كتاب: الديمقراطية والإسلام في الأردن
ف 9: الاستنتاجات
د. عدلي الهواري
المتطلبات المسبقة الأربعة التي حددها راستو قبل التمكن من تأسيس نظام ديمقراطي تقدم أفضل تفسير لعدم تجذّر الديمقراطية في الأردن، فالتوسع في التعليم في كل المستويات لم يصاحبه إضعاف للتقاليد القبلية. والحيز الجغرافي للنظام السياسي الأردني لم يبق كما هو، فقد توسع عام 1950، وتقلص عام 1967 بعد احتلال الضفة الغربية، وتقلص رسميا في عام 1988 من خلال قرار فك الارتباط بالضفة الغربية.
استنتاجي في هذا الكتاب هو أنه لا يوجد تعارض نظري بين الديمقراطية والإسلام الدين أو ممارسة السياسة بمرجعية إسلامية (الإسلام السياسي أو الإسلاموية).
خلال فترة 1990-2010، كانت هناك إشارات متكررة في الأردن إلى «عملية ديمقراطية». لو افترضنا أن الملك وشعب الأردن يتبعان تعاليم الإسلام بدقة، وكانت هذه التعاليم تنص على تعارض الديمقراطية والإسلام، لكان منطقيا أن يمتنع الملك عن وصف العميلة بأنها «ديمقراطية». والجزء الملتزم دينيا من الشعب الأردني سيمتنع عن المشاركة في عملية تتعارض مع الإسلام. ولكن طيلة عقدين (1990-2010) وصفت العملية بأنها ديمقراطية، وشارك فيها حزب إسلامي.
لقد ناقشت بالتفصيل الشكوك المتعلقة بالتزام الإسلاميين بالديمقراطية، والمخاوف من أن يغيروا الطبيعة الديمقراطية لنظام الحكم في حال وصولهم إلى الحكم. من الناحية الواقعية، لم تتمكن جماعة الإخوان المسلمين وحزبها جبهة العمل الإسلامي من الحصول على أغلبية في مجلس النواب الأردني أثناء السنوات العشرين (1990-2010). ولذا لم يكونا في وضع يمكنهما من تغيير النظام السياسي أو تغيير طبيعته الديمقراطية (غير الموجودة). تمثيل الجماعة/الجبهة في مجلس النواب ظل يتقلص، وتضاءلت مقدرتهم على التأثير والمشاركة في حدوث تغييرات.
كذلك فإن الجماعة والجبهة التزما بقواعد العملية الديمقراطية، فقد قبلا نتائج الانتخابات. أقصى ما فعلاه كاحتجاج كان مقاطعة انتخابات 1997 و2010 لحمل الحكومة على تبني تغييرات تخدم الديمقراطية، وليس عرقلتها.
من حق أي إنسان أن يختلف أيديولوجيا مع الجماعة/الجبهة، ولكن لا يمكن إنكار أنهما أدارتا شؤونهما الداخلية على أساس ديمقراطي، كما شرح براون (2006). وبناء على ما سبق، لو كانت الديمقراطية غير مناسبة للأردن، فسوف تكون غير مناسبة للجماعة/الجبهة أيضا.
المتطلبات المسبقة الأربعة التي حددها راستو قبل التمكن من تأسيس نظام ديمقراطي تقدم أفضل تفسير لعدم تجذّر الديمقراطية في الأردن، فالتوسع في التعليم في كل المستويات لم يصاحبه إضعاف للتقاليد القبلية. والحيز الجغرافي للنظام السياسي الأردني لم يبق كما هو، فقد توسع عام 1950، وتقلص عام 1967 بعد احتلال الضفة الغربية، وتقلص رسميا في عام 1988 من خلال قرار فك الارتباط بالضفة الغربية.
يمكن القول إن هناك الآن جيلا واحدا من الأحزاب السياسية، ولكن هذا لا يلبي المتطلب المسبق الثالث الذي حدده راستو بهذا الخصوص. لقد كان هناك انقطاع في حضور الأحزاب السياسية في الأردن في فترة 1957-1991. ورغم أن تشكيل الأحزاب أصبح قانونيا، وبوسع الأحزاب أن تدخل ميدان السياسة، إلا أنها تعمل ضمن حريات مقيدة بقيود شديدة.
المتطلب المسبق الرابع، وجود «نزاع عنيد» غير متحقق أيضا. النزاع الذي حدث في أيلول 1970 كان قصيرا. هبة نيسان 1988 كانت حدثا مهما وأسفر عن نتائج، ولكنها كانت هبة لفترة قصيرة وافتقرت إلى قيادة.
ظهرت علامات نزاع عنيد قبل اندلاع الانتفاضات في الدول العربية في أواخر عام 2010، ولكنه انحسر بعد أن أظهرت التطورات في ليبيا وسورية أن التغيير الذي سيحدث ليس النوع المرغوب.
فيما يتعلق بالدول العربية عموما، تهاوت بسرعة آمال إقامة نظم حكم ديمقراطي، فحيثما حدث تغيير دون الكثير من العنف، كما في تونس ومصر، نجحت القوى المضادة بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل حصول التغيير الذي علقت عليه آمال في أن يكون فاتحة مرحلة جديدة. سيكون ضربا من السذاجة مواصلة النظر إلى مسألة غياب الديمقراطية في الدول المسلمة من منظور وجود تعارض نظري بين الديمقراطية وكل من الإسلام الدين أو الإسلام السياسي.
تعـقـيـب خـتــامـي
اندلعت في العالم العربي في نهاية عام 2010 مظاهرات شاركت فيها جماهير غفيرة، وكان لها عواقب دراماتيكية مثل خلع رئيس تونس زين العابدين بن علي، ورئيس مصر حسني مبارك تحت ضغط الشعب. الإطاحة بحاكم ليبيا، معمر القذافي، ثم قتله، كانت نتيجة تدخل عسكري من حلف شمال الأطلسي. إزاحة رئيس اليمن، علي عبد الله صالح، تمت عن طريق تسوية عقدت بعد مراوحة الأمور مكانها فترة طويلة. في البحرين تم تفريق المتظاهرين بالقوة، وحصلت الحكومة البحرينية على مساعدة من مجلس التعاون الخليجي. في سورية، راوح الوضع مكانه، وحتى وقت تسليم رسالة الدكتوراه للمناقشة صيف 2012، لم يحسم طرفٌ المعركة عسكريا لصالحه.
في الأردن، جرت مظاهرات في أنحاء مختلفة من البلاد. وكان الرد الحكومي عليها متنوعا: (أ) السماح لها بالمضي قدما سلميا (وتوزيع الشرطة زجاجات من المياه على المتظاهرين)؛ (ب) تعرضها لاعتداءات البلطجية، مما يمكن الحكومة من إنكار أنهم من منتسبي الأجهزة الأمنية؛ (ج) حشد تأييد أبناء القبائل للدعوة إلى إلغاء المظاهرات والمهرجانات. عندما رفضت جبهة العمل الإسلامي إلغاء مظاهرة في مدينة المفرق، يوم الجمعة 23 كانون الأول 2011، تعرض المتظاهرون لاعتداءات، وتم حرق مكتب الجبهة في المفرق.
في عام 2011، جرت انتخابات في تونس ومصر والمغرب، وحققت الأحزاب الإسلامية في الدول الثلاث نتائج جيدة. المفاجأة في مصر كانت في ظهور تيارين إسلاميين: أحدهما تمثله جماعة الإخوان المسلمين، والثاني إسلامي سلفي. هذه التطورات أخضعت استنتاجات رسالتي لاختبار الزمن قبل وقت قصير من تسليمها. البحث الأكاديمي لا يمكنه ولا ينبغي له أن يتعامل مع أحداث متلاحقة بسرعة. ولكني وجدت في الوقت نفسه حاجة لمناقشة تأثير هذه الأحداث على استنتاجات بحثي بشأن التوافق بين الديمقراطية والإسلام، بجانبيه الديني والسياسي، وما قد يحدث لو وصل الإسلاميون إلى الحكم. ولذلك، عدت إلى المسائل الرئيسية التي ناقشتها في الرسالة لمناقشتها بإيجاز على ضوء التطورات الجديدة.
سأبدأ بمسألة الاستثنائية العربية والمسلمة، التي تعني أن الثقافة العربية والإسلامية لها سمة خاصة تتقبل الاستبداد. أظهرت الانتفاضات الجماهيرية أن أصحاب هذا الرأي كانوا مخطئين دائما. الانتفاضات الجماهيرية حدثت في بضع دول في وقت واحد، وقدمت الدليل الدامغ على غضب الشعوب العربية على الحكام الطغاة.
وفيما يتعلق بتوافق الإسلام والديمقراطية، قدمت الانتفاضات دليلا وافيا على التوافق. مشاركة حزب إسلامي سلفي في الانتخابات المصرية تطور مهم. قد يقال إنه من المبكر جدا إصدار حكم بشأن التوافق، وسيعتمد الأمر على سلوك الأحزاب الإسلامية في السلطة. هذه حجة مضادة مشروعة، ولكن فيها عيوب.
العيب الأول هو أن هذا الرأي لا يزال قائما على فكرة الاستثنائية العربية والمسلمة، التي يستخدمها باحثون مثل ستيبان وروبرتسون (2003 و2004) لتفسير غياب الديمقراطية في الدول العربية. الفكرة مشابهة لعدم التوافق بين الديمقراطية والإسلام.
العيب الثاني هو أن فكرة الاستثنائية تواصل افتراض أن الشعوب العربية والمسلمة غير مهتمة بإقامة أنظمة حكم ديمقراطية، وتتجاهل حقيقة أن الناس لم يضحوا بحياتهم من أجل استبدال طاغية بآخر. وهذا ينقلنا مرة أخرى إلى الحجة القائلة إن الإسلام السياسي، وليس الإسلام الدين، غير متوافق مع الديمقراطية.
الانتفاضات الجماهيرية أظهرت أن هذا الرأي خاطئ. تونس ومصر والمغرب لم تتحول بعد إلى دول ديمقراطية. ما أعاق الديمقراطية في الماضي ليس الإسلام السياسي، بل الطغاة المتحالفون مع الدول الغربية. إذا حاول الإسلاميون بعد الوصول إلى الحكم عن طريق الانتخابات تغيير طبيعة النظام الديمقراطية، سيشعر الذين عبروا عن القلق من ذلك في الماضي أنهم على صواب لبعض الوقت.
استخدمت في الماضي ذرائع مختلفة لتفادي إقامة حكم ديمقراطي من قبيل أنه لا يمكن الثقة بالإسلاميين. من الممكن الاختلاف أيديولوجيا مع الإسلاميين ولكن منع مشاركتهم في الحياة السياسية غير متوافق مع مبادئ الديمقراطية. تتسم العملية الديمقراطية بالحيوية عندما تتنافس فيها أحزاب ذات أيديولوجيات مختلفة. ووجود أحزاب قوية مفيد للديمقراطية أيضا، لأن بوسعها (الأحزاب) تقديم برامج وأساليب حكم بديلة.
الانتخابات التي أجريت في المغرب وتونس ومصر أكدت ادعاء الإسلاميين أنهم يتمتعون بالتأييد الشعبي، وأنه يمكنهم الفوز في انتخابات حرة ونزيهة. ولكن في رأيي أن التصويت لهم كان متأثرا بعامل تعاطف نتج عن منع أو تقييد مشاركة الأحزاب الإسلامية في العملية السياسية والانتخابات قبل انتفاضات 2010-2011.
استمرار هذا التعاطف غير مضمون، ومن المحتمل أن ينحسر بعد أن تصبح الانتخابات حدثا منتظما. ولذلك، كي تحافظ الأحزاب الإسلامية على مستوى شعبيتها، سيتعين عليها تجديد كسب ثقة الفئات الشعبية نفسها. وإذا أرادت كسب التأييد من قطاعات أخرى في المجتمع، لن يمكنها ذلك إذا عبرت عن أفكار جامدة في برامجها الانتخابية. لم يكن الإسلاميون قوة سياسية يعتد بها قبل الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967. إذا تبنت الأحزاب الأخرى سياسيات وبرامج جذابة، يمكنها كسب تأييد الشعب على حساب الإسلاميين.
هل سيغير الإسلاميون طبيعة النظام بعد تولي السلطة؟ الجواب المباشر عن هذا السؤال هو أن الإسلاميين أرسلوا إشارات متناقضة. ولذلك، فمن شعر بالشك تجاههم في الماضي سيبقى كذلك.
قدم حزب النهضة التونسي نفسه كحزب إسلامي معتدل حل مسألة التوافق بين الديمقراطية والإسلام منذ أوائل الثمانينيات. الصورة الإيجابية للحزب قوضها حمادي الجبالي، أحد قادة الحزب، الذي عبر عن الحنين للخلافة، وتحدث عن إقامة الخلافة السادسة. مع أنه قال إن كلامه نقل خارج سياقه، إلا أن المسألة مكنت الآخرين من توجيه النقد لحزب النهضة. وفي خطاب تولي الحكم في 13 كانون الأول 2010، وعد الرئيس التونسي المؤقت، منصف المرزوقي، الشعب بالتمتع بجميع الحقوق المذكورة في الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان. المرزوقي ليس إسلاميا، ولكنه حصل على تأييد حزب النهضة.
وفي المغرب، سعى زعيم حزب العدالة والتنمية عبد الإله بن كيران إلى تهدئة المخاوف من الإسلاميين بالقول إن الحزب لن يتدخل في الحياة الشخصية لأفراد الشعب. وفي مصر، لم يتضح بعد ما إذا كان المزيج المكون من الإخوان المسلمين والإسلاميين السلفيين سيتعايش ويتعاون أم سيتنافس ويتنازع. وقد أشرت إلى أن الإخوان/الجبهة في الأردن، في السنوات العشرين التي جرى تقييمها، أظهروا حالة من التناقض الديمقراطي في الاتجاه المعاكس، فالتناقض الديمقراطي يقصد به استخدام الديمقراطية للقيام بعمل غير ديمقراطي، وفي حالة الأردن، الإسلاميون المتوقع منهم ذلك، دافعوا عن الديمقراطية وسعوا إلى توسيع هامش ممارستها. أتمسك بهذا الاستنتاج فيما يتعلق بفترة التقييم.
بعد الانتفاضات في العالم العربي، والإشارات المتضاربة حول ما سيفعله الإسلاميون بعد النتائج الإيجابية التي حققوها، أصبح من الصعب القول قولا جازما إن الإسلاميين سوف يواصلون الدعوة إلى الديمقراطية واحترام قواعدها بعد تولي السلطة. رغم ذلك، أود هنا أن أناقش مسألة ما إذا كان الإسلاميون سيغيرون طبيعة النظام بفرض تطبيق أشد لأحكام الإسلام كما يفسرونها.
إجابتي عن السؤال ذات شقين. الأول هو أن الأحزاب السياسية التي تفوز في الانتخابات تحاول تنفيذ برامجها، سواء أكانت اشتراكية أم رأسمالية. وعندما يفوز حزب، يقول مسؤولوه إنهم حصلوا على تفويض لإحداث تغيير. فإذا قال حزب إسلامي الأمر نفسه، فليس في هذا أمر مفاجئ: أي أن يقول مسؤولوه إنهم حصلوا على أغلبية شعبية وبالتالي نيابية، وحصلوا على تفويض لتطبيق المزيد من أحكام الشريعة أو كلها.
إن فكرة الحصول على تفويض من خلال الانتخابات فكرة إشكالية، وبالتالي ما إذا كانت التغييرات التي يجريها الحزب الفائز متمتعة بتفويض شعبي حقا مسألة غير محسومة. الأمر نفسه ينطبق على الأحزاب الإسلامية في العالم العربي. لذا في رأيي أن الحصول على أغلبية نيابية لا يعني تلقائيا تطبيق أحكام الشرع بكاملها أو بصورة جزئية. ولكن ماذا سيحدث لو تمت محاولة ذلك؟ هل يمكن فرضها؟ هذه النقطة تقودنا إلى مسألة القوى الأخرى في المجتمع، كالأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمواطنين المهتمين.
إذا حاولت الأحزاب الإسلامية بعد تولي السلطة تغيير النظام السياسي وفرض نظام إسلامي صارم، سوف تعامل بنفس العداء الذي سيواجه به أي حزب آخر قرر فرض إرادته وأيديولوجيته على الشعب. حتى لو نجحت هذه الأحزاب في البداية، ستفشل في نهاية المطاف. فشلت الأحزاب الشيوعية في الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية. فشل حزب البعث في العراق وسورية. حتى الأحزاب الأقل أيديولوجية، مثل الحزب الوطني المصري، فشل أيضا.
من الملاحظ أن المعارضة لنظام حكم «أكثر إسلامية» معارضة صاخبة. منتقدو الإسلاميين يشيرون إلى أن قضايا مثل البطالة والتضخم لا تحل بالإشارة إلى آيات من القرآن. آخرون يعبرون عن معارضاتهم بالسخرية من موقف الإسلاميين تجاه الفنون. ومع أنه من السابق لأوانه إصدار حكم بشأن ما إذا كان الإسلاميون سيغيرون طبيعة النظام، هناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى أن محاولتهم ستجابه بمعارضة من مختلف الاتجاهات. إذا حاولوا، يمكن التنبؤ بمصيرهم مقدما.
وثمة نقطة أخرى أود أن أشير إليها وهي أن مشاركة الإسلاميين في السياسة كان ينبغي الترحيب بها منذ وقت طويل. أقول هذا لسببين. الأول هو أنه من الأفضل التعامل معهم في الساحة السياسية، بدلا من تركهم للوعظ في المساجد والمنازل، حيث لن تكون وجهات نظرهم خاضعة للمناقشات العامة. التعامل معهم في ميدان السياسة يعني أن ما يقولون سوف ينشر في وسائل الإعلام ويخضع للتحليل. وبوجود آراء أخرى في الوقت نفسه، يستطيع الناس أن يفكروا في مختلف الآراء قبل أن يتخذوا قرارا. السبب الثاني للترحيب بمشاركة الإسلاميين في السياسة هو أن مدى التزامهم بالمبادئ يصبح واضحا، وهذا موضوع نقطتي التالية.
عندما كان بن علي ومبارك وآخرون لا يزالون في السلطة، وجد الغرب أعذارا لهؤلاء الحكام. وكان استبعاد الإسلاميين من العمليات السياسية يبرر بل ويشجع. ذهبت الحكومات الغربية أبعد من ذلك، ورفضت الاعتراف بحكومة حركة حماس على الرغم من أنها فازت بأغلبية في الانتخابات التي اعتبرها المراقبون الدوليون حرة ونزيهة.
بعد الانتفاضات العربية في 2010-2011 وتغير الأحوال، تمكن الإسلاميون المنفيون من العودة إلى بلادهم. وشاركت الأحزاب الإسلامية في كل من الانتفاضات والانتخابات. وبعد بزوغ فجر واقع جديد في بعض الدول العربية، أدرك الغرب والإسلاميون أنهم لا يستطيعون التمسك بالمواقف القديمة والجامدة تجاه بعضهم البعض. أرسل الإسلاميون في مصر وتونس رسائل مطمئنة إلى الولايات المتحدة فيما يتعلق بالموقف تجاه إسرائيل. وزار راشد الغنّوشي الولايات المتحدة وتحدث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في كانون الأول 2011. وفي مصر، أرسل كل من الإخوان المسلمين والحزب السلفي رسائل مطمئنة فيما يتعلق باتفاقيات كامب ديفيد.
لا أتفق مع الناس الذين يتوقعون تغييرا كاملا للسياسات بين عشية وضحاها. سيكون من غير الحكمة لجماعة الإخوان المسلمين أو الأحزاب الأخرى إعلان أنها ستلغي معاهدة السلام فور تولي السلطة. هذا يعني أن الإسلاميين لم يتعلموا أي درس مما حدث في الجزائر. ومع ذلك، فإن السعي لإرضاء الغرب على هذا النحو يدل على أنه عندما يتم التنافس في الساحة السياسية بين الأحزاب الإسلامية أو غير الإسلامية، تتراجع أهمية المبادئ.
الدول الغربية عادت إلى التعامل مع الأمر بالعقلية النفعية، مع أنه سبق لها أن عارضت الإسلاميين وشككت بالتزامهم بالديمقراطية. غيرت الحكومات الغربية مواقفها وقبلت الواقع الجديد. والأهم من ذلك، دعمت الدول الغربية الإسلاميين في ليبيا. وفيما يتعلق بسورية، لا يمانع الغرب دعم المعارضة التي تلعب فيها جماعة الإخوان المسلمين دورا كبيرا. في المقابل، تبني الإسلاميين مواقف وفق عقلية نفعية ظهر أيضا في مواقفهم تجاه التدخل الخارجي، سواء أتعلق الأمر بليبيا أم سورية. إسلاميو الأردن عارضوا التدخل الخارجي في العراق، ولكنهم أيدوه في ليبيا وسورية.
وقبل أن أركز النقاش على الأردن، أود أن أشير إلى أنه بعد الانتفاضات العربية، أشار بعض المعلقين إلى أن الغرب هو الذي حركها. آخرون سخروا من فكرة الديمقراطية. في السياق الأردني، قال رئيس الوزراء السابق، طاهر المصري، إن الشعب في الأردن غير مستعد بعد للديمقراطية. في سياق أوسع، أشخاص آخرون، منهم منى (2001) وأبو خليل (2011) عبروا عن شكوكهم بشأن الديمقراطية.
التغيير الدموي في ليبيا ذكّر الناس بالعواقب الشنيعة لغزو العراق في عام 2003. إن الاعتراضات على فرض الديمقراطية صحيحة، ففرضها يجردها من طبيعتها. راستو (1967، ص 236) يقول: الديمقراطية تعني «حكم الذات». وقال بيثام (2009) فيما يتعلق بالعراق إن فرض الديمقراطية لا ينجح. لذا، فإن اتخاذ موقف عدائي تجاه الديمقراطية لأن صيتها سيئ في العراق أو في أي مكان آخر هو موقف غير سليم.
المظاهرات المطالبة بالديمقراطية في الأردن أظهرت أنه لا توجد استثنائية أردنية. عندما أطيح ببن علي في تونس، قال مؤيدو الرئيس مبارك إن مصر ليست تونس. وقال مؤيدو الأنظمة في الدول الأخرى الشيء نفسه. ستكون هناك دائما أوجه شبه واختلاف بين الدول. ولكن ما حدث في تونس ومصر وأماكن أخرى يمكن أن يحدث في الأردن أيضا. والاحتجاجات في الأردن استمرت حتى بعد إقرار تعديلات دستورية وتشكيل حكومة عون الخصاونة.
الفرق بين الأوضاع في تونس ومصر من ناحية، والأردن من ناحية أخرى، هو أن المطالب في الأردن لها سقف أدنى: الإصلاح، وليس إزالة رأس الدولة. هذا يعطي النظام مجالا أكبر للمناورة، وحافزا أقل لاستخدام القوة الضخمة. في رأيي أن هامش المناورة يتقلص دائما. ولا توجد ضمانة لبقاء سقف المطالب متدنيا. ولذلك، فإن الحافز لاستخدام المزيد من القوة يصبح أقوى.
مستوى القوة المطلوب سيكون له أيضا تأثير على ما إذا كان الجيش سوف يعتقد أن من واجبه قمع المظاهرات. الاحتمالان واردان: حملة قمع ينفذها الجيش، أو يجد النظام نفسه غير قادر على الاعتماد على الجيش لتنفيذ مهمة من هذا القبيل.
لا يمكن ضمان نتائج الانتفاضات والثورات للثوار أو الأنظمة. حتى الآن، حاول الأردن إدارة الوضع ببعض الإكراه والكثير من المناورات السياسية، التي شملت تغيير الحكومة. ومع ذلك، فإن هذا التكتيك تتناقص فعاليته في تهدئة الشعب. غيّر مبارك الحكومة ليبدو وكأنه يجري التغييرات التي يطالب بها الشعب. ولكن تغيير الحكومة لم يأت بالنتيجة التي توقعها، واضطر للاستقالة ونقل سلطاته إلى المجلس العسكري الذي قدمه إلى المحاكمة بعد وقت قصير من استقالته.
إذا أسيء التعامل مع الوضع في الأردن، يجب عدم استبعاد احتمال أن يؤدي فقدان السيطرة على الوضع إلى عواقب بعضها يمكن تصوره وآخر لا يمكن.
توثيق المقتطفات من الكتاب في الهوامش (أسلوب شيكاغو):
النسخة الورقية:
1. عدلي الهواري، الديمقراطية والإسلام في الأردن: 1990-2010 (لندن: عود الند، 2018)، ص - -.
توثيق النقل من الموقع:
يحذف من التفاصيل أعلاه رقم الصفحة، ويضاف إليها رابط الصفحة المنقول منها.
توثيق الكتاب في قائمة المراجع:الهواري، عدلي. الديمقراطية والإسلام في الأردن: 1990-2010. لندن: عود الند، 2018.
عنوان الكتاب يكتب بخط مائل أو يوضع تحته خط.
- غلاف متوسط: الديمقراطية والإسلام