مكتبة وأرشيف

د عدلي الهواري

للمساهمة في التراكم المعرفي وتعزيز التفكير النقدي

ORCID iD icon https://orcid.org/0000-0003-4420-3590
 
أنت في : الغلاف » كتب الهواري بالعربية » الديمقراطية والإسلام في الأردن » ف 7: الأردن: التاريخ والنظام السياسي

كتاب: الديمقراطية والإسلام في الأردن

ف 7: الأردن: التاريخ والنظام السياسي

د. عدلي الهواري


لا توجد رواية موثقة حول المسؤولية عن خطة الاغتيال وسببه. هناك روايات تحمّل المسؤولية لمفتي القدس، أمين الحسيني، والملك فاروق، ملك مصر. ناقدو الملك عبد الله يقولون إنه ضحى بفلسطين؛ أما المعجبون فيقولون إنه تمكن من منع إدراج شرق الأردن في الوطن الموعود لليهود في وعد بلفور.

د. عدلي الهوارييتكون هذا الفصل من خمسة أجزاء. وسيركز الأول على تاريخ الأردن الحديث بصورة موجزة. والثاني على النظام السياسي في الأردن وسلطاته الثلاث. والثالث على دور الإسلام في الدولة. والرابع على الاقتصاد. أما الجزء الخامس فهو مخصص للعلاقة بفلسطين في تاريخ الأردن الحديث وسياسته.

الجزء الأول: تاريخ الأردن

تاريخ الأردن الحديث مرتبط بسقوط الإمبراطورية العثمانية، والعصر الاستعماري الذي تلا هذا السقوط، الذي اتفقت فرنسا وبريطانيا خلاله على اقتطاع مناطق كانت تحت حكم العثمانيين. خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1919)، كانت بريطانيا وفرنسا معا في مواجهة ألمانيا والإمبراطورية العثمانية. وأثناء الحرب، أقيمت اتصالات بين بريطانيا وشريف مكة، الحسين بن علي.

وفقا لستورز (1939)، فان الأمير عبد الله، ابن الشريف حسين، «بدأ الاتصال في عام 1914 خلال زيارة إلى القاهرة بدعوة من الخديوي» (ص 129). والتقى لورد كتشنر في القاهرة. وأشار ستورز إلى أن عبد الله بدا أن لديه ما يود أن يقوله، ولكنه لم يقله (ص 129). يسرد ستورز (1939) تفاصيل لقائه مع الأمير عبد الله الذي سأل أثناء اللقاء «ما إذا كانت بريطانيا العظمى مستعدة لتقديم دزينة أو نصف دزينة من المدافع الرشاشة للشريف حسين» (ص 129-130).

المؤرخ الأردني سليمان موسى (1986) يؤكد أن الأمير عبد الله التقى اللورد كتشنر خلال الزيارة التي قام بها الأخير إلى مكتب الخديوي. ويقول موسى إن كتشنر، يرافقه رونالد ستورز، تبعا الأمير، وقالا له إن «الحكومة البريطانية راضية عن الأمن في الحجاز والتدابير المتخذة لرعاية الحجاج منذ تولى والده إمارة مكة المكرمة» (ص 66-67).

لم تكن العلاقة بين تركيا وبريطانيا وقت الاتصال علاقة خصومة. لذلك، تشير الرواية البريطانية إلى ان عبد الله لم يحصل على وعد بتقديم أي دعم. والرواية الأردنية أيضا لا تذكر أي طلب مساعدة خلال الاتصال الأولي. ولكن كان لدى الطرفين رغبة في إعادة الاتصالات وتطوير التعاون بينهما بعد انضمام تركيا إلى ألمانيا في الحرب العالمية الأولى.

دامت الإمبراطورية العثمانية ستة قرون. ومع صعود القومية في أوروبا، تأثرت شعوب الإمبراطورية العثمانية بالأفكار القومية. أما العناصر التركية فكانت تريد إعطاء الإمبراطورية شخصية تركية. في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين، شهدت الإمبراطورية المتآكلة تشكيل جمعية الاتحاد والترقي وتركيا الفتاة (1906). وبدأت الشعوب غير التركية التفكير في الاستقلال.

وكما أشار صايغ (-1966أ) نجح منتقدو السلطان عبد الحميد في 1908 بـ«تقييد سلطاته، وبتبني دستور تقدمي نسبيا» (ص 18). وبعد ذلك تمكنوا من عزله في عام 1909 (ص 18). ويذكر صايغ (1966أ) أن العرب نشأ لديهم أحساس أعلى بهوية قومية بعدما تراجع أعضاء تركيا الفتاة عن وعود بأن ينصفوا العناصر غير التركية في الإمبراطورية (ص 18-19). بدلا من ذلك، «تكثف اضطهاد العرب في الإمبراطورية» (ص 19).

إضافة إلى ذلك، تمكنت العناصر غير العربية الأخرى في الإمبراطورية من الانفصال وإقامة دول مستقلة مثل اليونان، ورومانيا، وصربيا، والجبل الأسود، وبلغاريا (ص 19). لذلك، خلال 1913-1914، كانت بوادر الحركة القومية العربية واضحة (ص 20). قمعت المشاعر القومية في الأجزاء العربية من الإمبراطورية العثمانية، وخاصة في عهد أحمد باشا الجزار، الذي شنق العديد من القوميين في سورية ولبنان في أيار 1916.

عندما دخلت الإمبراطورية العثمانية في الحرب إلى جانب ألمانيا، مُهدت الطريق لتعاون أوثق مع الشريف حسين. الضابط البريطاني، توماس لورانس، لعب دورا قياديا في تنظيم وتنفيذ ثورة ضد العثمانيين. هناك روايات مختلفة فيما يتعلق بمتى ومن بين القادة العرب بادر إلى اتصال مع الشريف حسين بن علي. إحدى الروايات يذكرها صايغ (1966أ) وتشير إلى أن الاتصال حدث في عام 1911 على شكل رسالة من خمسة وثلاثين عضوا عربيا في البرلمان العثماني (ص 22-23). ولكن صايغ يلقي ظلالا من الشك على صحة هذه الرواية.

يقول صايغ: على افتراض أن الرسالة أرسلت، إلا أنها لم تعد الشريف حسين بأنه سوف يصبح ملكا (ص 22). ويضيف صايغ: حتى لو أرسلت الرسالة بالفعل، فإن الشريف حسين لم يرد عليها. ويقول ستورز (1939، ص 160) إن الشريف حسين كان يقول للبريطانيين إن لديه «تفويضا عاما كملك للعرب في [عالم] عربي روحي». ويضيف ستورز أن الشريف حسين «كان يعرف أكثر منا أنه لا يستطيع أن يطالب حقا بذلك». وتشمل الأسباب التي حددها ستورز أن المسيحيين والشيعة والزيدية، وحتى السنة من شمال أفريقيا لن يقبلوه زعيما لهم.

يطرح صايغ سؤالا ضروريا: لماذا اختار قادة الحركة العربية الاتصال بشريف مكة لجعله زعيما للحركة؟ يؤكد الصايغ أن الحركة العربية في عام 1915 اختارت دعوة الشريف حسين أن يكون زعيمها. فقد أرسلوا له رسالة حافلة بالثناء وعرضت التعاون ضد الأتراك (ص 25-26). بعد تحليل طويل بشأن عدم وجود مؤهلات لتولي هذه القيادة، يجيب الصايغ عن السؤال بقوله: «الظروف والإنجليز» (ص 39).

الظرف الأكثر أهمية هو أن الشريف حسن أصبح أمير مكة المكرمة في وقت شهد توترا بين العرب والأتراك (ص 39). أهمية التحالف بين بريطانيا وحسين بن علي لا يمكن التقليل منها، فالحجاز هي المنطقة التي تضم المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة. والمسلمون يحجون إلى مكة سنويا، ويحرصون على زيارة المسجد النبوي في المدينة المنورة.

من وجهة نظر دينية، لهذه المنطقة أهمية قصوى للإمبراطورية العثمانية التي حكمت باسم الإسلام. كان الحسين بن علي يعرف بـ«خادم الديار المقدسة في مكة» ( ‹العاروري 1972، ص 15). وهو ينتمي إلى عائلة يقول أفرادها إنهم أحفاد النبي محمد. يطلق على من ينتمي لهذه العائلة لقب شريف أو سيد. أفراد هذه العائلة تحديدا يقولون إنهم أحفاد هاشم بن عبد مناف، جد النبي محمد من ناحية الأب. كان للشريف حسين أربعة أبناء: علي وعبد الله وفيصل وزيد. وقد لعبوا أدوارا مختلفة أثناء وبعد الثورة التي أطلقها والدهم.

تم تبادل سلسلة من المراسلات التي وضعت الأساس لتمرد العرب ضد تركيا بين الحسين بن علي والمفوض السامي البريطاني في مصر، هنري مكماهون. الحوافز على الثورة كانت على شكل وعود غير جازمة مفادها أن بريطانيا مستعدة لأن «تعترف باستقلال العرب وتدعم ذلك في جميع الأراضي الواقعة ضمن الحدود التي يطالب بها شريف مكة»؛ وأن بريطانيا سوف تقدم للعرب «النصيحة»؛ وسوف «تساعدهم على تأسيس ما قد يبدو أنها الأشكال الأفضل للحكم في هذه المناطق المختلفة»1.

في هذه الأثناء، كانت بريطانيا وفرنسا قد توصلتا إلى اتفاق سري في عام 1916 (اتفاقية سايكس-بيكو)2 التي تقاسمت الدولتان بمقتضاها الأراضي التابعة للإمبراطورية العثمانية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى. وبناء على ذلك، فإن المنطقة التي تضم في الوقت الحاضر سورية ولبنان تكون تحت سيطرة فرنسا. أما المنطقة من العراق إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط (بما في ذلك فلسطين التاريخية) فهي تحت السيطرة البريطانية.

إضافة إلى ذلك، في عام 1917 بعث وزير الخارجية البريطاني، آرثر بلفور، رسالة إلى والتر روثشايلد، أحد زعماء الجالية اليهودية في بريطانيا، ليبلغ الحركة الصهيونية أن بريطانيا تدعم فكرة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. ويعرف هذا الأمر بوعد بلفور.

أطلق الشريف الحسين بن علي الثورة ضد الإمبراطورية العثمانية في عام 1916. أدى ذلك إلى استسلام القوات العثمانية في الحجاز. وتمكنت القوات التي قادها فيصل، الذي كان يعمل مع الجنرال اللنبي والعقيد لورانس، من الاستيلاء على العقبة من العثمانيين. وفي عام 1918، دخلت هذه القوات دمشق، حيث أسس فيصل إدارة. وأعلن ممثلو العرب في سورية تعيين فيصل ملكا لسورية. وفي عام 1920، قررت فرنسا وفقا لاتفاقية سايكس-بيكو إخراج فيصل من سورية، وتمكنت من القيام بذلك بعد معركة ميسلون (تموز 1920).

قاد عبد الله، أخو فيصل، بعض القوات، وكان هدفه المعلن إعادة العرش لأخيه. كانت محطته الأولى في معان، التي كانت تابعة في ذلك الحين للحجاز، وهي مدينة تقع الآن في جنوب الأردن. لم تكن الحدود بين مناطق السيطرة الفرنسية (سورية ولبنان) والبريطانية (العراق وفلسطين) محددة بشكل واضح.

المنطقة الواقعة على الجانب الشرقي من نهر الأردن، شرق الأردن، كان فيها ثلاث مناطق إدارية منفصلة: عجلون والسلط والكرك. وكان لكل منطقة مستشار بريطاني. أصبحت هذه المناطق الثلاث أساس كيان يحكمه عبد الله. وتم اعتماد ذلك رسميا في لقاء بين عبد الله وتشرتشل عقد في القدس في شهر آذار 1921. أبلغ عبد الله أن «بوسعه الاحتفاظ بشرق الأردن على أساس مؤقت تحت «حماية» الانتداب البريطاني إلى أن يتم الاتفاق على ترتيب دائم مع الفرنسيين» (صليبي 1993، ص 87-88).

وفي 15 أيار 1923 تم الاعتراف بـ«إمارة شرق الأردن» كدولة وطنية يجري إعدادها من أجل الاستقلال تحت الإشراف العام للمفوض السامي البريطاني في القدس (صليبي 1993، ص 88). ومنذ ذلك الحين، تطورت إمارة شرق الأردن إلى دولة قومية على مراحل. لكن هذا التطور كان يلزمه «المال والمساعدة العسكرية وحسن النية» من البريطانيين، كما يوضح صليبي (1993، ص 98).

تم التفاوض على سلسلة من المعاهدات بين 1928 و1946. أعلنت إمارة شرق الأردن مملكة في 25 أيار 1946، وأصبح لقب الأمير عبد الله «ملك المملكة الأردنية الهاشمية»3. ولكن حتى بعد الإعلان عن استقلال الأردن رسميا، ظل للبريطانيين سيطرة كبيرة، وخاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والجيش الذي قاده الضابط البريطاني، جون كلوب، حتى استبعاده في عام 1954. قرار الملك حسين إزاحة كلوب كان متأثرا بضغط من القوميين في الجيش والبلاد.

الباحثون الذين درسوا الأردن لديهم ثلاثة تفسيرات عامة لسبب تأسيس دولة الأردن.

أولا، تم تشكيلها من قبل بريطانيا لوقف التوسع الفرنسي في المنطقة (ويلسون 1988، ص 44).

ثانيا، أنشئ شرق الأردن كجائزة للأمير عبد الله للخدمات التي قدمها هو وأخوته وأبوهم الحسين بن علي للمساعي البريطانية لإسقاط الإمبراطورية العثمانية (فيكتورفيتش، ص 50-51).

ثالثا، «كان البريطانيون تواقين لإقامة منطقة عازلة بين فلسطين التي يديرها البريطانيون بشكل مباشر وبين توسع سلطة ابن سعود في الجنوب والانتداب الفرنسي في سورية في الشمال. هاتان الرغبتان تحققتا في إنشاء كيان جديد في شرق الأردن» (لوكاس 2005، ص 14).

ملوك الأردن

تبدأ السلالة الحاكمة في الأردن بعبد الله، ابن الحسين بن علي. طموح الأخير أن يكون ملك دولة عربية لم يتحقق. بدلا من ذلك، تم إنشاء أكثر من دولة في المنطقة التي أمل أن يحكمها، والمستفيدون من ذلك كانوا أبناءه. ومن المفارقات أن الحسين بن علي وعائلته خسروا موقعهم في مكة، وأخفقوا في محاولات السيطرة على جميع المناطق التي تعرف الآن بالمملكة العربية السعودية.

أثناء الإقامة في مكة، خاضت العائلة وأنصارها اشتباكات مع قادة آخرين في المنطقة. كانت هناك منافسة شرسة بين القادة المحليين. خاض عبد العزيز بن سعود معارك مع منافسيه من قبائل الرشيد في حائل وشريف مكة. هزمت قوات ابن سعود الحسين بن علي في الطائف. من أجل تهدئة ابن سعود، تنازل الحسين بن علي عن منصبه لصالح ابنه الأكبر، علي، الذي حكم حتى عام 1925، عندما استسلم لابن سعود وانتقل إلى العراق.

أعلن فيصل ملكا لسورية في عام 1918، قبل أن يرغمه الفرنسيون على مغادرتها في عام 1920. مجيء عبد الله بن الحسين إلى معان كان من المفترض أنه خطوة على الطريق إلى دمشق لاستعادة العرش لأخيه فيصل. ولكنه لم يكمل الرحلة إلى دمشق. وانتهى به الأمر أميرا لشرق الأردن.

حكم الأردن حتى الآن أربعة ملوك: عبد الله الأول وطلال وحسين وعبد الله الثاني. يشار إلى عبد الله الأول في الخطاب الرسمي الأردني بصفة «الملك المؤسس». أصبح عبد الله ملكا في عام 1946، وظل يحكم حتى اغتياله في القدس عام 1951.

لا توجد رواية موثقة حول المسؤولية عن خطة الاغتيال وسببه. هناك روايات تحمّل المسؤولية لمفتي القدس، أمين الحسيني، والملك فاروق، ملك مصر. ناقدو الملك عبد الله يقولون إنه ضحى بفلسطين؛ أما المعجبون فيقولون إنه تمكن من منع إدراج شرق الأردن في الوطن الموعود لليهود في وعد بلفور. تشير ميلتون-إدواردز وهنشكليف (2001، ص 36) إلى أن «الدوافع الحقيقية للقاتل وشركائه لا تزال غير واضحة حتى يومنا هذا». ولكن ميلتون-إدواردز تضيف أن «التواطؤ مع الإسرائيليين على حساب الفلسطينيين اعتبر في ذلك الحين السبب الأرجح» للاغتيال.

يصف صايغ (1966ب، ص 227-228) مطلق الرصاص بأنه «فدائي»4، وهذا يؤكد أنه يرى أن الاغتيال ذو صلة بالقضية الفلسطينية. هاني أخو إرشيدة (2003، ص 156) يشير إلى أن الوحدة بين شرق الأردن والضفة الغربية تمت بموافقة أقلية فلسطينية، وأن «اغتيال الملك عبد الله كان احتجاجا على هذه الوحدة».

أبو نوار (1990، ص 124-137) يرفض الرأي الذي يحمّل المسؤولية لمفتي فلسطين، أمين الحسيني، وعبد الله التل، قائد القوات الأردنية في القدس أثناء حرب عام 1948 بدعم من الحكومة المصرية (ص 124). ثمة رواية مبنية على هذا الرأي يفصلها ساتلوف (1994) الذي يصف عبد الله التل بأنه «أحد قادة المؤامرة» (ص 31). ويتبنى المؤرخان الأردنيان، الماضي وموسى، الرأي الذي يعتبر عبد الله التل وآخرين مشاركين (1988، ص 550-561). المعتمد البريطاني في شرق الأردن، أليك كيركبرايد يلوم في مذكراته (1976، ص 127-139) عبد الله التل أيضا.

يقول أبو نوار (1990، ص 129) إنه في عام 1957 التقى التل في القاهرة وسأله عن دوره في عملية الاغتيال، وإن التل أقسم أنه بريء (ص 129). ويقول أبو نوار إن بريطانيا كانت مسؤولة عن عملية الاغتيال. ووفقا لأبو نوار كان لبريطانيا ثلاثة دوافع للقضاء على الملك عبد الله: (أ) لأنه كان على وشك إنهاء الوجود البريطاني في المنطقة؛ (ب) لأن بريطانيا تريد إجهاض محاولته «توحيد الأردن مع العراق»؛ (ج) لأنه أحيا فكرة «توحيد المشرق العربي لمواجهة الغزو الصهيوني» (ص 129).

وقال أبو نوار إن الرجل الذي أدين بمؤامرة لاغتيال، موسى كاظم الحسيني، كانت زوجته ألمانية، وكلاهما كان على علاقة جيدة مع الضابطين البريطانيين، كلوب وبيك (ص 124). ويضيف أبو نوار أن البريطانيين اختاروا موسى كاظم الحسيني لأنه سيكون من الممكن ملاحظة وجود صلة بين الاغتيال وأمين الحسيني وعبد الله التل (ص 131).

السبب الأكثر ترجيحا هو أن محاولة الاغتيال كانت ذات علاقة فعلا بالقضية الفلسطينية. دور الملك عبد الله لم يكن يحظى بقبول من الفلسطينيين أنفسهم أو الحكومات العربية الأخرى. ويشار إلى قبوله خطة تقسيم فلسطين في الخطاب الرسمي الأردني باعتباره قرارا بعيد النظر أدى إلى استثناء منطقة شرق الأردن من وعد بريطانيا إقامة وطن قومي لليهود، وكان يمكن أن يؤدي إلى تجنيب الفلسطينيين والعرب ضياع كل فلسطين.

بعد اغتيال الملك عبد الله تولى الحكم طلال، ابنه الأكبر. لم تكن الخلافة مسألة بسيطة فطلال في ذلك الحين كان يتلقى العلاج في جنيف، وكانت هناك شكوك حول استقراره الذهني. يفصّل أبو نوار (1990) المناقشات والمناورات التي جرت في ذلك الوقت لتقرير من يجب ان يخلف عبد الله: ولي العهد الدستوري، طلال، الذي كان مريضا ويتلقى العلاج في جنيف، أم نايف، أخو طلال.

ويسرد ساتلوف (1994) أيضا تفاصيل المناورات التي كانت تجري لاستبعاد طلال من ولاية العهد نظرا لعلاقته المضطربة مع والده. وحسب ما نقله ساتلوف عن مسؤولين بريطانيين، بما في ذلك كيركبرايد، كان طلال مزاجيا «ومعاديا جدا للبريطانيين» (ص 16). وفقا لساتلوف، وقّع الملك عبد الله سرا وثيقة عيّن فيها ابنه الأمير نايف وليا للعهد (ص 16). ولكنه عدل عن ذلك وأعاد طلال وليا للعهد في عام 1947.

وفقا لأبو نوار، فإنه والزملاء الوطنيين أرادوا أن يخلف طلال والده وفقا لما ينص عليه الدستور. وكان للضباط البريطانيين في الجيش وجهة نظر مختلفة. قرر رئيس الوزراء آنذاك، توفيق أبو الهدى، الحصول على تقارير طبية بشأن صحة طلال العقلية.

ينقل ساتلوف (1994، ص 38) عن تقرير صادر عن ثلاثة أخصائيين سويسريين عالجوا طلال أن «ولي العهد كان تحت العلاج لحالة غير عادية من الاكتئاب النفسي» (ص 38). وقد أعلن أن وضعه على ما يرام وعاد إلى الأردن ليخلف والده.

حكم الملك طلال الأردن أطول من عام بقليل (1951-1952). خلال فترة حكمه القصيرة، تم تعديل الدستور لإعطاء مزيد من القوة للسلطات الأخرى. ومن الجدير بالذكر أن كيركبرايد يروي حكايات تثير الشكوك في الاستقرار العقلي لطلال حتى قبل أن يصبح ملكا (ص 120-126). ويقول إن طلال «أدرك أن أعباء منصبه أكثر مما بوسعه أن يحتمل، وأنه تنازل عن الحكم طواعية» (ص 150). هذه الرواية غير دقيقة. كان عدم الاستقرار العقلي للملك طلال قضية قبل أن يصبح ملكا. عندما أصبح واضحا أن حالته العقلية تدهورت، بدأ أبو الهدى الإجراء الذي أدى إلى إعلان الملك طلال مريضا. ونتيجة لذلك، كان من الممكن عزله وفقا للمادة 28 من الدستور (ساتلوف 1994، ص 56). وعين البرلمان حسين، الابن الأكبر لطلال، ملكا جديدا.

عندما خلف حسين والده، طلال، كان عمره يقل عامين عن السن القانوني لممارسة الحكم. لذلك، كان هناك «مجلس وصاية» مارس الحكم حتى بلوغ حسين ثماني عشرة سنة قمرية. اعتلى حسين العرش في الثاني من أيار عام 1952، وحكم حتى وفاته في عام 1999. يشار إليه في الخطاب الرسمي الأردني بلقب «أب الأردن الحديث».

خلال عهد حسين، قمعت الحريات السياسية وحظرت الأحزاب السياسية في عام 1957. بدأت عملية الرجوع عن هذا القرار في عام 1989. هذا القسم المتعلق به مقتضب لأنه سوف يشار إليه في الكثير من الأقسام الأخرى. قبل وفاة الملك حسين بفترة وجيزة، أزاح أخاه حسن من ولاية العهد، وعين مكانه ابنه الأكبر، عبد الله، المسمى على اسم جده.

والدة عبد الله هي البريطانية انطوانيت غاردنر، زوجة حسين الثانية، وأطلق عليها لقب الأميرة منى. كان عبد الله منتميا للقوات الخاصة في الجيش الأردني. وفقا لبعض الروايات، لم يكن يتوقع تعيينه وليا للعهد عندما استدعي للاجتماع مع والده. بعد أن أصبح عبد الله الثاني ملكا، أزاح أيضا شقيقه حمزة من منصب ولي العهد. حمزة هو ابن ليزا نجيب الحلبي، وهي أميركية من أصل سوري. وكانت الزوجة الرابعة للملك حسين، وأطلق عليها لقب الملكة نور. بعد الاحتفال بالذكرى السنوية العاشرة لتولي الملك، عين عبد الله الثاني ابنه، حسين الثاني، وليا للعهد في تموز 2009، وكان عمره خمسة عشر عاما.

الجزء الثاني: النظام السياسي الأردني

الأردن نظام ملكي دستوري. ولكن الملك ليس ذا منصب رمزي، كما هي الحال في بعض الدول الأوروبية، مثل بريطانيا وهولندا والنرويج. ووفقا للمادة 28 من الدستور الدستوري الأردني فإن «عرش المملكة الأردنيـة الهاشمية وراثي في أسرة الملك عبد الله بن الحسين، وتكون وراثة العرش في الذكور من أولاد الظهور».

مواد مختلفة في الدستور تعطي الملك سلطة حل مجلس النواب ومجلس الأعيان، وتعيين رئيس الوزراء وإقالته. وهو القائد الأعلى للقوات البرية والبحرية والجوية. يعد الملك السلطة التنفيذية، ولكن وفقا للدستور، يمارس سلطته من خلال الوزراء. ولكن لديه أيضا سلطة تشريعية. فوفقا للمادة 25، فإن سلطة التشريع يتقاسمها البرلمان والملك، وتحصن المادة 30 من الدستور الملك من أي مسؤولية.

يختار الملك رئيس الوزراء في الأردن. ويوجه إليه رسالة فيها تعليمات بشأن مهمات الحكومة. مرة واحدة فقط في تاريخ الأردن كان رئيس الوزراء المختار عضوا في الحزب الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد في مجلس النواب. وكان ذلك في تشرين الأول 1956. وحصلت حكومة سليمان النابلسي على ثقة البرلمان. ولكن الحكومة لم تعمر طويلا، فقد أقال الملك النابلسي بعد أقل من ستة شهور.

وفقا للوكاس (2005، ص 23) فإن أركان النظام هي: قبائل الضفة الشرقية؛ والأقليات الدينية والعرقية (المسيحيون والشركس والشيشان)؛ وبيروقراطية الدولة؛ والجيش؛ ورجال [وسيدات] الأعمال الفلسطينيون. في رأيي أنه من غير الممكن إصدار تعميمات بناء على هذا التصنيف. اعتبار قبائل الضفة الشرقية ركنا من الأركان لا يمكن اعتباره من المسلمات. هناك انقسامات بين القبائل وداخلها، الأمر الذي يناقض هذا التعميم الذي يتكرر كثيرا حول ولاء هذه القبائل للنظام.

كذلك من غير المعقول أن يقال إن الأقليات الدينية والعرقية تفضل قمع عموم الشعب، وهو قمع يطالهم، مقابل بعض المعاملة الخاصة من النظام، وهي معاملة لا ترقى في مستواها إلى المعايير الدولية. يعتمد النظام على الجيش والشرطة وأجهزة المخابرات ونظام مكرمات ومحسوبيات. ولاء الأفراد العاملين في الجيش والأمن جزء من عملهم. ليس لديهم خيار في هذا الشأن. ولكن الولاءات يمكن أن تتغير وفق الظروف والمصالح.

ومن المشكوك فيه اعتبار رجال الأعمال الفلسطينيين ركنا من أركان النظام. من المرجح أن لوكاس يعني بعض عائلات الفلسطينيين الأثرياء، مثل عائلة شومان، مالكة البنك العربي. وبغض النظر عن العدد، فإن عبارة «الفلسطينيون في مجال الأعمال التجارية» غامضة، ولا تعبر عن الفروقات داخل هذه الفئة، ولكن مناقشة ذلك سيكون في كتاب آخر موضوعه تقييم مدى ديمقراطية الأردن أثناء 1990-2010.

قال فاينر (1970) إن الملك حسين لو أقام سلاما مع إسرائيل، فإن الجيش الأردني سيتحرك لإزاحته. هذه النبوءة ثبت خطأها، ففي عام 1994، وقع الأردن معاهدة سلام مع إسرائيل. الجيش الأردني لم يتحرك لإزاحة الملك. المعاهدة كانت ولا تزال تلقى معارضة من الأفراد، والأحزاب السياسية، بما في ذلك جبهة العمل الإسلامي. البرلمان الأردني يتألف من مجلسين. مجلس النواب ومجلس الأعيان (على غرار مجلس اللوردات البريطاني). والمجلسان معا يعرفان باسم مجلس الأمة. عدد أعضاء مجلس النواب هو ضعف عدد أعضاء مجلس الأعيان. يعين الملك أعضاء مجلس الأعيان، أما العضوية في مجلس النواب فهي عن طريق الانتخابات. ووفقا للدستور، فإن سلطة التشريع ليست محصورة بمجلس الأمة. وكما ذكر سابقا، يسند الدستور السلطة التشريعية لمجلس الأمة والملك.

بعد اندماج شرق الأردن مع الضفة الغربية5 في عام 1950، أصبح يشار إلى القسم الشرقي بالضفة الشرقية، والآخر الضفة الغربية. خصص لكل ضفة عدد متساو من الأعضاء في المجلسين. بعد استقلال الأردن في عام 1946، تألف مجلس النواب من أربعين عضوا، ومجلس الأعيان من عشرين. وزاد عدد المقاعد في عام 1960 ليصبح ستين في مجلس النواب وثلاثين في مجلس الأعيان، وخصص النصف لكل جزء من جزئي المملكة.

ويظهر التاريخ الرسمي للبرلمان الأردني أن مجلس النواب قد حل مرات عدة، لأنه لم يعمل بشكل جيد مع الحكومة. وعلى النقيض من الممارسة المعتادة في الدول الديمقراطية، يتم حل البرلمان بدلا من إقالة الحكومة. بعبارة أخرى، فإن السلطة التشريعية هي الأضعف.

كانت هناك أحزاب سياسية منذ تأسيس شرق الأردن. وكان في انتخابات عام 1956 تنافس بين الأحزاب، ومن بينها الحزب الوطني الاشتراكي بقيادة سليمان النابلسي، وحزب البعث الذي عين أحد قادته، عبد الله الريماوي، وزيرا للخارجية في حكومة النابلسي. ولكن بعد الخلاف بين القصر والحكومة، أقال الملك حسين الحكومة، وحل البرلمان وحظر الأحزاب. انحازت جماعة الإخوان المسلمين للقصر في هذا الخلاف.

رغم أن حظر الأحزاب استمر منذ عام 1956 وحتى 1992 كان هناك وجود للأحزاب بحكم الواقع بعد حرب حزيران 1967 بين الدول العربية وإسرائيل. أقامت جماعات فلسطينية مسلحة قواعد في الأردن بعد الحرب، وتمكنت المنظمات السياسية من العمل دون الحصول على ترخيص من الحكومة. واستمر الحضور بحكم الأمر الواقع إلى أن تم القضاء على وجود الفصائل الفلسطينية في الأردن في فترة 1970-1971. بعد ذلك، الأحزاب التي واصلت العمل كانت تفعل ذلك سرا.

بعد السماح بتأسيس أحزاب وفق قانون صدر في عام 1992، قدم عشرون حزبا طلبا للحصول على ترخيص. وبنهاية عام 1996، كان هناك ثلاثة وعشرون حزبا في الأردن (حوراني 1997، ص 19). ولكن لم تتمكن جميعها من الفوز بمقاعد في مجلس النواب. وبسبب العدد الكبير من الأحزاب، وضعف العضوية، اقترح الملك عبد الله الثاني فكرة وجود ثلاثة إلى أربعة أحزاب كبيرة كوسيلة لتنشيط المشهد السياسي. وفي عام 2007، اشترط قانون جديد على الأحزاب إعادة تسجيل نفسها وفق متطلبات جديدة بشأن الحد الأدنى من الأعضاء، ووجود فروع للحزب في مختلف أنحاء الأردن. جبهة العمل الإسلامي تمكنت من تسجيل نفسها من جديد.

الانتخابات متعددة الأحزاب أسفرت عن وجود معارضة مهمة مرتين، الأولى في عام 1956، والثانية عام 1989. في المرة الأولى، كان للإخوان المسلمين نائبان فقط؛ وتسعة عشر نائبا في عام 1989. تغير الأحوال يرجع إلى أن الأحزاب العلمانية (القومية والاشتراكية) كانت تتمتع بشعبية أكبر في الخمسينيات. في عام 1956، اختار الملك حسين على مضض سليمان النابلسي، زعيم أكبر حزب في مجلس النواب، لتشكيل الحكومة. في عام 1989، مع أن جماعة الإخوان المسلمين كان لها العدد الأكبر من النواب، مقارنة بالأحزاب الأخرى (لم تفز بأغلبية مطلقة)، لم يطلب من أحد نوابها أو مسؤوليها تشكيل الحكومة6.

وفقا للدستور، هناك ثلاثة أنواع من المحاكم في الأردن: المحاكم المدنية، المحاكم الدينية، والمحاكم الخاصة. ويشير الدستور إلى استقلال القضاء، وتنص المادة 97: «القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون». في الواقع، هناك حالات تقوّض استقلال النظام القضائي في الأردن، كما هو موضح في المراجعة الديمقراطية (كتاب آخر).

وكما يلاحظ لوكاس (2005، ص 23)، فإن «مؤيدين مخلصين للنظام» يعملون في المحاكم، ولكنهم في العادة ينتمون إلى «الجناح الليبرالي» لما يسميه لوكاس «الائتلاف» الذي يعتمد عليه النظام. ويقول إن «القضاة يمارسون أدوارهم بجدية، وفي بعض الأحيان يرفضون إملاءات الحكومة. ولكن إذا كانت رغبة الملك واضحة، لا تحاول المحاكم تحديها» (ص 23).

الجزء الثالث: دور الإسلام

الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، والمحاكم تتبع المذهب الحنفي في الفصل في مسائل مثل الطلاق والميراث، وغيرها من المسائل الشخصية. أكثر من 90٪ من السكان هم من المسلمين. وتشمل هذه النسبة الفلسطينيين والأقلية الشركسية. تقدم وكالة المخابرات المركزية الأميركية (2010) المعلومات التالية عن سكان الأردن:

المسلمون ٪92. المسيحيون ٪6 (غالبية أرثوذكسية يونانية، ولكن يوجد بعض الروم الكاثوليك، والروم الأرثوذكس، والأقباط الأرثوذكس، والأرمن الأرثوذكس، وطوائف بروتستانتية. البقية ٪2 (مسلمون شيعة ودروز) (تقدير 2011).

من المعتاد أن تبث على الهواء مباشرة صلاة يوم الجمعة من أحد المساجد الكبرى. قبل حرب عام 1967، كان البث يتم من المسجد الأقصى في القدس. أيضا، يتم وقف بث البرامج لإذاعة الأذان. وتشير هيئة الإعلام المرئي والمسموع إلى تأسيس إذاعة متخصصة ببث القرآن الكريم والبرامج الدينية في عام 2006.

ومع أن الإسلام الدين الرسمي للدولة، فهذا لا يعني تطبيق الشريعة. على سبيل المثال، البنوك غير الإسلامية التي تتعامل بالفائدة تعمل بحرية. ويمكن شراء المشروبات الكحولية واستهلاكها في الأردن. ميلتون-إدواردز وهنشكليف (2001) يشيران إلى أن: «حكام الأردن يعززون شرعيتهم من خلال الإشارة إلى نسبهم إلى النبي محمد، ولكن الفلسفة السياسية للدولة هي دستورية غربية في الأصل» (ص 102).

صحيح أن حكام الأردن يشيرون إلى نسبهم إلى النبي. ولكن هل يعزز هذا النسب شرعية حكمهم أو حكم أي حاكم إسلامي آخر في العالم الإسلامي؟ هناك نقطتان تستحقان المناقشة: شرعية حكم الأردن من قبل الهاشميين وشعبية ملوك الأردن. ميلتون-إدواردز وهنشكليف (2001) ليسا وحدهما في الإشارة إلى هذا النسب كمؤهل.

يذكر العكور (2003، ص 88)، وهو عضو في مجلس الأعيان وإسلامي الاتجاه، نقطة يناقشها الإسلاميون في الأردن وخارجه: مسألة المشاركة في المجالس التشريعية وتولي أدوار قيادية في الدول التي لا يعتبر الإسلاميون أنها تتبع أحكام الإسلام. يدعو العكور لفعل ذلك، فالمشاركة «من باب أولى في ظل أنظمة تقول في دستورها إن دين الدولة الإسلام وتمتد أصول حاكمها إلى بيت النبوة الشريف» (ص 88).

ويقول الكاتب اليساري عريب الرنتاوي (2003) إن لهذا النسب دورا في تعزيز العلاقة بين الحركة الإسلامية والدولة: «عززت العلاقة واحدة من أهم شرعيات نظام الحكم في الأردن: الانتساب للدوحة النبوية» (ص 92).

كل من المسلمين السنة والشيعة يوقرون النبي محمد وعائلته، التي يشار إليها بآل البيت. ومن القصص المعروفة للمسلمين أن النبي محمد كان مولعا بحفيديه الحسن والحسين، ابني ابنته فاطمة وابن عمه علي. بعد الخلاف حول من يجب أن يخلف النبي محمد، الذين رأوا أن عليا كان الأولى بذلك أصبحوا طائفة تسمى الشيعة. لعلي وعائلته وأحفاده مكانة خاصة لدى المسلمين الشيعية. وهناك اعتقاد بأن أحد الأحفاد سوف يحضر ذات يوم وينقذ العالم (الإمام الغائب).

يوقر المسلمون السنة آل البيت، ولكن ليس لهم ذات المكانة الخاصة التي لهم لدى المسلمين الشيعة. ثلاثة من خلفاء النبي محمد، وهم أبو بكر وعمر وعثمان، لم يكونوا من آل البيت. والخلفاء الذين حكموا المسلمين السنة لم يكن لهم بالضرورة صلة بآل البيت. أناس عديدون في العالم الإسلامي يشيرون بفخر إلى انتسابهم إلى النبي وعائلته. على سبيل المثال، عائلة الشريف السعودية تشير إلى هذا الانتساب. والباحث السوري الألماني، بسام الطيبي، أشار إلى هذا النسب في كلمة ألقاها في مركز موشيه دايان7 في إسرائيل في كانون الثاني 2000.

إذا كان المسلم يتبع ما يذكر في القرآن، ليس في الإسلام مكانة خاصة لأحد. يكافئ الله الناس على تقواهم وليس على أساس نسبهم: «يا أيّها النّاس إنّا خلقْناكم مّن ذكر وأنثى وجعلْناكمْ شعوبا وقبائل لتعارفوا إنّ أكْرمكمْ عند اللّه أتْقاكمْ إنّ اللّه عليم خبير» (الآية 13 من سورة الحجرات).

يدحض عثمان (2002) بشكل لا لبس فيه الادعاء بأن النسب هو أساس للشرعية. ويرد على ما قاله العكور (وبالتالي الرنتاوي) أعلاه:

الناحية المقلقة هو ما تحدث به الدكتور العكور، هو مبدأ الشرعية، شرعية الحكم والحاكم، فقد جاء في حديثه أن النسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ممكن أن يكون شرعية للحاكم أو للحكم، وهذا يخالف روح الإسلام بالمطلق، فالإسلام لا يقوم على النسب وإنما يقوم على الانتساب إلى العقيدة فكرا وفعلا، وبالتالي الشرعية تأخذ من الانتساب إلى الإسلام وروح الإسلام، وشرعية الحاكم في الأردن هي شرعية دستورية أساسا. وبالتالي لا يمكن أن نفسر الإسلام إلا بما هو عليه (ص 113).

ولو كان النسب مصدرا للشرعية، فهو لم يؤخذ به في النزاع بين شريف مكة، الحسين بن علي، ومنافسه ابن سعود. فالثاني أزال الأول، وأنشأ مملكة تطبق الشريعة الإسلامية تطبيقا أشد من الأردن. كذلك، لم يُقبل الحكم الهاشمي في الأردن بسهولة. وأشار الماضي وموسى ([1959] 1988) إلى حدوث تمردين كبيرين: الأول في الكورة في شمال الأردن عام 1921 بعد تشكيل الأمير عبد الله أول حكومة له في شرق الأردن (ص 156-164).

وتم سحق التمرد في عام 1922 بعد إرسال قوة كبيرة تمكنت من إخضاع المنطقة (ص 164). ووقع التمرد الثاني في عام 1923 وهو تمرد قبيلة العدوان في منطقة السلط (ص 201-220). تم اعتراض طريق المتمردين المتجهين إلى عمان وقتل بعضهم. لجأ الحاكم الجديد، الأمير عبد الله، إلى تأليب قبيلة ضد أخرى بتفضيل واحدة على الأخرى. وفي النهاية تم إحكام السيطرة بمزيج من الإكراه والمال والأرض.

حقيقة أن قبائل شرق الأردن تمردت تقوض القول المتكرر في كثير من الأحيان إن شعبية الهاشميين بين القبائل الأردنية أكبر منها بين الفلسطينيين. ويسجل الجنرال كلوب (1948) في مذكراته جهوده لفرض النظام في الصحراء. على سبيل المثال، كانت لديه مشاكل مع قبيلة الحويطات في الثلاثينيات (ص 91): «توصلت إلى استنتاج مفاده أن السبيل الوحيد للتعامل مع الحويطات هو سحب جميع القوات من الصحراء. كان الاستياء بين القوات والقبائل بلغ حدا جعل القبائل تشعر بالمرارة تجاه بريطانيا العظمى وحكومة شرق الأردن ككل».

وبعد بعض النجاح في الحصول على تعاون من الحويطات للدفاع عن المنطقة من غارات الإخوان التي تشن من السعودية، لم يستطع كلوب أن يقنعهم بالالتحاق بالجيش الأردني: «أما أن يصبحوا جنودا، فكانوا يرفضون. فكرة أن الحكومة هي عدوهم الألد كانت مترسخة بعمق في عقولهم وتمنعهم من قبول هذه الفكرة غير المألوفة» [أي الانضمام إلى الجيش] (ص 92-93).

ويشير البديري (1996) إلى أن «السجل التاريخي يظهر أن المعارضة الأكثر صخبا وفعالية لعبد الله [...] جاءت من القبائل». ويلاحظ البديري كذلك أن الحصول على تأييد القبائل تم «في نهاية المطاف بسياسة مزدوجة من الإكراه والإغراء» (ص 243).

في الآونة الأخيرة، أعرب أبناء قبائل شرق الأردن عن معارضتهم بدرجات متفاوتة من الشدة. أبو مصعب الزرقاوي لجأ إلى العنف وقتل الأبرياء في تفجير فنادق في عمّان. وسجن نائب سابق وضابط رفيع المستوى في الشرطة الأردنية، أحمد عويدي العبادي، بعد انتقاده الفساد في الأردن. وفي شهر شباط 2010، سجن الناشطان سفيان التل وموفق محادين بسبب مشاركتهما في برنامج حواري تلفزيوني ناقشا فيه إرسال قوات أردنية إلى أفغانستان، وانتقدا تعاون الأردن مع المخابرات المركزية الأميركية.

جزء آخر من الخطاب الأردني الرسمي، الذي يكرره أحيانا الباحثون والصحفيون، هو أن ملوك الأردن، وخاصة الملك حسين، يتمتعون بحب الناس. الشخصيات العامة التي يتم الحديث عنها كثيرا في الأخبار ستجذب معجبين ومحبين. عندما تكون الشخصية ملكا، فمن المرجح أن يزيد المعجبون أضعافا، خاصة في ظل وجود ما يسمى في الأردن المكرمة الملكية.

قد يستفيد من المكرمة فرد أو فئة من الشعب، كالبدو مثلا. من المحتمل جدا أن يقال أيضا إنه عندما يزور الملك، حسين أو غيره، الجامعات والقرى، أو يفتتح مشروعا أو احتفالا، هناك دائما دليل على شعبية الملك، فثمة أناس تهرع للسلام عليه أو حتى ضمه. هذه الصور تعرض بشكل متكرر في وسائل الإعلام الأردنية. ولكن من المعروف في الحياة السياسية أن هناك قدرا كبيرا من التخطيط المسبق عندما يقوم السياسيون، في الغرب والشرق أيضا، بزيارة أماكن أو حضور احتفالات أو نشاطات.

طاقم الموظفين الذين يعملون لدى السياسي سيحرصون دائما على أن يقابل جمهورا ودودا، وأن تسير الأمور وفق ما هو مخطط لها. وهذا ينطبق على ملك الأردن كما ينطبق على رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. إضافة إلى ما سبق، يعرف تلاميذ المدارس في الأردن أنهم سيعفون من الدراسة في أحد الأيام كي يذهبوا لاستقبال الملك وهو في طريقه إلى القصر.

عندما احتفل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بالذكرى السنوية العاشرة للجلوس على العرش، طلبت وزارة التربية والتعليم من المعلمين والطلاب المشاركة في الاحتفالات العامة. وتم تزويد شوارع عمان بالخيام والكراسي والمياه والمشروبات الغازية والحلويات كمكافأة على المشاركة وجذب المزيد من المشاركين. بعبارة أخرى، صور الحشود الودودة لا تدل على مدى شعبية الشخص في جميع أنحاء البلاد. في دولة تعتبر انتقاد الملك جريمة، من غير الممكن عمل استطلاعات رأي لسؤال الناس إن كانوا يحبونه أم لا.

الجزء الرابع: الاقتصاد

حسب الإحصاءات الرسمية (2007)، تبلغ مساحة الأردن حوالي 90.000 كيلومتر مربع، منها 70.000 (78٪) مصنفة على أنها شبه صحراوية. لا توجد في الأردن موارد طبيعية يمكن أن توازن هذا الوضع، كما هي الحال في المملكة العربية السعودية ودول أخرى في الخليج.

وفقا للإحصاءات الرسمية لعام 2006، بلغ عدد سكان الأردن 5.6 مليون نسمة، بمتوسط نمو 2.3 في المئة. وفق هذا المعدل، يستغرق مضاعفة عدد السكان ثلاثين عاما. ويعيش أكثر من 80 في المئة من السكان في المناطق الحضرية. أكثر من ثلث السكان (37.3٪) دون سن خمسة عشر عاما. العمر الوسيط لجميع السكان هو 20.3 سنة.

ويبلغ معدل نسب الأمية 9.3 في المئة، ولكنه أعلى بكثير بين النساء (13.7 في المئة). نسبة السكان الحاصلين على درجة البكالوريوس أو أعلى تبلغ 10.7 في المئة. أما مستوى تعليم الأغلبية (53.7 في المئة) فهو أقل من التعليم الثانوي. بلغ الناتج المحلي الإجمالي 10.108 مليون دينار، في حين بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 1805 دينارا (ما يعادل 2500 دولار). وبلغ معدل التضخم خلال عام 2006 نسبة 6.3 في المئة.

الموارد المائية شحيحة في الأردن. ونتيجة لذلك، يتم توزيع المياه على المنازل في بعض أيام الأسبوع. ووفقا لرداد (2005، ص 1)، يعتبر نصيب الفرد من إمدادات المياه "من بين أدنى المعدلات في العالم"، وهو يقرب من 135 مترا مكعبا "لجميع الاستخدامات" سنويا. ويعمل 3.1 في المئة فقط من السكان في الزراعة. في المقابل، كان أكثر من ثلث القوى العاملة (35٪) يعملون كمزارعين في عام 1964، ثم شكلت الزراعة 20٪ من إجمالي إنتاج الاقتصاد الأردني (عاروري 1972، ص 50).

وكما أشار عاروري (1972، ص 60)، كان اقتصاد الأردن ضعيفا منذ إنشائه، وعانى من "عجز مزمن في الموازنة وميزان التجارة". وأشار أيضا إلى أن "الإيرادات المحلية كانت باستمرار أقل من النفقات. وكانت هناك حاجة دائما إلى منح من الخارج لتغطية النفقات التي لم تتمكن الدولة من تغطيتها من مواردها".

أدى هذا الوضع إلى تصنيف اقتصاد الأردن ضمن الاقتصاد الريعي. حدد الببلاوي ولوتشياني (1987) السمة المميزة لاقتصاد من هذا النوع بقولهما إنه الاقتصاد الذي "تهيمن عليه الريوع"، والذي "يعتمد كثيرا على ريوع خارجية" (ص 51). من السمات الأخرى أن الحكومة هي "المستفيد الرئيسي من الريع الخارجي" (ص 52).

ويوضح برينن (1992) أن الاقتصاد والسياسة في الأردن لهما خصائص الريعية منذ بداية الدولة، بسبب الاعتماد في البداية على إعانة شهرية بريطانية قدرها 5000 جنيه إسترليني في عام 1921، ثم ارتفعت إلى حوالي 100.000 جنيه إسترليني في السنة بحلول منتصف عشرينيات القرن العشرين، ثم بلغت مليوني جنيه إسترليني بحلول منتصف الأربعينيات" (ص 78).
بعد الاستقلال في عام 1946 والاندماج مع الضفة الغربية في عام 1950، انخفضت المعونة الخارجية للأردن، ولكن استمر الدعم البريطاني (وبعده الأميركي) للموازنة، وبلغت نسبة المنح الأجنبية ثلاثين في المئة من مجمل الإيرادات الحكومية، وتراوحت بين خمس وثلث الناتج المحلي الإجمالي في فترة 1952-1966" (ص 78).

خسر الأردن الضفة الغربية في حرب عام 1967، وأصبح بعدها أحد متلقي المعونة العربية. ووفقا لبرينن، بلغت نسبة المنح في فترة 1967-1972 ثمانية وخمسين في المئة من مجمل الواردات الحكومية" (ص 78).

ويشير روبنسون (1998، ص 390) إلى أن "ثروات الأردن الاقتصادية كانت في حالة انخفاض قبل بدء حرب الخليج عام 1990، فحصة الفرد من الناتج القومي الإجمالي كانت حوالي 2000 دولار منذ عام 1985، وانخفضت إلى أقل من 1500 دولار في عام 1989". وعندما غزا العراق الكويت في آب 1990، استقبل الأردن مئات الآلاف من اللاجئين. وانخفضت التحويلات الحكومية، من دول الخليج في المقام الأول، انخفاضا شديد [...[ وبلغت 174 مليون دولار" في عام 1991.

تنبغي الإشارة هنا إلى أن لهذا الانخفاض علاقة بالغزو العراقي للكويت، ومحاولة الملك حسين إيجاد حل دبلوماسي عربي للأزمة. لم ترق هذه المحاولة الكويت ودول الخليج والولايات المتحدة.

ومثلما حدث في الدول النامية الأخرى، لجأ الأردن إلى الحصول على قروض أجنبية وتعثر في السداد. تباطؤ الاقتصاد في الثمانينيات كان شديدا بسبب انهيار أسعار النفط، مما أثر على البلدان المنتجة له، وبالتالي على تقديم المعونة التي كان الأردن يتلقاها من هذه الدول، وتحويلات المغتربين الأردنيين في دول الخليج.

ويشرح هاريغان والسعيد ووانغ (2006)، أن الحكومة الأردنية كانت "اتبعت في فترة 1983-1988، سياسات توسعية تقوم على الاقتراض الخارجي واستهلاك الاحتياطيات". أيضا، "زاد العجز في الموازنة زيادة كبيرة". وبلغت الديون الخارجية للأردن 9.5 مليار دولار. وفقدت الحكومة المقدرة على الوفاء بالالتزامات الناتجة عن الديون الخارجية" (ص 267).

ومثلما حدث في دول نامية أخرى، شارك صندوق النقد الدولي والبنك العالمي في محاولات حل مشكلات الأردن من خلال برامج اتفق الأردن عليها مع هاتين المؤسستين. من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة تجميد "الأجور والرواتب والعمالة في القطاع العام، وزيادة فورية في أسعار المنتجات النفطية. كل هذه الإجراءات كانت مطلوبة لتلبية شرط صندوق النقد الدولي لحصول الأردن على قرض للحد من العجز المالي" (هاريغان، السعيد، وانغ 2006، ص 269).

أثارت الإجراءات سخطا عاما أسفر عن وقوع اضطرابات في ثلاث مدن: معان والكرك والطفيلة في جنوب الأردن. لحدوث الاضطرابات في هذه المدن دلالة، فقد قام بها الشرق أردنيون، الذين يشار مرارا إلى أن ولاءهم للنظام لا شك فيه.

ناقش الملك حسين مع مستشاريه أفضل الطرق للتعامل مع الوضع. وفقا لوكاس (2005، ص 27) "اختلفت آراء المستشارين بشأن التوصية برد على الاضطرابات".

يشار إلى الاحتجاجات في المدن الجنوبية كسبب لقرار الملك تحرير الوضع السياسي في البلاد. لكنى أرى أنها كانت واحدا من مجموعة أسباب، فقد كانت هناك عوامل تأثير أخرى في ذلك الحين، من بينها فك دول أوروبا الشرقية تبعيتها للاتحاد السوفييتي.

أما على الصعيد الداخلي، فقد كانت هناك دائما مطالبات بالإصلاح السياسي في الأردن، وشارك الملك حسين في حوار غير رسمي مع بعض الشخصيات مثل جمال الشاعر. بعد وقوع الاضطرابات في ذلك الحين، استخدام إجراءات قمعية في وقت شهد هبوب رياح الحرية على أوروبا الشرقية كان سيقابل بامتعاض دولي.

الجزء الخامس: البعد الفلسطيني

تاريخ الأردن الحديث متشابك مع تاريخ فلسطين. الثورة العربية التي شجعتها بريطانيا وقعت في عام 1916. وعد بريطانيا إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين صدر في عام 1917. استخدمت بريطانيا صلاتها مع عائلة الحسين بن علي (وابن سعود أيضا) لتحقيق هذا الهدف. على سبيل المثال، في عام 1919، توصل فيصل إلى اتفاق مع حاييم وايزمان في هذا الشأن. والمادة الثالثة ذات أهمية خاصة:

في تأسيس الدستور والإدارة في فلسطين، سوف يتم تبني كل الإجراءات التي تقدم أكمل ضمانة لتنفيذ وعد الحكومة البريطانية المؤرخ في 2 تشرين الثاني 1917 [أي وعد بلفور]8.

عندما اقترحت خطة الأمم المتحدة في عام 1947 لتقسيم فلسطين، رفض الفلسطينيون والعرب هذا المقترح. ملك الأردن في ذلك الحين، عبد الله، كان يحبذ القبول. أرغمت الحرب العربية-الإسرائيلية في عام 1948 مئات الألوف من الفلسطينيين على اللجوء إلى الدول العربية المجاورة. ظلت في الأيدي العربية منطقتان من مناطق فلسطين: قطاع غزة، وما صار يعرف بالضفة الغربية.

كانت هناك محاولات لتأسيس كيان فلسطيني ليواصل الكفاح من أجل فلسطين. وتمثلت هذه المحاولات في حكومة عموم فلسطين التي تأسست في أيلول 1948. وكما يشرح الأزعر (1998)، جوبهت هذه الحكومة بعداء من الملك عبد الله، وتحولت إلى كيان ضعيف مقره في القاهرة إلى أن اختفى وجودها في عام1963. وفي عام 1964، تأسست منظمة التحرير الفلسطينية

يوثق الأزعر (1998) معارضة الملك عبد الله لهذه الحكومة الفلسطينية، وتدابيره المضادة لدمج الضفة الغربية مع شرق الأردن. وقد نجحت جهوده، وتم الاتفاق على الدمج في مؤتمر عقد في أريحا في كانون الأول 1948(ص 66-98). وأدى دمج الضفة الغربية والضفة الشرقية إلى تغييرات في قوانين مختلفة لاستيعاب تمثيل الجزء الجديد من المملكة في الحكومة والبرلمان.

وفي عام 1954، تم في الأردن سن قانون يمنح الفلسطينيين، بمن فيهم اللاجئون، الحق في اكتساب الجنسية الأردنية. وكان الأمران (الدمج والمواطنة) مثيرين للجدل، وأوجدا أزمات هوية لدولة الأردن، وشعب شرق الأردن، والفلسطينيين (أناقش هذه النقطة في كتابي القادم).

عندما اندلعت الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967، احتلت إسرائيل مناطق كبيرة تابعة لثلاث دول عربية: مصر خسرت سيناء وقطاع غزة. سورية خسرت مرتفعات الجولان. والأردن خسر الضفة الغربية. وبعد الحرب، برزت حركة المقاومة الفلسطينية، وتمكنت من تأسيس وجود لها في الأردن.

أدى الاحتكاك بين مختلف فصائل الحركة الفلسطينية والحكومة في نهاية المطاف إلى القضاء على وجود الفصائل. كانت المحاولة الأولى في أيلول 1970، وبعد أحداثه أجبر المقاتلون الفلسطينيون على الانتقال إلى قواعد في الجزء الشمالي من البلاد. وفي عام 1971، تم القضاء على هذا الوجود أيضا وانتقل المقاتلون وقادتهم إلى سورية ولبنان. وفي أعقاب الاشتباكات التي وقعت في فترة 1970-1971، شرع الأردن في عملية «أردنة» الجيش والمؤسسات الحكومية الأخرى. وفي عام 1972 اغتال مسلحون فلسطينيون رئيس وزراء الأردن آنذاك وصفي التل في القاهرة.

سعت الحركة الوطنية الفلسطينية، التي تجسدها منظمة التحرير الفلسطينية، إلى تمثيل جميع الفلسطينيين. وفي عام 1974، حصلت المنظمة على قرار من القمة العربية في الرباط يعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني. ولكن تمثيل المنظمة للفلسطينيين ظل قضية مشوبة بالتوتر بين الأردن والمنظمة. ولم يكن الأردن على استعداد لأن يعتبر المنظمة ممثل الفلسطينيين الذين حصلوا على الجنسية الأردنية.

مرت العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية والأردن بمراحل توتر وتعاون، وتأثرت في الحالتين باحتمالات تسوية الصراع العربي الإسرائيلي. كان في بعض خطط السلام ما سمى الخيار الأردني، الذي شملت تنوعاته إقامة كونفدرالية بين الأردن ودولة فلسطينية9.

وفي شباط 1985 تم التوقيع على اتفاق بين الأردن ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات في عمان يدعو إلى تسوية سلمية للنزاع العربي الإسرائيلي. ولكن الاتفاق لم ينل تأييد فصائل المنظمة. وفي شباط 1986، ألغى الملك حسين الاتفاقية، وتصاعد التوتر في العلاقة بين الجانبين.

وشهدت نهاية عام 1987 اندلاع الانتفاضة الفلسطينية التي كانت تغطيتها في وسائل الإعلام الرسمية الأردنية محدودة. نتيجة الغضب النابع من الإحباط الناتج عن تعثر العمل مع المنظمة، والانتقادات التي توجه إلى دور الأردن في عملية السلام، أعلن الملك حسين في تموز 1988 خطة فك ارتباط، تقرر بمقتضاها أن الأردن لم يعد مسؤولا قانونيا أو إداريا عن الضفة الغربية. دستورية هذا القرار لا تزال محل نقاش بين فئتين. فئة تريد جعل فك الارتباط مادة دستورية ليكون أثره دائما، وفئة أخرى تعتبر القرار غير دستوري.

في شهر تشرين الأول 1991، عقد في مدريد مؤتمر للسلام. في البداية كان الفلسطينيون جزءا من الوفد الأردني. ولكن تم بعد ذلك تأسيس مسار فلسطيني-إسرائيلي منفصل، وانتقلت المفاوضات إلى واشنطن. أثناء هذه المفاوضات، توصلت منظمة التحرير الفلسطينية إلى اتفاق سري مع الإسرائيليين في أوسلو في عام 1993، وبمقتضى هذا الاتفاق اعترفت المنظمة وإسرائيل بأحدهما الآخر، وتم الاتفاق على منح الفلسطينيين حكما ذاتيا لفترة خمس سنوات، يتقرر بعدها الوضع النهائي للأراضي التي احتلتها إسرائيل في عام 1967. بعد اتفاق أوسلو، لم يُضع الأردن وقتا وتوصل بدوره إلى معاهدة سلام مع إسرائيل في عام 1994.

الفلسطينيون في الأردن

الفلسطينيون في الأردن مسألة يلاحظ أن الحديث عنها لا يتم دون حساسيات. على سبيل المثال، عدد الفلسطينيين في الأردن لا يكشف عنه، رغم إجراء تعداد سكاني كل عشر سنوات. بعض الفلسطينيين الذين خدموا النظام بإخلاص كتبوا عن ممارسة الإقصاء والتمييز ضد الفلسطينيين في الأردن. من هؤلاء كل من عدنان أبو عودة وجواد العناني.

كان أبو عودة ضابطا سابقا في المخابرات الأردنية وتولى منصب وزير الإعلام في مجلس الوزراء العسكري الذي شكل في مرحلة أحداث أيلول عام 1970. في عام 1999، نشر كتابا أشار فيه إلى الإقصاء. وبعد مقابلة على قناة الجزيرة التلفزيونية في عام 2006، عبر فيها عن الرأي نفسه، حركت السلطات ضده إجراءات قانونية كانت في الظاهر نتيجة شكوى ضد أبو عودة. ولكن التهم التي وجهت إليه أسقطت لاحقا دون تفسير لذلك.

أيضا، جواد العناني، الذي كان وزيرا للاقتصاد وشغل منصب رئيس الديوان الملكي، عبر عن رأي مماثل في مقال نشر في صحيفة «البيان» الإماراتية في عام 2001. فقد كل من أبو عودة والعناني منصبه في مجلس الأعيان بعد تعبيرهما عن الإقصاء.

وتجدر الإشارة إلى أن الترابط بين الأردن وفلسطين ليس ذا صبغة سياسية وحسب. المسلمون لا يمكن أن يفكروا بأن قضية فلسطين لا تعنيهم، سواء أكانوا في الأردن أو العراق أو مصر أو أي بلد مسلم آخر، لأن القدس تعتبر ثالث أقدس مكان عند المسلمين، بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة، فالنبي محمد أسرى إلى المجسد الأقصى في القدس، وعرج من هناك إلى السماء. والإسراء والمعراج جزء من معتقدات المسلمين، ويتم الاحتفال بالمناسبة كل عام.

عند النظر إلى المسألة من وجهة نظر شرق الأردنيين، يتم التعبير عن الاستياء من اعتبار الفلسطينيين في الأردن أنفسهم فلسطينيين رغم أنهم حصلوا على الجنسية الأردنية ابتداء من عام 1954. والمستاؤون من ذلك يعتبرون هذا تعبيرا عن عدم الولاء للأردن. ولكن النظر للمسألة بهذه الطريقة ضيق الأفق، فمسألة الهوية أعقد من أن تحسم بالحصول على الجنسية الأردنية أو جنسية أخرى. وهذا لا ينطبق على الفلسطينيين فحسب، بل على كل من يحصل على جنسية دولة أخرى يعمل فيها أو يهاجر إليها.

كذلك، افتراض أن الأردنيين لا يتضامنون مع الفلسطينيين ومقاومتهم وخاصة حركة المقاومة التي ظهرت بعد حرب 1967 افتراض خاطئ. قبل أن تتدهور العلاقة بين الفصائل الفلسطينية والحكومة الأردنية وتتحول إلى علاقة عدائية، رحب الأردنيون بالمقاومة الفلسطينية ودعموها. ويعترف بذلك عبد الله عزام، الذي كان وآخرون قد شاركوا في المقاومة ضمن حركة فتح، دون أن يكونوا أعضاء فيها، بل كمجموعات عرفت بمجموعات الشيوخ: (1990، ص 69-72):

وبقيت مجموعات الشيوخ تشق طريقها بين الأعاصير الهوجاء التي تريد أن تقتلعها من جذورها، ونحن نقيم علائق طيبة مع الجيش الأردني الذي كان يحترمنا أيما احترام، حتى كان خلف رافع -قائد اللواء- المسؤول عن حراسة الحدود -الغور- يوقف سيارته إذا رأى شابا من شبابنا [...] وكان بيننا وبين الأهالي صلة وثيقة ومحبة عميقة، خاصة الذين كانت قواعدنا في أكنافهم، وأخص بالذكر آل عبيدات -في الرفيد وحرثا- ولقد احتضنونا كأننا أبناؤهم ويودون لو يضعونا في أجفانهم وقلوبهم، ولقد وقفوا وقفة طيبة عندما دخل الجيش الأردني لضرب قواعدنا فقالوا: نحورنا دون المس بهم وصدورنا دون إيذائهم (...) ولقد كان أحد أبنائهم أحمد قد عرفنا من خلال حديث أهله وقريته وعشيرته عنا فأحبنا عن بعد، ثم ارتقى مناصب عليا في الدولة حتى تسلم رئاسة الوزراء، فكان خير مدافع عنا إذا كثرت الأقاويل أو اشتدت علينا الحملات.

العلاقة مع حماس

ارتبط صعود نجم حماس بالانتفاضة الفلسطينية عام 1987، التي اندلعت في قطاع غزة ثم انتشرت في قطاع غزة والضفة الغربية. بعد الهزيمة العربية في حرب 1967 مع إسرائيل، أطلقت المنظمات اليسارية والقومية، القديمة والجديدة، حركة مقاومة مسلحة ضد الاحتلال. لم تقم الجماعات الدينية، مثل جماعة الإخوان المسلمين، بذلك. واعتبرت أن مقاومة الاحتلال يجب أن تكون تحت مظلة الجهاد، وأن المجتمعات العربية/الإسلامية ليست إسلامية بما فيه الكفاية. كذلك، اعتبرت هذه الجماعات الهزيمة عقابا إلهيا، وأن الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر، والقادة العرب الآخرين استحقوا الهزيمة. هذا يفسر لماذا كسبت المنظمات اليسارية والقومية التأييد الجماهيري بعد حرب 1967.

تقاعس جماعة الإخوان المسلمين عن اللجوء إلى الكفاح المسلح دفع بعض الأعضاء إلى تأسيس منظمة الجهاد الإسلامي. ورفضت حماس الانضمام إلى صفوف منظمة التحرير الفلسطينية. في بعض الأحيان، كان عدم الرغبة في الانضمام يستند إلى حجم التمثيل الذي تريده في هيئات منظمة التحرير الفلسطينية، مثل اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي والمجلس الوطني الفلسطيني.

يوضح الحروب (1996) والتميمي (2007) أن العديد من قادة حماس كانوا مقيمين في الكويت، وانتقلوا إلى الأردن بعد الغزو العراقي للكويت في عام 1990، واستخدموا الأردن كقاعدة لأنشطتهم السياسية والإعلامية. وقد ساعدتهم جماعة الإخوان المسلمين في الأردن.

حاول عملاء إسرائيليون اغتيال خالد مشعل، أحد قادة حماس، في الأردن عام 1997 عن طريق حقنه بالسم. لم تسر المحاولة كما أريد لها، وتم اعتقال المنفذين. اغتنم الملك حسين الفرصة ونجح في تحقيق هدفين قبل الإفراج عن العملاء الإسرائيليين. الأول الحصول على معلومات عن الدواء المضاد للسم الذي حقن به مشعل ليمكن إنقاذ حياته. والثاني إفراج إسرائيل عن أحمد ياسين، الزعيم الروحي لحركة حماس ومؤسسها. بعد وفاة الملك حسين، تدهورت علاقة الأردن بحماس. وأرغم أربعة من قادة حماس كانوا يقيمون في الأردن على مغادرة البلاد في عام 1999 وهم خالد مشعل، وموسى أبو مرزوق، ومحمد نزال، وإبراهيم غوشة.

بعد فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية عام 2006، رفض الأردن استقبال وزير الخارجية الفلسطيني آنذاك محمود الزهار. وقبل موعد الزيارة بقليل، أعلن أن حركة حماس كانت تخزن أسلحة في الأردن. وذكرت الصحيفة الأسبوعية «المجد» أن الإعلان جاء بعد أشهر من الاكتشاف المزعوم، ولكن تم الإعلان عنه في ذلك الحين ليتزامن مع الزيارة غير المرغوب فيها. وفي حزيران 2008، حكم على الأشخاص الثلاثة المتهمين بالتورط في تخزين الأسلحة بالسجن فترات تتراوح بين خمس سنوات وخمس عشرة سنة.

وكما سأبين في الفصل التالي، كانت العلاقة مع حركة حماس مصدرا للخلافات داخل جماعة الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي.

= = =

[1] رسالة من هنري مكماهون إلى الحسين بن علي، 24 تشرين الأول 1915.

[2] اتفاق سري بين بريطانيا وفرنسا. سمي باسم المسؤوليْن اللذين تفاوضا عليه وهما: البريطاني مارك سايكس والفرنسي جورج بيكو.

[3] وثيقة إعلان الاستقلال الأردني، المؤرخة في 25 أيار 1946.

[4] الفدائي هو شخص مستعد للتضحية بحياته من أجل قضية وطنية أو دينية. استخدم مصطلح الفدائي على نطاق واسع للإشارة إلى مقاتلي حركة المقاومة الفلسطينية بعد حرب عام 1967.

[5] أفضّل مصطلح الدمج على الضم لأنه أكثر دقة في هذه الحالة. عمليات الدمج/الاندماج يمكن أن تكون طوعية وقسرية. الضم غالبا ما يكون بعد عمل عسكري، كما فعلت إسرائيل فهي احتلت وضمت القدس الشرقية ثم مرتفعات الجولان.

[6] لم يفز النابلسي بمقعد في البرلمان. ويعتقد أن هذا يرجع إلى تزوير الانتخابات. ولم تكن هناك نية لاختياره لتشكيل الحكومة، لكن الملك حسين غير رأيه، وقرر أخذ نتائج الانتخابات بعين الاعتبار.

[7] محاضرة جورج كولار السنوية السادسة عشرة، 12 كانون الثاني 2000.

[8] اتفاق فيصل وايزمان، 3 كانون الثاني 1919.

[9] الفصائل الفلسطينية كانت تنظر بعين الشك لما كان يسمى الخيار الأردني.


توثيق المقتطفات من الكتاب في الهوامش (أسلوب شيكاغو):

النسخة الورقية:

1. عدلي الهواري، الديمقراطية والإسلام في الأردن: 1990-2010 (لندن: عود الند، 2018)، ص - -.

توثيق النقل من الموقع:

يحذف من التفاصيل أعلاه رقم الصفحة، ويضاف إليها رابط الصفحة المنقول منها.

توثيق الكتاب في قائمة المراجع:الهواري، عدلي. الديمقراطية والإسلام في الأردن: 1990-2010. لندن: عود الند، 2018.

عنوان الكتاب يكتب بخط مائل أو يوضع تحته خط.

JPEG - 24 كيليبايت
غلاف متوسط: الديمقراطية والإسلام

بحث