كتاب: الديمقراطية والإسلام في الأردن
ف 8: الإخوان المسلمون وجبهة العمل الإسلامي
د. عدلي الهواري
تأسس حزب جبهة العمل الإسلامي في عام 1992، بعد سن قانون يسمح بتأسيس أحزاب سياسية في الأردن. كان من المفترض أن تضم الجبهة إسلاميين من غير المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين. ولكن عندما عقد المؤتمر التأسيسي، انسحب الإسلاميون المستقلون، واتهموا الجماعة بمحاولة الهيمنة على الحزب.
يحتوي هذا الفصل على ثلاثة أجزاء. الأول متعلق بجمعية الإخوان المسلمين ومؤسسها في مصر حسن البنا. ويركز الجزء الثاني على جماعة الإخوان المسلمين في الأردن منذ تأسيسها في عام 1945. أما الجزء الثالث فيتعلق بجبهة العمل الإسلامي، وهو الحزب الذي شكلته جماعة الإخوان المسلمين في عام 1992.
الجزء الأول: الإخوان المسلمون في مصر
ولد مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، حسن البنا، عام 1906 في بلدة المحمودية المصرية، وتلقى فيها تعليمه الابتدائي والثانوي. كان طالبا متفوقا، وكان ترتيبه الخامس بين العشرة الأوائل في امتحانات الشهادة الثانوية (غرايبة 1997_أ، ص 11).
ميلاد البنا كان في فترة تزايد النفوذ البريطاني على مصر، التي أصبحت محمية بريطانية عام 1906. ومع أنها منحت الاستقلال عام 1922، إلا أنه كان استقلالا ظاهريا. وصاحب الوجود الأجنبي في مصر سلوكيات غريبة عن البيئة المحلية، كتناول المشروبات الكحولية والملابس النسائية الغربية.
تمسك البنا بالإسلام وتعاليمه واضح في أنه درس القرآن وحفظه على أيدي والده وشيخين صوفيين هما محمد زهران وعبد الوهاب الحصافي. واصل البنا تعليمه في دار العلوم في القاهرة، حيث التقى عددا من الشيوخ البارزين، من بينهم محمد رشيد رضا، الذي كان يدرس في الأزهر، وهو تلميذ جمال الدين الأفغاني، المصلح الإسلامي ومحمد عبده (غرايبة 1997_أ، ص 11).
قبل تأسيس الإخوان شارك البنا وشيوخ آخرون في تأسيس جمعية الشبان المسلمين، ومجلة «الفتح» (غرايبة 1997_أ، ص 11). وبدأ البنا عام 1927 بالعمل أستاذا في الإسماعيلية، وكان عمره واحدا وعشرين عاما (متشل 1993، ص 6). وفي آذار 1928 اجتمع البنا في بيته مع ستة أشخاص آخرين، وتعهدوا بالعيش والنضال من أجل الإسلام (البنا 2001، ص 69). ويعد هذا تاريخ تأسيس الإخوان المسلمين. ويبدو أن اسم الجماعة قد أخذ من الآية القرآنية التي تقول: «إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون» (سورة الحجرات، الآية 10).
تفسيرات لشعبية الإخوان
حاول الباحثون دراسة أسباب شعبية الإخوان المسلمين وجاذبيتهم. يقول منسون (2001، ص 488) إن البنا أدرك أن توسع جماعة الإخوان المسلمين يتطلب وجوده في القاهرة. وأدى انتقاله إليها إلى النتائج المرغوبة، ففي فترة 1932-1954 أصبح للجماعة حوالي خمسين فرعا في مختلف أنحاء مصر.
ويعزو حنفي (2004، ص 73) جاذبية الإخوان إلى مقدرة البنا على «صياغة تصور واضح وبسيط ونظري وعملي للإسلام. ووفق هذا التصور فان الإخوان مقاتلون في النهار، ونساك في الليل». وفي رأي حنفي أن العوامل الأخرى التي زادت جاذبية الإخوان مشاركتهم في الأربعينيات في «الحركة الوطنية المصرية، والقتال في فلسطين»، ومعارضة «النظام الاستبدادي الإقطاعي البريطاني، والقصر، وأحزاب الأقليات» (ص 63).
درس منسون (2011، ص 487) «كيف أمكن المنظمة (الإخوان) أن تجذب عددا غير مسبوق من الأعضاء الجدد والتأييد الشعبي في فترة 1932-1954». ويرى أن «مفهوم هيكل الفرصة السياسية في نظرية الحركة الاجتماعية يقدم أفضل التفسيرات الممكنة». وهذا المفهوم، كما يشرحه منسون، «يركز على العلاقة بين الحركة الاجتماعية وبيئتها، وخاصة البيئة السياسية»، وأيضا «على العلاقة بين الحركات الاجتماعية والمؤسسات السياسية لفهم حشد الحركة» (ص 449).
يحدد منسون ثلاثة عناصر في تاريخ مصر في ذلك الحين لتبرير استخدام المفهوم المذكور سابقا، وهي: «(1) الدور البريطاني في الحياة السياسية المصرية، (2) فقدان شرعية حزب الوفد الذي كان يتمتع بالشعبية في وقت ما، (3) والنزاع الأيديولوجي حول إقامة إسرائيل». ويسأل منسون: «لماذا نشأت جماعة دينية إصلاحية بدلا من حزب شيوعي؟» (ص 494-495). ويجيب عن السؤال بقوله إنه بالإضافة إلى البيئة الملائمة «كان لدى الإخوان هيكل سلطة موحد» (ص 497). وكان لديهم «شبكة من الفروع في مختلف المدن والقرى في مصر» (ص 489). وكانت الفروع «موحدة من خلال مقر مركزي في القاهرة» (ص 497).
ومن الأسباب الأخرى لنجاح الإخوان في حشد المؤيدين أن نظام العضوية فيها تكون من ثلاث درجات. الأولى لا تطلب من العضو أكثر من توقيع طلب العضوية ودفع الرسوم. الدرجة الثانية تتوقع من العضو أن يكون ملما بمبادئ الحركة. أما الدرجة الثالثة فتطلب من العضو أن ينخرط في الجماعة ويلتزم بتعاليم الإسلام (منسون، نقلا عن متشل 1969).
تجدر الإشارة هنا إلى أن متشل يذكر في كتابه أن فئات العضوية في الإخوان في عام 1934 هي مساعد ومنتسب وعامل ومجاهد. وفي عام 1945 كانت العضوية من فئتين: تحت الاختبار وناشط (متشل ص 183).
مع أن تفسير منسون لشعبية الإخوان المسلمين وجاذبتهم مختلف عن الشائع، إلا أن تفسيره يؤكد أن الإخوان كانوا جذابين لعدد كبير من الناس. دور السياسة في حشد الجماهير مهم دائما. وفي رأيي أنه عندما تتنافس منظمات على حشد الجماهير، فإن الأرجح نجاح المنظمة التي تستخدم رسالة أبسط. وبساطة الرسالة تعني أمرين، الأول يتعلق باللغة، أي أن لغة الرسالة الموجة للجماهير بسيطة. والثاني أن فحوى الرسالة نفسه أبسط.
على سبيل المثال، بعد ظهور حركة المقاومة الفلسطينية بعد هزيمة 1967، نجحت حركة فتح في جذب تأييد أكبر من غيرها، فخلافا للمنظمات اليسارية، كانت لغة بيانات فتح بسيطة. والتصور الذي طرحته حركة فتح كان بسيطا: تحرير فلسطين بالكفاح المسلح. المنظمات الأخرى شمل تصورها أيضا تحرير فلسطين، ولكنها كانت تشير إلى أيديولوجيات ومفاهيم لم تكن جذابة بالقدر نفسه، من قبيل المادية الجدلية، والبرجوازية، والصراع الطبقي. وبدلا من استخدام مقتطفات من أقوال ماركس، كانت حركة فتح تستخدم آيات من القرآن وأمثلة من تاريخ المسلمين.
السياسة والدين
يشرح البنا في رسائل موجهة لمؤيدي الإخوان (1992، ص 37) مهمة الإخوان بقوله:
يا قومنا: إننا نناديكم والقرآن في يميننا والسنة في شمالنا، وعمل السلف الصالحين من أبناء هذه الأمة قدوتنا. وندعوكم إلى الإسلام وتعاليم الإسلام وأحكام الإسلام، فإن كان هذا من السياسة عندكم فهذه سياستنا، وإن كان من يدعوكم إلى هذه المبادئ سياسيا، فنحن أعرق الناس والحمد لله في السياسة، وإن شئتم أن تسموا ذلك سياسة فقولوا ما شئتم، فلن تضرنا الأسماء متى وضحت المسميات وانكشفت الغايات.
مع أن البنا يبدو عازفا عن السياسة، في رأيي أن القيام بتأسيس حركة بهذه الصبغة في وقت تتعرض فيه مصر للاستعمار هو عمل سياسي، رغم أن الهدف المعلن ديني، فهي حركة لا تريد ممارسة السياسة على النحو الذي يروج له ويسيطر عليه المستعمر. العودة إلى الإسلام تمثل ممارسة نوع مختلف من السياسة لا يسيطر عليه المستعمر.
كان للتعاطي مع السياسة نتيجتان متناقضان على الإخوان في مصر. كما أشرت سابقا، فإن حنفي قال إن انخراط الإخوان في الحركة الوطنية المصرية، والقتال في فلسطين، ومقاومة النظام الإقطاعي في مصر، ساهم في شعبية وجاذبية الإخوان. أما الانخراط في السياسة الداخلية فقد وضع الإخوان على مسار صدام مع السلطات الحاكمة أثناء المرحلة الملكية ثم الجمهورية.
الاصطدام مع السلطات
القضايا الكبرى في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي كان من بينها القضية الفلسطينية وتأييد الشعب الفلسطيني. أيد الإخوان الشعب الفلسطيني الذي كان خاضعا للانتداب البريطاني. وكانت فلسطين تهيأ، كليا أو جزئيا، لتكون وطنا لليهود، كما جاء في وعد بلفور عام 1917.
تم حل جماعة الإخوان المسلمين رسميا يوم 8 كانون الأول 1948. وقد سردت وزارة الداخلية ثلاثة عشر سببا للقرار الذي اتهم الإخوان بارتكاب أعمال عنف (متشل 1993، ص 65-66). وبعد ثلاثة أسابيع من الحل، أي في 29 كانون الأول 1948، اغتيل رئيس الوزراء المصري، محمود النقراشي (متشل 1993، ص 67). قام بالاغتيال عبد المجيد حسن، الذي كان عضوا في الإخوان. وقد حُمّلت الجماعة المسؤولية عن اغتيال النقراشي.
وفي شهر شباط 1949، اغتيل حسن البنا. ولم تلق على أحد المسؤولية عن اغتياله. يحمّل حنفي (2003، ص 63) المسؤولية لثلاثة أطراف هي «القصر، والبريطانيون وبعض أحزاب أقليات». لكن متشل يحدد المسؤولية عن اغتيال البنا بشكل أوضح من حنفي، إذ يقول إنه كان من المعتقد أن اغتيال البنا تم على أيدي «أعضاء الشرطة السياسية» (ص 71).
في عام 1951 كسبت جماعة الإخوان المسلمين قضية قضائية من خلال منع بيع مقرها. وهذا كان معادلا لمنح الصفة القانونية للجماعة. واختار الإخوان حسن الهضيبي كمرشد عام خلفا للبنا. وتم الإعلان عن ذلك في تشرين الأول/أكتوبر 1951 (متشل 1993، ص 84-86).
عندما سيطر الضباط الأحرار على السلطة في عام 1952، لم يتم حظر الإخوان. ويقول حنفي (2003) إن «نصف أعضاء مجلس الثورة» كانوا أعضاء في الإخوان (ص 68). وكان لعبد الناصر اتصالات مع البنا، ولكنه (أي عبد الناصر) لم يكن عضوا في الإخوان. لكن العلاقة بين الجانبين تدهورت. كان بين الضباط خلافات وصراع على السلطة في عام 1954. الرئيس الظاهري للجمهورية الجديدة، محمد نجيب، خاض صراعا على السلطة مع الضباط الأحرار بقيادة عبد الناصر.
انحاز الإخوان إلى جانب محمد نجيب قبل حسم النزاع. وسبب ذلك، في رأي حنفي (2003)، أن محمد نجيب «بدا موحدا لشطري وادي النيل، فأبوه مصري، وأمه سودانية» (ص 66). هذا السبب لتفسير انحياز الإخوان لنجيب ليس مقنعا. نصر حامد أبو زيد (2007) يقدم تفسيرا مقنعا أكثر، ويركز فيه على التوجه الأيديولوجي لكل من عبد الناصر والإخوان. جماعة الإخوان المسلمين كانت تأمل في إقامة شكل إسلامي من الحكم، ولكن كان لدى عبد الناصر تصورات مختلفة، شملت الاشتراكية وإصلاح ملكية الأراضي (تلمساني 1985، ص 64-68).
بلغ النزاع بين عبد الناصر والإخوان ذروته في عام 1954، إذا حاول محمود عبد اللطيف، أحد أعضاء الإخوان، اغتيال عبد الناصر في ذلك العام. ولكن محاولة الاغتيال فشلت، وأسفر عنها اعتقال أعضاء في الإخوان وإعدام ستة منهم (متشل 1993، ص 96). هناك من يعرب عن الشك في محاولة الاغتيال هذه، ويعتبرها تمثيلية لزيادة شعبية عبد الناصر. يقول ناصر المهداوي (1986، ص 110-116) إن أميركيا مختصا بالدعاية (بروبوغاندا) اقترح إجراء محاولة اغتيال فاشلة. ووضعت الخطة لذلك، وتم التنفيذ في 26 تشرين الأول 1954، أثناء إلقاء عبد الناصر خطابا في الإسكندرية.
عندما نشر سيد قطب في ستينيات القرن الماضي كتابه «معالم في الطريق»، قرأه عبد الناصر. ويقول حنفي (2003، ص 66) إن عبد الناصر لمس إشارة في الكتاب إلى وجود منظمة سرية، ولذا طلب من زير الداخلية، شعراوي جمعة، التحقيق في الأمر. في أعقاب ذلك، أعيد سيد قطب إلى السجن، وأعدم في عام 1966.
النزاع بين عبد الناصر والإخوان جعل من عبد الناصر شخصية مكروهة جدا لدى الإخوان. ويشير حنفي (2003) إلى أن الإخوان لا يعترفون بفضل لعبد الناصر في أي شيء «باستثناء تأميم قناة السويس ووقف العدوان الثلاثي على مصر عام 1956» (ص 68). ويعتبر الإخوان كل أمر آخر فعله مصيبة، كالوحدة مع سورية (1958-1961)، والتدخل في اليمن، والقوانين الاشتراكية (ص 68).
هذه الكراهية لعبد الناصر دفعت الإخوان إلى الترحيب بهزيمة الدول العربية في الحرب مع إسرائيل عام 1967. وما يحكى عن السجود شكرا لله لهزيمة عبد الناصر ليس حكايات دعائية لتشويه صورة الإخوان. الشيخ الشعراوي ذكر ذلك في مقابلة تلفزيونية أذيعت في عام 1989، ويشير إليها نصر حامد أبو زيد (2007، ص 20) في كتاب ينتقد فيه الخطاب الإسلامي، ويذكر أن الشيخ الشعراوي كان سعيدا لأن الشيوعيين هزموا وخذلهم الله.
راضي صدوق (2009) يؤكد هذه المعلومات، فقد كان يلتقي أحيانا مع الشيخ الشعراوي عندما كان كلاهما يعمل في السعودية. الشعراوي كان يعمل محاضرا في جامعة أم القرى، وصدوق في الإذاعة السعودية. سأل صدوق الشيخ الشعراوي إن كان سجد شكرا لله على هزيمة العرب في حرب 1967. أكد الشعراوي أنه فعل ذلك لأنه يعتبر عبد الناصر شيوعيا، وعندما يضطر المرء للاختيار بين الشيوعيين وأهل الكتاب، فإن أهل الكتاب أفضل.
ومع أن اضطهاد الإخوان في عصر عبد الناصر أكسب الإخوان تعاطفا كبيرا من إخوانهم في مصر والدول الأخرى، إلا أن كراهيتهم لعبد الناصر، وموقفهم من الهزيمة في حرب 1967 ولد احتقارا لهم لدى الكثير من الناس، وخاصة المثقفين ذوي الميول اليسارية والعلمانية، إضافة إلى الناس العاديين، الذين وجهوا تأييدهم بعد هزيمة 1967 إلى منظمات المقاومة الفلسطينية مثل حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
بعد وفاة عبد الناصر في أيلول 1970، استعان خلفه، أنور السادات، بالإخوان في صراعه مع اليساريين والتيارات الأخرى في مصر (ازبوزيتو 1994، ص 168). وأدت زيارة السادات إلى القدس عام 1978، ومعاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، إلى غضب الكثيرين في مصر وبقية العالم العربي. وقد اغتال إسلاميون السادات في تشرين الأول/أكتوبر 1981 أثناء عرض للقوات المسلحة بمناسبة الذكرى السنوية الثامنة عشرة لحرب تشرين الأول 1973 بين العرب وإسرائيل.
في فترة حكم حسني مبارك، الذي تولى الرئاسة بعد السادات، لم تحصل الجماعة على صفة قانونية، وكان أعضاؤها يتعرضون للاعتقال والسجن. وكلما قررت الحكومة إجراء انتخابات، كانت تتخذ إجراءات للتحكم بمن يسمح له بالترشيح.
الجزء 2: جماعة الإخوان المسلمين في الأردن
مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في الأردن هو عبد اللطيف أبو قورة. ولد في مدينة السلط، وهو من عائلة أتت من دمشق إلى السلط في بداية القرن التاسع عشر. ولعائلة أبو قورة أقارب في مصر. بعد قرن من الزمن انتقل معظم أفراد عائلة أبو قورة إلى عمان. تلقى أبو قورة تعليمه في كتّاب، وهي مدرسة بدائية تعلم التلاميذ القرآن واللغة العربية والحساب. ودخل أبو قورة عالم التجارة، وأصبح رجل أعمال ناجحا (عبيدي 1992، ص 8).
في أوائل أربعينيات القرن العشرين، كانت جماعة الإخوان المسلمين تتفرع من مصر. وكان دعاتها يسافرون إلى الدول العربية، حيث يلتقون الوجهاء والشيوخ، ويقدمون محاضرات، ويؤسسون نواة لجماعة إخوان مسلمين محلية. وبالنسبة إلى الأردن، زار عبد الحكيم عابدين الأردن، والتقى الأمير عبد الله. الداعية الآخر الذي زار الأردن كان سعيد رمضان، الذي كان خطيبا جيدا، وجاذبا للجمهور الذي يأتي للاستماع إليه في المسجد الحسيني في وسط عمان. (غرايبة 1997أ، ص 11-12).
وفقا لعبد الكاظم (1997، ص 16-17)، اتصل أبو قورة بحسن البنا في عام 1945 لمبايعته والعمل معه على نشر الدعوة للالتزام بالإسلام في العالمين العربي والإسلامي. وقد فعل ذلك بعد قراءة بعض أعداد صحيفة الإخوان المسلمين. وكان معجبا بالدعوة فيها إلى الجهاد، ورفض الوجود اليهودي في فلسطين. كذلك، ذهب أبو قورة إلى القاهرة في عام 1945 وتم اختياره كعضو في لجنة الإرشاد للحركة في مصر. وبعد عودته إلى عمان، شرع أبو قورة في اتخاذ الخطوات الرسمية لإنشاء جمعية للإخوان المسلمين في الأردن.
وافقت الحكومة على تأسيس الجمعية، وافتتح مقرها تحت رعاية الأمير عبد الله في 19 تشرين الثاني 1945 (عبد الكاظم 1997، ص 16-17). ومثل الأمير في حفل الافتتاح عبد المنعم الرفاعي وألقى كلمة فيه (عبيدي، 1992). أجريت أول انتخابات داخل الجمعية لانتخاب لجنة إدارية (المكتب العام) في عام 1947. بعد سنوات قليلة، ونتيجة لدمج الضفتين الغربية والشرقية في عام 1950، كان الأعضاء المقيمون في المنطقتين ينتمون إلى جمعية إخوان مسلمين واحدة في الأردن (الحروب 1996، ص 18-19).
يقارن الحروب أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بغزة بنظرائهم في الضفة الغربية، فيشير إلى أن إخوان غزة كانوا يتبنون موقفا أكثر ثورية. أما إخوان الضفة الغربية فكانوا يركزون على التعليم والنشاط السياسي. ويشير الحروب أيضا إلى أن الحكومة الأردنية كانت متسامحة مع نشاطاتهم، على أمل أن يكونوا تيارا مقابلا للناصرية والبعث.
واصل أبو قورة قيادة الجماعة حتى عام 1953، عندما قرر الاستقالة. وهناك تفسيران لفعله ذلك. الأول أن القضية التي دفعته إلى الاستقالة كانت مرتبطة بالمشاركة في الانتخابات، إذ كان يرى أن الجماعة يجب ألا تشارك في الانتخابات إذا لم تكن هناك إمكانية للفوز بالأغلبية في مجلس النواب. وكان لزملائه رأي آخر، ووجدوا فوائد في المشاركة، بصرف النظر عن عدد المقاعد التي يتم الفوز بها (عبيدي 1992، ص 108).
التفسير الثاني لاستقالة أبو قورة (الثبيتات 2009، ص 27) هو أنه اعترض على تشكيل جهاز خاص، كما أوصى نجيب جويفيل، وهو مصري كان متهما بأنه أحد عملاء الرئيس المصري جمال عبد الناصر (عبيدي 1991، ص 102-108).
بعد استقالة أبو قورة، قاد الجماعة عبد الرحمن خليفة، المولود في السلط، وهو من أفراد قبيلة النسور. وكان خليفة وقت اختياره لقيادة الجماعة يعمل قاضيا في مادبا (قرب عمان) وهو أول قائد للجماعة في الأردن يحمل لقب المراقب العام. وتحت قيادته، غيرت جماعة الإخوان المسلمين وضعها القانوني من جمعية خيرية إلى منظمة إسلامية عامة. بعبارة أخرى، لم تكن جمعية خيرية، ولا حزبا سياسيا. وهذا الوضع وفر لها حرية الدعوة في المساجد وأماكن أخرى دون القيود التي تفرض على نشاطات الجمعيات الخيرية.
سجن خليفة في مناسبتين نتيجة توجيه الجماعة نقدا إلى الحكومة. الأولى كانت في عام 1958، بعد أن أصدرت الجماعة بيانا انتقدت فيه قرار دعوة قوات بريطانية للمجيء إلى الأردن بعد الانقلاب الذي وقع في العراق (الحسن 1990، ص 58-59). والمرة الثانية كانت في عام 1960، عندما تم تنظيم حفل للتزلج على الجليد في عمان. وانتقدت الجماعة الحكومة بقولها «إنها تستورد نساء عاريات: في حين أن إسرائيل تستورد دبابات وطائرات» (ص 68-69).
كان خليفة قائد جماعة الإخوان المسلمين عندما أجريت انتخابات عام 1989. ويعزى إليه الفضل في ترجيح كفة مشاركة الجماعة في انتخابات عام 1993 بعد أن عدلت الحكومة قانون الانتخابات لتحد من إمكانية فوز الجماعة بعدد كبير من المقاعد في مجلس النواب. وظل خليفة قائدا للجماعة حتى عام 1994.
منذ استبدال خليفة، قاد الجماعة ثلاثة أشخاص [1]، وهذا يشير إلى تغير في الموقف السابق الذي كان يعني بقاء القائد في المنصب طول عمره. المراقبون العامون الثلاثة هم عبد المجيد الذنيبات (1994-2006) وسالم الفلاحات (2006-2008) وهمّام سعيد (2008 - ).
العلاقة مع الحكومة
رغم أن العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والحكومة كانت جيدة، فإن هناك قضايا سببت الاحتكاك بين الجانبين. توتر العلاقة بينهما أدى إلى اعتقال وحبس خليفة مرتين، كما ذكر سابقا. وقد حدثت خلافات بينهما في كل المراحل. وزادت كثافة الاختلافات بعد عملية التحرر السياسي التي بدأت في عام 1989.
كثيرا ما كانت قضايا السياسة الخارجية سبب الخلاف. على سبيل المثال، وجود ضباط بريطانيين في الجيش الأردني؛ وحلف بغداد؛ ومبدأ آيزنهاور المتعلق بالشرق الأوسط؛ ودعوة القوات البريطانية للمجيء إلى الأردن بعد أن هدد العراق بضم الكويت في عام 1958 (أبو فارس 2000، ص 22-47). كان موقف الجماعة تجاه هذه القضايا مشابها لموقف اليساريين والقوميين العرب.
مصدر الاحتكاك الآخر له علاقة بحالات ترى فيها الجماعة ابتعادا كبيرا عن الممارسات الإسلامية. على سبيل المثال، عندما تم في عمان تنظيم حفل للتزلج على الجليد عام 1960. اعترضت الجماعة على وجود متزلجات يلبسن أزياء تكشف الكثير من الجسم (أبو فارس 2000، ص 34).
رغم حالات التوتر المتكررة، انحازت الجماعة للنظام في مناسبتين مهمتين، الأولى في عام 1957، عندما حظر الملك حسين الأحزاب السياسية في البلاد. يبرر أبو فارس (2000، ص 39) قرار تأييد الملك بأنه كان عمل دفاع عن النفس، فأعضاء الجماعة كانوا سيصفون لو نجحت المعارضة. ويقول أيضا إنه تم تفادي حرب أهلية.
وكانت المناسبة الثانية في عام 1970، عندما قرر الملك حسين القضاء على وجود المقاومة المسلحة الفلسطينية في الأردن. تقول الجماعة إنها وقفت على الحياد في هذا النزاع. عزام (2005)، وهو شخصية بارزة في جماعة الإخوان الأردنية، وأصبح في الثمانينيات مرتبطا بجماعات المجاهدين في أفغانستان والقاعدة خلال سنوات الغزو السوفييتي، يقول (ص 72):
وبدأ الاستعداد لضرب العمل الفدائي، واجتمعنا -نحن الإخوة المسؤولين عن الشباب- وقررنا فيما إذا اصطدم الجيش مع الفدائيين أن لا ندخل في هذا الصراع الذي لا طائل من ورائه، ونخشى أن نصيب دما حراما لزوال الدنيا أهون على الله من قتل امرئ مسلم، وكذلك فالمعركة ليست واضحة والراية عمية وليست إسلامية خاصة وأن العمل الفدائي قد اجتاحه طوفان من الغثاء وأصبح الكثير منه زبدا رابيا ، فلم يكن قتال الجيش أمرا مقبولا شرعا ولا عقلا ولا مصلحة. فأثرنا الوقوف على الحياد، ولقد دار حديث حول الأخطار التي تكتنف المرحلة القادمة والغموض الذي يلف الليالي المقبلة، ولكن عين الله كانت ترعى هذه المجموعة، فقلت للإخوة: اطمئنوا فلن يضيعنا الله ولن تكون نهاية هذه الصفوة السحق تحت جنازير الدبابات الأردنية.
إذا كان هذا الموقف محايدا في هذه الحالة، فإنه كان مناسبا للملك حسين.
في انتخابات فرعية جرت عام 1984، ظهرت الشعبية الملموسة للمرشحين الإسلاميين، فالمرشح الإسلامي في إربد، أحمد الكوفحي، تفوق بعشرة آلاف صوت على أقرب منافسيه. والمرشح الإسلامي الآخر، ليث شبيلات، هزم خمسة وثلاثين مرشحا (الشرعة 1997، ص 122). تسلط بولبي (1999) الضوء على حالة شبيلات في دراستها المتعلقة بجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وتقول إن «شبيلات حصل على دعم يساريي الطبقة العليا والعلمانيين الآخرين إضافة إلى المسيحيين رجالا ونساء» (ص 105).
وفي الانتخابات العامة التي جرت عام 1989، حصل خمسة مرشحين إسلاميين على أعلى عدد من الأصوات. وأقل عدد من الأصوات بلغ حوالي عشرين ألف صوت. يفسر الشرعة هذه النتيجة الحسنة التي حققتها الجماعة بكونها «من أول الجماعات التي وضعت برنامجا منظما ومتماسكا» (ص 172). ويشير أيضا إلى أن «التيار الإسلامي حصل على عدد من المقاعد مساو للعدد الذي حصل عليه مؤيدو النظام المعروفون»، والمقصود بذلك «قادة العشائر ومسؤولون حكوميون سابقون» (ص 172).
جبهة العمل الإسلامي
تأسس حزب جبهة العمل الإسلامي في عام 1992، بعد سن قانون يسمح بتأسيس أحزاب سياسية في الأردن. كان من المفترض أن تضم الجبهة إسلاميين من غير المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين. ولكن عندما عقد المؤتمر التأسيسي، انسحب الإسلاميون المستقلون، واتهموا الجماعة بمحاولة الهيمنة على الحزب (حوراني وآخرون 1997، ص 20).
وفق النظام الأساسي للحزب، فإن أول أهدافه هو «استئناف الحياة الإسلامية للمجتمع، والسعي إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في مختلف ميادين الحياة» (النظام الأساسي 2002، المادة 1). وتشمل الأهداف «ترسيخ الوحدة الوطنية، وترسيخ المنهج الشوري والديمقراطي، والدفاع عن كرامة الإنسان وحقوقه وعن الحريات بصورة عامة» (النظام الأساسي 2002، 4/1/1).
بلغ عدد الأعضاء المؤسسين 353 عضوا، وكان أول أمين عام للجبهة إسحق الفرحان، وهو وزير تعليم سابق. المجالس التي تدير شؤون الجبهة هي الهيئة العامة، والمؤتمر العام، ومجلس الشورى، والمكتب التنفيذي (حوراني وآخرون 1993). تتألف العضوية في الهيئة العامة من الأعضاء المؤسسين، وأعضاء آخرين يقبلون وفق الأنظمة الداخلية. تجتمع الهيئة العامة مرة واحدة في السنة، إلا إذا طلب منها أن تجتمع بقرار من المكتب التنفيذي أو بأغلبية مطلقة من أعضاء مجلس الشورى.
ويتألف مجلس الشورى من 120 عضوا، يمثلون فروع الحزب تمثيلا نسبيا. فترة العضوية في المجلس أربع سنوات، ويجتمع مرة كل ستة شهور، أو إذا طلب ثلث الأعضاء اجتماعا. هذا المجلس هو الهيئة التي ترسم سياسات جبهة العمل الإسلامي وتراقب تنفيذها. وينتخب المجلس في اقتراع سري رئيسه، ونوابه ومساعديه، والأمين العام للحزب والأعضاء الآخرين في المكتب التنفيذي.
ويتكون المكتب التنفيذي من ثلاثة عشر عضوا، من ضمنهم الأمين العام للحزب، الذي ينتخب للمنصب في انتخاب منفصل. وينتخب أعضاء المكتب نائب الأمين العام ومساعديه. ويشكل المكتب التنفيذي لجانا مختلفة لإدارة شؤون الحزب. ويجوز انتخاب الأمين العام لفترتين متتاليتين فقط، كل فترة منها تبلغ سنتين.
القطاع النسائي
يعدد النظام الأساسي سبعة عشر هدفا، من بينها واحد متعلق في المرأة: «احترام كيان المرأة وحقوقها المشروعة، ودورها في تطوير المجتمع، في إطار الفضائل الإسلامية، وإفساح المجال أمامها للمشاركة في الحياة العامة، وإتاحة الفرص لبروز القيادات النسائية في العمل السياسي».
في شهر كانون الأول 2001، عقد الحزب مؤتمره العام الأول. وتحدثت فيه أروى الكيلاني رئيسة القطاع النسائي في الحزب، وذكّرت الحاضرين بالهدف أعلاه، وطالبت بمشاركة أوسع في صنع القرار من خلال زيادة تمثيل النساء في مجلس الشورى (ص 88-92).
في عام 1993، انتخبت نوال الفاعوري عضوا في مجلس الشورى، ولكنها استقالت وتركت الحزب في عام 1997. وقالت إن الموقف تجاه النساء عموما في الحزب، وفي المجتمع أدى إلى استقالتها [2]. وفي عام 1997، انتخبت حياة المسيمي عضوا في مجلس الشورى، واحتفظت بموقعها فيه خمس دورات متتالية. وتعترف المسيمي بأن هناك أشخاصا في الحزب، مثل محمد أبو فارس، يعارضون مشاركة المرأة في السياسة. ولكنها تؤكد أنه يلتزم بقرارات الحزب، ولا يجعل آراءه تقوضها، على سبيل المثال، أثناء الحملات الانتخابية [3].
ولكن هذا التفسير لا يحل الإشكالية الناتجة عن امتلاك هذه الآراء وعدم التصرف وفقها. في وضع كهذا، مصداقية الشخص تصبح محل تساؤل من الإسلاميين وغيرهم. أيضا، امتلاك هذه الآراء يثبط عزيمة النساء، حتى لو كان أبو فارس وأمثاله يلتزمون بالقرارات، فهذه الآراء ستنال فرصا للتعبير عنها ومناقشتها في الجبهة/الجماعة، وسوف توجه إليها انتقادات من الآخرين، أحزابا وأفرادا.
درس الثبيتات (2009) جماعة الإخوان المسلمين، وغطت الدراسة فترة زمنية تزيد عن خمسين سنة (1945-1997). وهو يطبق معايير هنتنغتون (1965) لقياس المأسسة السياسية، وهي: المرونة-الجمود؛ الاستقلال-التبعية؛ التعقيد-البساطة؛ التماسك-التفكك. ويشير الثبيتات إلى أنه على الرغم من أن جماعة الإخوان المسلمين تسترشد بالقرآن والسنة، إلا أنها تطورت. ومظاهر هذا التطور تلمس في قبول الاجتهاد للتعامل مع قضايا جديدة. وأدى هذا إلى قبول التعددية السياسية والأحزاب، والمشاركة في الانتخابات المحلية والعامة، وتولي مناصب وزارية (ص 24-53).
وبالنسبة إلى معيار الاستقلال-التبعية، يقيّم الثبيتات جانبين: الاستقلال المالي، والعلاقة مع النظام (ص 89). ويذكر مصادر التمويل، وهي رسوم العضوية، والتبرعات من الأعضاء، والتبرعات من غير الأعضاء، وإيرادات من أصول تملكها الجماعة، وإيرادات من بيع الكتب، ونشاطات جمع التبرعات (ص 92). ويشير أيضا إلى أن الهيئات التي تديرها الجماعة تدير إيرادات يبلغ مجموعها 200 مليون دينار أردني، وتتفوق بهذا على منظمات اجتماعية أخرى مثل الاتحاد العام للجمعيات الخيرية، ومؤسسة نور الحسين (ص 93). ويستنتج أن الجماعة حققت الاستقلال المالي، ولا تتلقى دعما ماليا خارجيا (ص 92).
بالنسبة إلى العلاقة مع النظام، يستعرض الثبيتات سبب ودية العلاقة بشكل عام بين الجماعة والنظام (ص 99-127). في الخمسينيات، انحازت الجماعة إلى النظام في محاولاته للحد من انتشار التيارات القومية واليسارية. ويشير أيضا إلى أن أدبيات الجماعة لا تدعو إلى ثورة، وأنها تحترم كون العائلة الحاكمة من نسل النبي محمد.
استنتاج الثبيتات في هذا المعيار مشكوك في صحته. هو يقول إن كل طرف استفاد من الآخر. ولكن ما تجب الإشارة إليه هنا هو أن العلاقة بين الجانبين تشهد تغيرات منذ توقيع الأردن معاهدة السلام مع إسرائيل في عام 1994. وتغيرت العلاقة أكثر منذ أن خلف عبد الله الثاني والده الملك حسين (أناقش هذه النقطة أكثر في القسم المتعلق بالخلافات داخل الجماعة/الجبهة).
وبالنسبة إلى مقياس التعقيد-البساطة، يقيّم الثبيتات الجماعة/الجبهة من هذه الناحية، فيشير إلى أنهما تنشطان في الجامعات والنقابات المهنية، وأن لهما حضورا كبيرا في هذه الميادين. ولا تتخذ قيادة مركزية القرارات بل تتخذ على المستوى المحلي وتأخذ في الحسبان الظروف الخاصة. ولكن الثبيتات يشير إلى أن الحكومة الأردنية سنت قوانين للحد من نفوذ الجماعة/الجبهة.
ذكر الثبيتات تشكيل حزب التحرير كمثال على انشقاق في الجماعة في الستينيات. ولكن اعتبار حزب التحرير حزبا انفصل عن الجماعة أمر لا يتفق معه العبيدي (1991) الذي يقول إن مؤسس حزب التحرير، تقي الدين النبهاني، لم يكن قط عضوا في الجماعة (ص 121). وربما انضم لحزب التحرير بعض الأشخاص الذي كانوا أعضاء في الجماعة. ويقول العبيدي إنه لم تكن هناك علاقة تنظيمية بين الجماعة والنبهاني الذي التقى فعلا حسن البنا، وكان يكن له الاحترام، ولكن هذا كان حد العلاقة بينهما (ص 121122). وينفي العبيدي ما يقال عن محاولات لتوحيد الجماعة وحزب التحرير في الخمسينيات (ص 123-124).
معلومات العبيدي متطابقة مع معلومات عبد العزيز الخياط، الذي كان أحد قادة حزب التحرير في الأردن، واستماله النظام إلى صفه، وأصبح وزيرا للأوقاف بضع مرات. وقد كتب الخياط مقدمة لكتاب للعبيدي (1992، ص 3-28) عن حزب التحرير. وصحح الخياط وأوضح في المقدمة بعض النقاط الواردة في الكتاب.
ولكن إذا اتفق المرء مع الرأي الذي يقول إن انقساما قد حدث في الخمسينيات، فإن عمر هذا الانقسام الآن أكثر من خمسين سنة، وبالتالي لا يصلح لأن يكون مقياسا دقيقا لمعيار التماسك-التفكك. من الأمثلة على التفكك التي يذكرها الثبيتات خلافات على المشاركة في الانتخابات والحكومة. ويستنتج الثبيتات أنه بصورة عامة، كان التفكك داخل الجماعة/الجبهة متدنيا. ولكن لا يمكن اعتبار هذه الاستنتاج نهائيا، بالنظر إلى التطورات التي حصلت داخل الجبهة منذ الانتخابات العامة التي جرت في الأردن عام 2007 (انظر/ي أدناه القسم المتعلق بالخلافات الداخلية في الجماعة/الجبهة).
إضافة إلى ذلك، يتفق براون (2006، ص 5) مع رأي الثبيتات في بعض المجالات، مثل معيار التعقيد-البساطة. ويشير إلى أن الجماعة «جذبت بعض الشخصيات من المؤسسة الدينية؛ وقدمت مرشحين في انتخابات النقابات المهنية (كنقابة المحامين والأطباء)؛ وبدأت تنشر دوريات خاصة بها». ويعطي براون رأيا صريحا بشأن الطبيعة الديمقراطية للجبهة:
بنت جبهة العمل الإسلامي مجموعة مثيرة للإعجاب من الهياكل الداخلية الديمقراطية. قادة الحزب ينتخبهم الأعضاء، وهناك تداول منتظم في المناصب العليا. وفي المراحل المهمة، استطلعت آراء الأعضاء للاسترشاد بها بشأن قرارات مهمة (في مناسبتين لاتخاذ قرار بشأن مقاطعة الجبهة الانتخابات أم لا). وتختار المرشحين في عملية تبدأ في الفروع وانتخابات تمهيدية قبل رفع الأسماء إلى قيادة الحزب».
مع أن ملاحظات براون صحيحة، إلا أن خلافات الجبهة الداخلية خرجت إلى العلن. تقارير صحفية متعددة في عام 2010 أشارت إلى أن الخلافات عميقة، ويمكن أن تؤدي إلى استقالات وتأسيس جماعات جديدة.
يميل قادة من الجماعة/الجبهة نحو التقليل من أهمية هذه التقارير الصحفية. وفي حين أنهم يعترفون بوجود خلافات، إلا أنهم يقولون إنهم في نهاية المطاف يرصون الصفوف. في رأيي أن الأحزاب ذات التيارات المتنافسة تكون متابعتها أكثر إثارة للاهتمام، وهياكلها تكون أكثر ديمقراطية. وإذا أدت الخلافات إلى انقسام جبهة العمل الإسلامي أو جماعة الإخوان المسلمين، لن يكون الأمر غير مسبوق في العالم العربي أو خارجه.
ج ع إ: البرنامج الانتخابي الأول 1993
البرنامج الانتخابي الأول لجبهة العمل الإسلامي (1993) وثيقة شاملة تتضمن أهداف الحزب، وتقييم أداء أعضاء مجلس النواب المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، والبرنامج الانتخابي. وهذا الأخير مقسم بدوره إلى أربعة أقسام، الأول يعنى بالسياسة التشريعية، والثاني يعني بالقضية الفلسطينية والتسوية السياسية، والثالث عنوانه «التصدي لسياسات التطبيع مع العدو اليهودي». والقسم الرابع يعنى بالسياسة الخارجية والعلاقات الدولية.
يعدد البرنامج مجموعة من الإنجازات مصنفة في فئتين: الأولى الإنجازات التشريعية؛ والثانية مراقبة السلطة التنفيذية. في الفئة الأولى هناك سبعة إنجازات، أولها تعديل قانون محكمة العدل العليا بحيث «ألغي تحصين القرار الإداري من هذا القانون وانسحب هذا الإلغاء على عشرات القوانين، فلم يعد أي قرار إداري محصنا غير قابل للطعن».
من الإنجازات الأخرى في مجال التشريع «تعديل قانون محكمة أمن الدولة، فقد كانت من درجة واحدة ولا يقبل قرارها الاستئناف فأصبحت من درجتين». وأصبح الاستئناف يتم بحضور خمسة قضاة (البرنامج الانتخابي 1993، ص 4-6). كان لهذا التعديل نتائج ملموسة، فقد أنقذ حياة بعض الأشخاص الذين حوكموا وأدينوا بتنظيم انقلاب. عند استحداث هذا التعديل، تبين أن المدانين أبرياء.
الإنجاز الثالث «إلغاء قانون الدفاع [4] الذي وضع سنة 1935 وطبق ووضع بدلا منه قانون جديد للدفاع يطبق في الظروف الطارئة فقط». والإنجاز الرابع «وضع قانون الكسب غير المشروع (من أين لك هذا) وكان في مراحله الأخيرة قبل حل المجلس» (البرنامج الانتخابي 1993، ص 4-6). وفي فئة مراقبة السلطة التنفيذية، تشمل الإنجازات «إعادة المئات من المفصولين السياسيين إلى أعمالهم». كذلك تمت إعادة «الآلاف من جوزات السفر المحجوزة [5] إلى أصحابها» (البرنامج الانتخابي 1993، ص 4-6).
على الصعيد الداخلي، ليس من الضروري ذكر موقف الجبهة تجاه ثماني عشرة قضية مذكورة في البرنامج الانتخابي. لكني اخترت أن أشير إلى قضيتين لهما علاقة بالحريات، والمساواة، فهاتان القضيتان يشار إليهما دائما كمصدر قلق في حال وصول الإسلاميين إلى السلطة.
بالنسبة إلى الحريات العامة وحقوق الإنسان يقول البرنامج «إن سياسات الحزب في هذا المجال تقوم على تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية في المحافظة على حياة الإنسان وعقله وحريته وماله وعرضه وسيعمل الحزب على أن توفر الدولة للمواطنين سائر الحريات العامة ... بما فيها الحرية العقدية والدينية ... وحق الواعظ في تبليغ دعوة الله للناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (ص 10). يلاحظ هنا أن الإشارة إلى أن الجزء المتعلق بـ«حق الواعظ» مكتوبة بطريقة تدل على أن هذا الحق خاص بالواعظ المسلم، في حين أن الحقوق يجب أن يتمتع بها جميع المواطنين (ص 10).
المساواة بين الرجال والنساء ترد في فئة السياسة الاجتماعية وخصص فيها قسم يتعلق بالمرأة جاء فيه: «لا بد من تعزيز مكانة المرأة كما قررها الإسلام بعيدا عن العادات الوافدة والتقاليد الراكدة الغريبة عن ثقافتنا». ويشمل البرنامج الانتخابي وعدا بـ«العمل على تحصيل حقوق المرأة الشرعية من خلال تفعيل التشريعات المنصفة لها، واستكمال الإطار التشريعي المعزز لحقوقها» (ص 22-23). فيما يتعلق بالوعد هذا، لم تظهر الحكومة أو جبهة العمل الإسلامي شجاعة كافية لسن قانون جديد، أو تعديل الحالي، لإلغاء الأحكام المخففة التي تصدر على قتل القريبات بذرائع حماية شرف العائلة.
ويلاحظ على البرنامج الانتخابي استخدام «يهود» و«يهودي» في بعض الأماكن، فضمن الإنجازات في قسم مراقبة السلطة التنفيذية يقول البرنامج: «قام نواب الحركة الإسلامية بحجب الثقة عن الحكومات التي تفاوض العدو اليهودي» (ص 5). في أي دولة من دول العالم لا تحظى اتفاقية تتوصل إليها الحكومة برضى كل المواطنين، وقد يعبر بعضهم عن الاحتجاج بتنظيم مظاهرات. بعض الأميركيين عارضوا اتفاقية نافتا. في سياق الحديث عن معاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية، استخدام كلمة «يهودي» بدل إسرائيلي أو صهيوني يجعل النظر للمسألة من ناحية دينية بحتة، وليس من منظور سياسي.
في رأيي أن الاعتراض على معاهدة السلام على أسس سياسية مشروع أكثر، لأن الأسس الدينية تقوم على اعتقاد خاطئ وهو أن العداء بين المسلمين واليهود قديم قدم الإسلام، ويتجاهل الحقائق التاريخية التي تظهر أن المسلمين واليهود عاشوا وعملوا معا طيلة قرون. ومع أن إسرائيل تشير إلى نفسها بـ«الدولة اليهودية»، وتقوم بأعمال عدوانية، إلا أن الإنسان يجب ألا يقع في فخ استخدام «يهودي» في سياق انتقاد الممارسات الإسرائيلية، لأنه ليس كل يهودي يوافق على ذلك. المبدأ نفسه ينطبق على توجيه النقد للإسلام والمسلمين لأن بعض المسلمين يرتكبون أعمالا إرهابية باسم الإسلام.
عندما يعاين الباحث البرنامج الإصلاحي الذي نشرته جماعة الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي في عام 2005، سيجد أن مسألة المساواة مفصلة أكثر (ص 48-52). هناك تأكيد أكبر على المساواة بين الرجال والنساء في مجالات كثيرة. وتذكر آيات قرآنية لدعم حجج المساواة. وبعد التأكيد على المساواة في الحقوق والواجبات في الإسلام، تذكر الوثيقة ستة حقوق محددة لمعاملة المرأة، أولها أن «المرأة تتمتع بشخصية كاملة، وذمة مستقلة، من حيث الاعتبار الشرعي، والمكانة الاجتماعية، والمركز القانوني، والأهلية التامة، وجوبا وأداء» (ص 51). كذلك «للمرأة حق اختيار الزوج، وتكوين أسرة، بعيدا عن كل عوامل العضل والإكراه». وتذكر الوثيقة أيضا أن لها حقوقا سياسية كاملة تشمل «الانتخاب والترشيح وتولي المناصب» (ص 51).
إن مقارنة عادلة بين الوثيقتين المذكورتين أعلاه تظهر تحسنا كبيرا في استخدام اللغة. ويلاحظ أيضا عدم استخدام كلمة «يهودي» في القسم المتعلق بالتعليم، خلافا للبرنامج الانتخابي للعام 1993 (ص 12) الذي تحدث عن «العمل على إبقاء الحاجز النفسي عند الناس تجاه اليهود أعداء الله وأعداء رسوله». لا توجد إشارة مماثله لهذا في وثيقة 2005، التي تستخدم صهيوني بدلا من يهودي في القسم المتعلق بالصراع العربي-الإسرائيلي (ص 75-77).
كغيره من الأحزاب، يقدم حزب جبهة العمل الإسلامي نفسه كحزب موحد. ولكن يمكن القول بصورة عامة إن في الجماعة والحزب جناحين، يشار إليهما في الصحافة الأردنية بالحمائم والصقور. أبو رمان (2011) يعدد أربعة تيارات. تيار الصقور الذي يسترشد بخط سيد قطب، ومن الشخصيات في هذا التيار همّام سعيد ومحمد أبو فارس. تيار الحمائم ويتبع خط راشد الغنّوشي، ومن شخصياته عبد اللطيف عربيات وإسحق الفرحان. التيار الوسطي يتكون من جيل جديد من القياديين، بينهم سالم الفلاحات ورحيّل غرايبة. التيار الرابع انفصل عن التيار الوسطي، ويعتبر قريبا من حركة حماس، ومن شخصياته زكي بني إرشيد.
إحدى القضايا التي تسبب نزاعا داخليا هي كيفية معالجة العلاقة مع الحكومة عند حصول خلاف معها. تشهد العلاقة بين الحكومة والجماعة/الجبهة توترا أحيانا، فقد يصدر بيان لا يروق الحكومة. الصيغة القديمة لحل الخلاف كانت بترك الأمر «لحكماء الحركة» [6]، الذين يلتقون الملك أو رئيس الوزراء، ويقدمون تطمينات بشأن الحرص على الأردن ومصالحه العليا. في عام 2007، دعا رئيس الوزراء معروف البخيت حكماء الجماعة إلى إنقاذ جبهة العمل الإسلامي من المتطرفين بعد قرار الجبهة الانسحاب من الانتخابات البلدية بعد ست ساعات من بدئها.
ولكن يبدو على نحو متزايد أن الحكومة تصعّد الخلافات مع الجماعة/الجبهة. ومن قضايا تصاعد التوتر مسألة «الملكية الدستورية». نائب أمين عام الجبهة، رحيّل غرايبة، حضر مؤتمرا في الولايات المتحدة في عام 2009، ودعا إلى تحويل الأردن إلى مملكة دستورية. مقالات عديدة نشرت في الأردن نددت بهذه الدعوة، وانتقد إطلاقها في الولايات المتحدة وليس في الأردن.
بعض المنددين قال إن المعارضة الأردنية تقلد المعارضة العراقية التي شجعت حكومة الولايات المتحدة على غزو العراق. ماهر أبو طير كتب في صحيفة «الدستور» (14 آذار 2009) أن فكرة الملكية الدستورية «خطيرة ومرفوضة». ولكن إذا وضع الباحث السياسة جانبا للحظة، يمكن القول إن دعوة غرايبة لملكية دستورية لا شيء ثوريا فيها. الدستور الأردني ينص في مادته الأولى أن نظام الحكم في الأردن «نيابي ملكي وراثي».
وتطفو إلى السطح مرارا مسألة العلاقة بين الجماعة/الجبهة مع حركة حماس. في مرحلة سابقة، كانت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن وفلسطين جماعة واحدة، ولكن في عام 2006، سعت الجماعة الفلسطينية (وهذا يعني حماس) إلى الاستقلال. ولكن أعضاء الجماعة الفلسطينيين والأردنيين في الخليج ظلوا تابعين لجماعة الأردن. ونتيجة تأثيرهم على نتائج الانتخابات ورسم السياسيات في الجماعة/الجبهة، تحولت المسألة إلى مصدر خلاف داخلي. وجرت في عام 2010 محاولة لحل الخلاف من خلال قرار أصدره مكتب الإرشاد للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
وتعتبر الحكومة وبعض أعضاء الجماعة/الجبهة زكي بني إرشيد، الذي انتخب أمينا عاما للجبهة، وثيق الصلة بحركة حماس. وتم تحدي قيادته داخل الحزب، وانتهت المحاولة باستقالة جميع أعضاء لمجلس التنفيذي في عام 2009 لتفادي حدوث انقسام.
بعد فوز حركة حماس بالأغلبية في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006، قال عزام الهنيدي، رئيس كتلة نواب الجبهة في مجلس النواب الأردني، إن الجماعة والجبهة جاهزتان للحكم أيضا. الكتاب الموالون للحكومة نددوا في الصحف الأردنية بهذا القول، مع أنه بصرف النظر عن فوز حماس من عدمه، من المشروع لأي حزب سياسي في أي دولة أن يأمل أن يحكم ذات يوم، وأن يسعى إلى ذلك بوسائل ديمقراطية.
وأثار أربعة من أعضاء الجماعة/الجبهة غضب الحكومة عندما قدموا العزاء لعائلة أبو مصعب الزرقاوي بعد تأكيد مقتله في العراق في حزيران 2006. كان من المحتمل أن يمر تقديم العزاء دون أن يلفت الانتباه لو اقتصرت أعمال الزرقاوي على العراق، الذي أصبح قاعدة جديدة للزرقاوي بعد الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين ونظامه في عام 2003. الزرقاوي قرر أن يجلب القتل إلى عمان، وفي التاسع من تشرين الثاني 2005، فجر انتحاريون أنفسهم في فنادق في عمان، وفجر أحدهم نفسه في حفل زفاف.
ومن بين الضحايا الكثر المخرج الأميركي-السوري، مصطفى العقاد، الذي أخرج في السبعينيات فيلم «الرسالة» المتعلق بالإسلام وفيلم عن عمر المختار، الزعيم الليبي الوطني الذي أعدمه المستعمرون الإيطاليون. عندما يقارن المرء بين نموذجين من المسلمين الذين قدموا خدمة للإسلام، يمكن الوصول إلى استنتاج سليم وهو أن العقاد قدم خدمة جليلة للإسلام وصورته، والزرقاوي أساء لهما كثيرا.
اثنان من بين أربعة أشخاص ذهبوا للتعزية بالزرقاوي ألقيا كلمتين في خيمة العزاء. تحركت الحكومة فورا وقدمت الأربعة للمحاكمة. تمت تبرئة اثنين لأنهما لم يلقيا كلمات، أما الآخران، وهما علي أبو السكر ومحمد أبو فراس، فقد حكم عليهما بالسجن، ونقلا إلى سجن الجفر الصحراوي، وهو سجن له صيت سيئ، إذا كان يحتجز فيه السجناء السياسيون في الخمسينيات والستينيات. بعد حصول تقارب بين الجماعة والحكومة، أطلق سراحهما في عام 2006.
= = =
[1] ثلاثة وقت إعداد البحث وتسليمه في عام 2012. المراقب العام وقت صدور هذا الكتاب هو عبد الحميد الذنيبات، الذي خلف همام سعيد في عام 2016.
[2] مقابلة شخصية. عمان، 9 آذار 2010.
[3] مقابلة شخصية. عمان، 25 آذار 2010.
[4] اسم القانون كاملا: «قانون الدفاع عن شرق الأردن، 1935» وهو يعطي الأمير صلاحيات واسعة في حالات الطوارئ. وكان البريطانيون في الأردن غير مشمولين في تطبيقه.
[5] كانت مصادرة جوازات السفر إجراء واسع الانتشار. وتؤدي إلى منع المواطن من السفر، وتعيق حصوله على عمل في القطاع العام تحديدا.
[6] شخصيات بارزة معتدلة من الجيل القديم في جماعة الإخوان المسلمين.
= = =
خــلافات الجماعة/الجبهة: تحديث
تفاقم الخلافات بين الجماعة/الجبهة وتيار إسلامي يعد رحيّل غرايبة أحد قادته أدى إلى صدور مبادرة من هذا التيار سميت «المبادرة الوطنية للبناء» ويشار إليها كثيرا بمبادرة زمزم، نسبة إلى فندق زمزم حيث عقد اجتماع لأعضاء المبادرة. وزمزم أيضا اسم بئر ماء في الحرم المكي يحرص زوار الحرم على الشرب من مائه، والعودة ببعضه إلى ديارهم. بعبارة أخرى، لاسم المبادرة صلة بالدين أيضا.
أشهرت المبادرة في مؤتمر عقد في المركز الثقافي الملكي في عمان في شهر تشرين الأول 2013. ولفت الأنظار وجود شخصيات رسمية سابقة على منصة المتحدثين، ومنهم رئيس الوزراء السابق، عبد الرؤوف الروابدة، الذي أرغم أربعة من قياديي حركة حماس، ممن يعدون قانونيا مواطنين أردنيين، على مغادرة الأردن ما لم يوقفوا نشاطاتهم السياسية. ولكن ما جرى كان سابقة قانونية، إذ أرغمت دولة مواطنيها على مغادرة البلاد، بدلا من التعامل مع الوضع بوسيلة قانونية مختلفة لا تشوبها شبهة وجود مخالفة دستورية. وحضر المؤتمر رئيس الوزراء السابق، معروف البخيت، الذي حدثت في عهده انتخابات نيابية عام 2010 انسحبت الجماعة/الجبهة منها.
هناك بعض الوهم في تفكير القائمين على المبادرة بشأن ممارسة العمل السياسي الحزبي في الأردن، فهو مقيد بقيود شديدة، ولا تعتمد نتائج الانتخابات على البرامج التي تطرحها الأحزاب أو على مدى اعتدال خطابها السياسي. وقد سبق بروز مبادرة زمزم تأسيس حزب الوسط الإسلامي في عام 2001 بعد خروج بعض الأعضاء من الجماعة/الجبهة. ولم يفز إلا بمقعد واحد في انتخابات عام 2010 التي انسحبت منها الجماعة/الجبهة. هذه النتيجة دفعت المسؤولين في حزب الوسط إلى التفكير في حله «لعدم جدوى الحياة السياسية في ظل السياسات الحالية للحكومة» كما صرح أمين عام الحزب، هيثم العمايرة، لموقع سرايا الإخباري بتاريخ 1 كانون الأول 2010.
تشير المعلومات المنشورة في موقع وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية الأردنية إلى تسجيل حزب باسم حزب المؤتمر الوطني «زمزم» بتاريخ 11 آب 2016، وأن أمينه العام هو رحيّل غرايبة، وأن أهداف الحزب تشمل «الالتزام بالديمقراطية القائمة على التعددية السياسية»، وأن الحزب عقد مؤتمره التأسيسي في 5 تشرين الثاني 2016.
وأدى تفاقم الخلافات داخل جماعة الإخوان المسلمين إلى خروج شخصيات، منها المراقب العام السابق، عبد المجيد الذنيبات. وتم تأسيس جماعة جديدة اعتبرت نفسها الجماعة الأصلية، وأن الأخرى غير مسجلة وفق اللوائح القانونية. وحاولت الجماعة الجديدة الحصول على أملاك الجماعة التي تأسست في الأربعينيات. وظلت مسألة الوضع القانوني للجماعة القديمة معلقة، فتزيد وتيرة الإشارة الحكومية إليها كجماعة غير مرخصة، أو يتم الصمت حسب التطورات الداخلية.
من الغريب استخدام ذريعة من هذا القبيل للضغط على جماعة الإخوان المسلمين، فهي تأسست في الأربعينيات برعاية من أمير الأردن آنذاك، عبد الله، وأصبح أحد أعضائها البارزين، عبد اللطيف عربيات، رئيسا لمجلس النواب. أما أن تتنبه السلطات بعد كل ذلك إلى أن هذه الجماعة غير مرخصة ووضعها القانوني غير سليم فأمر له انعكاس سلبي على من فكّر بهذه الوسيلة للضغط على جماعة الإخوان المسلمين في الأردن.
ورغم كل الحديث عن جماعة غير مرخصة، من الواضح أن ثمة اتفاقا ما قد حدث بين الحكومة والجماعة/الجبهة خفف من حدة الخلاف بين الجانبين. والدليل الملموس على هذا الاتفاق مشاركة الجماعة/الجبهة في انتخابات عام 2016 ضمن تيار أوسع سمي التحالف الوطني للإصلاح. وقد فاز التحالف بخمسة عشر مقعدا، أي ما يعادل %12 من مجموع مقاعد مجلس النواب البالغ 130 مقعدا من بينها خمسة عشر مقعدا مخصصا للنساء.
توثيق المقتطفات من الكتاب في الهوامش (أسلوب شيكاغو):
النسخة الورقية:
1. عدلي الهواري، الديمقراطية والإسلام في الأردن: 1990-2010 (لندن: عود الند، 2018)، ص - -.
توثيق النقل من الموقع:
يحذف من التفاصيل أعلاه رقم الصفحة، ويضاف إليها رابط الصفحة المنقول منها.
توثيق الكتاب في قائمة المراجع:الهواري، عدلي. الديمقراطية والإسلام في الأردن: 1990-2010. لندن: عود الند، 2018.
عنوان الكتاب يكتب بخط مائل أو يوضع تحته خط.
- غلاف متوسط: الديمقراطية والإسلام