عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

هدى أبوغنيمة - الأردن

طيف لينا


هدى أبو غنيمةبدت لي بين جمع الطالبات كائنا أثيريا تحيطه هالة نور. لم تكن تشارك في المحاضرات إلا في القضايا التي تتطلب قدرات إبداعية، كأنها تضن بإهدار طاقتها في العادي والمألوف.

وكثيرا ما عرضت عليّ نصوصها المبدعة. شيء ما في ملامحها يستدعي إلى ذهني صور أميرات الأساطير في اللوحات العالمية: ذلك الصفاء في عينيها صفاء سماء في صباح مشرق؛ وتلك السكينة التي توحي بها ملامح وجهها وتشيع في مكان حضورها.

وفجأة انقطعت عن الحضور. مر الاختبار الأول، ولم تحضر. سألت زميلاتها فقلن إنها ربما تغيبت بسبب عارض صحي ولا يعرفن أخبارها.

وجهت تنبيها، وانتظرت أن تأتي أو يرسل ذووها تقريرا طبيا لو كانت مريضة، فاضطررت إلى وضع اسمها في قائمة الإنذارات، لاسيما وموعد الاختبار الثاني قد اقترب؛ ثم نسيت الأمر في غمرة الأعباء العملية.

وبينما كنت منهمكة في تحضير الاختبار لليوم التالي، وجدتها أمامي تنظر إلي معاتبة متألمة. لم تنبس بكلمة واحدة، ووضعت على مكتبي ورقة مطوية وتقريرا طبيا ثم خرجت مسرعة.

نهضت لألحق بها، لكني لم أجد لها أثرا. فتحت الورقة:

"أستاذتي العزيزة: لقد ظلمتني حينما وضعت اسمي في قائمة الإنذارات. لست طالبة مهملة، لكنني أعاني من زيادة الدهون في شرايين القلب منذ طفولتي، وليس لمرضي علاج ناجع وقد أرحل في أي لحظة".

لم أنم في تلك الليلة، وعزمت على تطييب خاطرها وتدارك الأمر.

لينا مؤيد العتيليفي اليوم التالي دخلت غرفة الصف مسرعة لأوزع الأسئلة، ولم ألحظ الإعلان المثبت على لوحة الإعلانات:

"انتقلت الطالبة لينا مؤيد العتيلي إلى رحمة الله".

لكني لمحت طيفها ملوحا بالوداع في دموع زميلاتها، فألغيت الامتحان وخرجت أتعثر بدموعي. وبدا لي الممر المؤدي إلى مكتبي نفقا مظلما لا نهاية له.

وظللت شهورا أراها في كل زاوية في الجامعة.

حينما تعرفت إلى والدها الشاعر مؤيد العتيلي في رابطة الكتاب، استذكرت لينا. وكلما هممت بأن أقص عليه حكايتي معها علني أتحرر من عبء الإحساس بالذنب، لمحت طيفها في عينيه يشير لي أن اصمتي كي لا تنكأي جرحه.

الآن بعد مرور سنة على رحيله (*) والرابطة تستذكره، أبوح بحكاية لينا وفي نفسي غصتان، وأود لو أراها بين السطور مطمئنة راضية.

= =

(*) توفي الشاعر مؤيد العتيلي نتيجة حادث سيارة في الأردن في شهر كانون الثاني/يناير 2013. الصورة أدناه مع ابنته لينا.

= =

إني راحلة

(آخر قصيدة كتبتها لينا قبل رحيلها بأسبوع)

سأقضي الأيام الباقية قبل الرحيل

بين قصائدي

أحذف وأضيف الأماني

إلى المعاني

متنقلة كالفراشة بين الألفاظ

والحروف

غداً يأتي يوم الرحيل، بعده

لن تراني

غداً تزول ملامحي من أيامك

وتنساني

سيدي، أحببتك. وصيتي إليك

عمري، قلبي وجنوني

وإذا تأخرت رسائلي فالأمل باللقاء

بات من المستحيل

لينا العتيلي


الشاعر مؤيد العتيلي وابنته لينا
D 25 كانون الثاني (يناير) 2014     A هدى أبو غنيمة     C 27 تعليقات

17 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

كلمة العدد 92: تجدد الجدل حول العربية الفصحى والعامية

توظيف التراث في شعر عبد الصبور

علم فوق النسيان: الشيخ حسين المرصفي

دراسة في المقامة العباسية

تهميش العربية في إسرائيل