هدى أبوغنيمة - الأردن
طيف لينا
بدت لي بين جمع الطالبات كائنا أثيريا تحيطه هالة نور. لم تكن تشارك في المحاضرات إلا في القضايا التي تتطلب قدرات إبداعية، كأنها تضن بإهدار طاقتها في العادي والمألوف.
وكثيرا ما عرضت عليّ نصوصها المبدعة. شيء ما في ملامحها يستدعي إلى ذهني صور أميرات الأساطير في اللوحات العالمية: ذلك الصفاء في عينيها صفاء سماء في صباح مشرق؛ وتلك السكينة التي توحي بها ملامح وجهها وتشيع في مكان حضورها.
وفجأة انقطعت عن الحضور. مر الاختبار الأول، ولم تحضر. سألت زميلاتها فقلن إنها ربما تغيبت بسبب عارض صحي ولا يعرفن أخبارها.
وجهت تنبيها، وانتظرت أن تأتي أو يرسل ذووها تقريرا طبيا لو كانت مريضة، فاضطررت إلى وضع اسمها في قائمة الإنذارات، لاسيما وموعد الاختبار الثاني قد اقترب؛ ثم نسيت الأمر في غمرة الأعباء العملية.
وبينما كنت منهمكة في تحضير الاختبار لليوم التالي، وجدتها أمامي تنظر إلي معاتبة متألمة. لم تنبس بكلمة واحدة، ووضعت على مكتبي ورقة مطوية وتقريرا طبيا ثم خرجت مسرعة.
نهضت لألحق بها، لكني لم أجد لها أثرا. فتحت الورقة:
لم أنم في تلك الليلة، وعزمت على تطييب خاطرها وتدارك الأمر.
في اليوم التالي دخلت غرفة الصف مسرعة لأوزع الأسئلة، ولم ألحظ الإعلان المثبت على لوحة الإعلانات:
"انتقلت الطالبة لينا مؤيد العتيلي إلى رحمة الله".
لكني لمحت طيفها ملوحا بالوداع في دموع زميلاتها، فألغيت الامتحان وخرجت أتعثر بدموعي. وبدا لي الممر المؤدي إلى مكتبي نفقا مظلما لا نهاية له.
وظللت شهورا أراها في كل زاوية في الجامعة.
حينما تعرفت إلى والدها الشاعر مؤيد العتيلي في رابطة الكتاب، استذكرت لينا. وكلما هممت بأن أقص عليه حكايتي معها علني أتحرر من عبء الإحساس بالذنب، لمحت طيفها في عينيه يشير لي أن اصمتي كي لا تنكأي جرحه.
الآن بعد مرور سنة على رحيله (*) والرابطة تستذكره، أبوح بحكاية لينا وفي نفسي غصتان، وأود لو أراها بين السطور مطمئنة راضية.
= =
(*) توفي الشاعر مؤيد العتيلي نتيجة حادث سيارة في الأردن في شهر كانون الثاني/يناير 2013. الصورة أدناه مع ابنته لينا.
= =
إني راحلة
(آخر قصيدة كتبتها لينا قبل رحيلها بأسبوع)
سأقضي الأيام الباقية قبل الرحيل
بين قصائدي
أحذف وأضيف الأماني
إلى المعاني
متنقلة كالفراشة بين الألفاظ
والحروف
غداً يأتي يوم الرحيل، بعده
لن تراني
غداً تزول ملامحي من أيامك
وتنساني
سيدي، أحببتك. وصيتي إليك
عمري، قلبي وجنوني
وإذا تأخرت رسائلي فالأمل باللقاء
بات من المستحيل
لينا العتيلي
◄ هدى أبو غنيمة
▼ موضوعاتي
17 مشاركة منتدى
طيف لينا, منال الكندي | 25 كانون الثاني (يناير) 2014 - 13:34 1
إيماني يقول بأنها نائمه مطمئمنة بين يدي الله، وهي عروس الجنة.
سلم قلمك وطاب قلبك بالخير
1. طيف لينا, 25 كانون الثاني (يناير) 2014, 17:26, ::::: هدى أبو غنيمة الأردن عمان
الأخت منال الكندي تحية طيبة أشكر مرورك الكريم ,ولعل الذكرى تؤنس وحشة الغياب .لك تقديري واحترامي
طيف لينا, إبراهيم يوسف - لبنان | 25 كانون الثاني (يناير) 2014 - 16:30 2
هدى أبو غنيمة – الأردن
كلنا غداً مائتون..؟
ولكن قليلون منّا من يظفرون بكلامٍ طيّبٍ مما تقولين.
فإن كان في الموتِ ما يؤلم..؟
ففي ما قلتِه عزاءٌ جميل.
1. طيف لينا, 25 كانون الثاني (يناير) 2014, 17:18, ::::: هدى أبو غنيمة الأردن عمان
االأستاذ إبراهيم يوسف تحية طيبة أشكر مرورك الكريم ,ولعلني أنصفتها.لك كل التقدير والاحترام
طيف لينا, نورة عبد المهدي صلاح | 25 كانون الثاني (يناير) 2014 - 19:53 3
{{}} أه لينا ..
اعدت قراءة ما كتبت من قصيدتها تلك ، تلك التي وقفت أمامها أعيش الخجل بكافة أشكاله وهي تسطر أمنياتها قبل الرحيل وتعيد قراءتها وصياغتها لتحي به أمل من مات فيه الأمل قصيدتها تلامس الروح والقصة رغم ما فيها من ألم وغصة لكنها تسجل وتقرأ وتحفظ فخير عزاء تقدميه أنك قدمتيها هنا لنعرفها جميعاً لتخلد صورتها وكلماتها فينا
1. طيف لينا, 25 كانون الثاني (يناير) 2014, 23:27, ::::: هدى أبو غنيمة الأردن عمان
الأخت نورة صلاح تحياتي وكل الشكر والتقدير لتعليقك المرهف على النص لا سيما ,وأنت الكاتبة المرهفة التي تفيض خواطرها على صفحات عود الند وجدا وصدقا.
طيف لينا, مريم-القدس | 26 كانون الثاني (يناير) 2014 - 15:45 4
لينا حكاية كل المرضى المعذبين، ممن قست عليهم أقدارهم
حكاية فتاة جميلة جلست بجانبي على مقاعد الدراسة
ولم يسعفها مرضها على العيش لوقت طويل
هؤلاء يتركون في القلب ذكريات وآثاراً لا تزول
أشكرك أستاذة هدى على المقالة
وصدق عواطفك وهذا الحس الإنساني النبيل
1. طيف لينا, 26 كانون الثاني (يناير) 2014, 20:40, ::::: هدى أبو غنيمة الأردن عمان
الأخت مريم شكرا لمرورك المضمخ بعبق القدس مسقط الروح ,وكل التقدير لاهتمامك .سلمت وسلمت القدس.
طيف لينا, لطفية خالد دلال | 27 كانون الثاني (يناير) 2014 - 12:09 5
عزيزتي المبدعة الأستاذة هدى : طيف لينا نصٌّ وجدانيٌّ أَثْرَتْهُ الواقعية ، فجعلَتْهُ الأقْدَرَ على نقل نبض القلم الذي كتب ،وملامسةِ شغافِ قلبِ كلِّ مَنْ قرأ ..!وماهذا بغريب ولا مستجدّ على كاتبة مثلك : إنسانة حساسة ، وشفافة ، ومخضرمة ، لها في الأدب باعٌ طويل .أما الأبيات الرقيقة التي كتبتها المرحومة لينا فإنها تشع نوراً وتفيض شفافية وإحساساً؛ وقبل هذا وذاك : سكينةً ، ورضىً ، وشجاعةً في مواجهة الحقيقة،واستقبال القَدَر المحتوم ، والأجل الذي ( أيقنَتْ ) اقترابه! رحمها الله ، وأسكنها فسيح جناته . أخيراً عزيزتي هدى: نحن دائماً بانتظار إبداعاتك المميزة الهادفة. لك تحياتي
طيف لينا, هدى أبو غنيمة الأردن عمان | 27 كانون الثاني (يناير) 2014 - 18:19 6
الشاعرة لطفية دلال أشكر مرورك الكريم وعباراتك النابضة برؤى شاعرة مرهفة .سلمت عزيزتي ودمت صديقة عزيزة .
.
طيف لينا, إيمان يونس - مصر | 28 كانون الثاني (يناير) 2014 - 08:32 7
قصة واقعية صيغت إبداعيًا ببراعة لتؤكد إن الإنسان ذكرى تتركها كلماته وطباعه مهما طال أو قصر عمره ..كل التحية والتقدير للدكتورة الإنسانة التى امتعتنا
طيف لينا, هدى أبو غنيمة الأردن عمان | 28 كانون الثاني (يناير) 2014 - 10:36 8
الكاتبة المحترمة إيمان يونس كل التقدير لمرورك الكريم واهتمامك ,سعدت بتعليقك على النص .
طيف لينا, غانية الوناس. الجزائر | 28 كانون الثاني (يناير) 2014 - 10:36 9
الاستاذة هدى :
ما أقسى الحزن حين يأتينا على شكل طيفٍ لأحد ما عايشناه.
لابدّ أنها ستبقى في ذاكرتكِ دائماً،ولعلّ الكتابة عنها بهذا الشكل
الرائع.
دام فيك نبض الانسانية السامية، ودام نبض الحرف والقلم.
طيف لينا, هدى أبو غنيمة الأردن عمان | 28 كانون الثاني (يناير) 2014 - 19:13 10
الكاتبة غانية الوناس جزيل الشكر لاهتمامك مع تحياتي وتقديري
طيف لينا, هدى الكناني من العراق | 28 كانون الثاني (يناير) 2014 - 19:14 11
هدى غنيمة
سيدتي
وهل تُنْعَ الفراشات ؟ تلك الكائنات الجميلة التي تشع حضورا وبهجة اينما حلت . هكذا هي لينا ، فراشة زاهية قصيرة العمر.
ولكن لعنتي على دُنيا أغرقتنا في دوامة ، إبتلعتنا فننسى من يودنا ونوده وقد نظلمهم بلا قصد . فما أبهى مفارقة الحياة ولم تلوثنا الخطايا والذنوب. فهنيئا للينا ووالدها وكل أحبائنا الذين غادرونا على عجل ، فما أجمله من مكان رحلوا اليه وما أتعسها من حياةنعيشها .
سلم ذلك القلب الذي يخط على الورق ارق المشاعر الانسانية.
هدى الكناني
1. طيف لينا, 28 كانون الثاني (يناير) 2014, 20:24, ::::: هدى أبو غنيمة الأردن عمان
الأخت هدى الكناني تحية طيبة كل التقدير لكلماتك النابضة بالعاطفة المتوهجة عاطفة كاتبة مرهفة الحس متألقة وجدا على صفحات عود الند بنصوصها الرقيقة سلمت ودمت بخير.
طيف لينا, عنود الزعبي | 28 كانون الثاني (يناير) 2014 - 19:23 12
في زمن تفقد فيه الكثير من الكلمات معناها .. يطل علينا هذا النص بجرعة عالية من الإحساس والجمال .. شكراً جزيلاً فنحن بحاجة لمثل هذه القصص الصادقة واللغة الرائعة ...
1. طيف لينا, 28 كانون الثاني (يناير) 2014, 20:12, ::::: هدى أبو غنيمة الأردن عمان
الإعلامية اللامعة عنود الزعبي أشكرك جزيل الشكر ,سعدت بكلماتك المتضوعة بعطر الزهور سلمت أيتها الزهرة .
طيف لينا, جمان مجلي - الأردن | 29 كانون الثاني (يناير) 2014 - 22:05 13
قصة إنسانية واقعية رائعة دفعتني لأن أسارع نفسي في القراءة حتى أصل للنهاية، أسلوب سلس يخاطب العقل والقلب
طيف لينا, هدى أبو غنيمة الأردن عمان | 30 كانون الثاني (يناير) 2014 - 11:45 14
الإعلامية اللامعة السيدة جمان المجلي سعدت بتعليقك الجميل ,ولك كل الشكر ,والتقدير. سلمت ودمت بخير.
طيف لينا, براء مؤيد العتيلي - الأردن | 2 شباط (فبراير) 2014 - 09:11 15
لعلَّ طيفها ما زال يَشدو ويَعدو بيننا .. قلبُ لينا كان بالفعل أثيرياً .. لا يحمل بداخله إلا الحبًَّ والسلامْ ..
دمتِ بودّ دكتورة هدى
مقال أكثر من رائع
1. طيف لينا, 2 شباط (فبراير) 2014, 18:42, ::::: هدى أبو غنيمة الأردن عمان
العزيزة براء العتيلي تحية طيبة وكل التقدير لتعليقك واهتمامك حقا مازال طيف لينا بيننا سلمت ودمت مع أختك ربى للفاضلة والدتكما والعائلة الكريمة
طيف لينا, حازم الترك | 2 شباط (فبراير) 2014 - 10:21 16
رائعة... يسلم قلمك!
عرفت المرحوم مرة أو مرتين فقط و أعرف أقاربه جيدا ... ستدخل مقالتك قلوبهم...
رحمة الله على الوالد و الابنة.
1. طيف لينا, 2 شباط (فبراير) 2014, 18:31, ::::: هدى أبو غنيمة الأردن عمان
الأستاذ حازم الترك تحية طيبة وكل التقدير لاهتمامك بقراءة النص .أرجو أن لا أكون قد أثقلت على الذين عرفوا لينا والأستاذ مؤيد بحزن الذكرى.
2. طيف لينا, 3 شباط (فبراير) 2014, 14:39, ::::: حازم الترك
أعتقد أنك أثلجت صدورنا جميعا بهذه المحبة لهم... أكرر، شكرا لك و دمت...
طيف لينا, سامي عرفات | 2 شباط (فبراير) 2014 - 13:14 17
من رأى لينا عرف النقاء
ومن عرفها أدرك البراءة والصفاء
ابنة أختي
فقدتها وأنا في غربة
بكيتها وحدي دون أن يراني أحد
واليوم لم أتمالك نفسي
وأنا متأكد بأنها وبعمر الزهور تركت بصمتها في نفس من عرفها
وأطلب من الجميع أن يذكرها بالدعاء في ظهر الغيب
رحمك الله لينا والى لقاء
1. طيف لينا, 2 شباط (فبراير) 2014, 18:18, ::::: هدى أبو غنيمة الأردن عمان
الأستاذ سامي عرفات تحية طيبة ,وكل التقدير والاحترام لمرورك الكريم