينا ما نعيشه في واقعنا من مرارة الأيام وسوادها لنهرب منها لما هو أقسى؟ هل نعيش واقعا جميلا مثاليا فنحتاج لحكايات تعرّفنا أن هناك طرف آخر يسمى القهر والحزن والكآبة؟ أم أننا غرفنا في الهموم وتجرعناها منذ الصغر فلا نستطيع أن نتخيّل أنّ هناك شيئا آخر يسمى السعادة؟

حتى الدعوة إلى الله اقتصروها على الترهيب، ونسوا أو تناسوا أن لها شقيقة توأما تسمى الترغيب، وأن من لا يذهب إلى النار يذهب إلى الجنة.

ويحضرني في هذا المقام تساؤل نزار قبّاني:

ما للعروبةِ تبدو مثل أرملة = = أليسَ في كتبِ التاريخ أفراحُ؟

D 25 كانون الثاني (يناير) 2014     A محمد التميمي     C 11 تعليقات

6 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

كلمة العدد 92: تجدد الجدل حول العربية الفصحى والعامية

توظيف التراث في شعر عبد الصبور

علم فوق النسيان: الشيخ حسين المرصفي

دراسة في المقامة العباسية

تهميش العربية في إسرائيل