مكتبة وأرشيف

د عدلي الهواري

للمساهمة في التراكم المعرفي وتعزيز التفكير النقدي

ORCID iD icon https://orcid.org/0000-0003-4420-3590
 
أنت في : الغلاف » كتب الهواري بالعربية » الديمقراطية والإسلام في الأردن » ف 6: الديمقراطية والإسلام السياسي

كتاب: الديمقراطية والإسلام في الأردن

ف 6: الديمقراطية والإسلام السياسي

د. عدلي الهواري


الرغبة في التفريق بين الديني والسياسي تأتي كذلك من المسلمين الذين اعترضوا على وصف بعض الجماعات بأنها إسلامية على أساسين: الأول هو أن الوصف يعني أن الجماعات الأخرى غير إسلامية. وسبب آخر هو أن وصف هذه الجماعات بأنها «إسلامية» ينسب إليها دور لا تستحقه، أي أن تبدو كممثل للإسلام والمسلمين.

د. عدلي الهواريأدرك بعض الباحثين أن الزعم المتعلق بعدم توافق الإسلام مع الديمقراطية كاسح جدا، ولذا حاول بعضهم تفادي ذلك من خلال التمييز بين الإسلام كدين وأعمال بعض المسلمين. وهذا واضح في حجة دياموند وليز ولبسيت (1988، ص 174): «ما نشهده هو الانتقال من إسلام متسامح ومنفتح نسبيا إلى إسلام ينصب نفسه كقوة سياسية مستقلة. وفي حين أن الأول متوافق مع الديمقراطية، فإن الثاني يشكل عقبة، لأنه ينطوي على رؤية شمولية [دكتاتورية] للمجتمع». ويضيف الباحثون الثلاثة أيضا أن «الإسلام أصبح أيديولوجية تعبئة واحتجاجات» (ص 173).

حدث ابتعاد عن استخدام «إسلامي» عند الإشارة إلى الجماعات ذات التوجه الإسلامي. المصطلح الذي يستخدمه روبينز (1991، ص 192) «إسلاميسيت» (Islamicist)، وفي ذلك محاولة للتمييز بين الجانب الديني من الإسلام، والجانب الممزوج بالسياسة. الصيغة التي يتبناها هاليداي (1995) للتمييز بين الإسلامي الديني والإسلامي السياسي، هي صيغة ذكرتها كيدي (1986)، وملخصها أن إسلامي (Islamic) تعني الجانب الديني، أما Islamist (إسلاميست) فتعني الإسلامي السياسي (ص 349). تجدر الإشارة هنا إلى أن اللغة الإنجليزية تسمح بهذا التمييز من خلال تغيير طفيف، وهذا غير ممكن بالعربية.

الرغبة في التفريق بين الديني والسياسي تأتي كذلك من المسلمين الذين اعترضوا على وصف بعض الجماعات بأنها إسلامية على أساسين: الأول هو أن الوصف يعني أن الجماعات الأخرى غير إسلامية. وسبب آخر هو أن وصف هذه الجماعات بأنها «إسلامية» ينسب إليها دور لا تستحقه، أي أن تبدو كممثل للإسلام والمسلمين. ونتيجة لذلك، ظهر مصطلح الإسلام السياسي في الكتابات بالعربية، واستخدامه واسع الانتشار. وقد اختار آخرون ابتكار صفة غير قياسية، وبدلا من قول «إسلامي» يرى المرء أحيانا صفة «إسلاموي».

في مرحلة سابقة لم تكن هناك اعتراضات على وصف حركات مختلفة بأنها إسلامية. على سبيل المثال، قال الأفندي (2002، ص 44) إن وصف جماعات منخرطة بالسياسة بأنها «إسلامية» لا يعني أن الجماعات الأخرى غير إسلامية. ويشير إلى أن وصف حزب ما بأنه ديمقراطي لا يعني أن الأحزاب الأخرى غير ديمقراطية.

وجهة النظر هذه تؤكدها الوقائع السياسية في الدول الديمقراطية. لا أحد يقول إن الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة ليس حزبا ديمقراطيا نتيجة وجود حزب آخر اسمه الحزب الديمقراطي. وأحد الأحزاب في بريطانيا اسمه حزب العمال، وآخر اسمه حزب المحافظين. لا أحد يقول إن حزب العمال يعني بمصالح العمال فقط، أو أن حزب المحافظين يعنى فقط بمصالح الناس ذوي الميول المحافظة. النقطة التي أريد أن أوضحها هنا هي أن الجدل حول الاسم وإيحاءاته أو الصفة المنسوبة إليه تبدو واهية وسطحية. لذلك، يجب البحث عن حجج جوهرية أكثر في الاعتراضات على الإسلام السياسي.

اعتراضات على الإسلام السياسي

لو سلمنا بأن ادعاء أن الديمقراطية والإسلام غير متوافقين قد انحسر، سوف نلاحظ صعودا لزعم آخر، وهو عدم توافق الديمقراطية مع الإسلام السياسي. يحدد كريمر (1997) أربعة افتراضات خاطئة، كامنة وراء بعض الآراء التي تدعو إلى إشراك الإسلاميين السياسيين في العملية السياسية والسلطة (ص 162):

= أولا، أن التوق إلى الديمقراطية هذه الأيام عالمي، وهو دافع الحركات الإسلامية السياسية الجماهيرية.

= ثانيا، أن هناك حركات إسلامية سياسية «متطرفة» وأخرى «معتدلة» ويمكن التمييز بينها بدقه، وتصنيفها، والتعامل معها بشكل منفصل لأغراض التحليل ورسم السياسيات (علامات الاقتباس في الأصل).

= ثالثا، أن للسلطة تأثيرا على الذين يشاركون فيها ويمارسونها يؤدي إلى الاعتدال، وسيشمل هذا التأثير الإسلاميين السياسيين أيضا.

= رابعا، أن انتصار الإسلام السياسي حتمي لأنه يمثل الإرادة الشعبية.

نقطة كريمر الأولى توضح كيف أنه عندما يتعلق الأمر بالعالم الإسلامي، سيتعرض المسلمون للانتقاد عندما يبدو أنهم غير مهتمين بالديمقراطية. وعندما يعبرون عن تطلعات في هذا الصدد، تقابل بالشك، إذا لم نقل بالرفض. الحكم النهائي على ما إذا كان الإسلاميون السياسيون صادقين في خطابهم هو في إقامة أنظمة ديمقراطية في الدول الإسلامية. أما تبرير حرمان المسلمين من الديمقراطية بأن الإسلاميين السياسيين غير ديمقراطيين فحجة غريبة.

في النقطة الثانية، يضع كريمر جميع الحركات الإسلامية السياسية في فئة واحدة. وهذا تصنيف غير واقعي، فالحركات الإسلامية السياسية ليست صورة طبق الأصل عن بعضها البعض. ويلاحظ على نقاط كريمر عدم الدقة في استخدام مصطلح «إسلامي سياسي»، وهذا يؤدي إلى تشويش.

نقطة كريمر المتعلقة بوضع السياسات تستحق المناقشة. سياسة من؟ مخططو السياسة الخارجية الإسرائيلية؟ المخططون الأمريكيون؟ مخططو السياسة الخارجية الأردنية؟ من السخف القول إن صناع السياسة الأردنية لا يمكنهم التفريق بين جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الأخرى التي قادها الزرقاوي وأمثاله.

نقطة كريمر الثالثة كانت محل اختبار أجرته شويدلر (2006) التي درست جبهة العمل الإسلامي في الأردن وحزب التجمع اليمني للإصلاح في اليمن. وهي على صواب عندما تقول (ص 194): «كلاهما تحالف من النخبة الحاكمة من الأيام الأولى، ولذا وصفهم بأنهم معتدلون لأنهم لا يسعون إلى قلب النظام القائم وصف في غير محله، فهم لم يكونوا قط متشددين، ولم يتم استبعادهم». لذلك، مسألةُ ما إذا كانت المشاركة في السلطة تؤدي إلى الاعتدال أم لا تبقى غير محسومة. ولكن النظام السياسي الذي يحدد مجالات السلطة والصلاحيات للأحزاب المشاركة في الحكم لا يمكّن الأحزاب السياسية من فرض ما تريد.

عندما شارك نواب تابعون لجماعة الإخوان المسلمين في حكومة مضر بدران في عام 1991، كانت دعوتهم إلى المشاركة الأمر الصحيح بالنظر إلى وجود كتلة من النواب المنتمين للجماعة. والوزراء الإسلاميون الخمسة لم يتمكنوا من فرض سياسة على الحكومة. لذلك، سواء أأصبحت الجماعة أو الوزراء أقل تشددا بعد المشاركة أمر غير ذي شأن. وهذا المثال يظهر أن للمشاركة مزايا تتفوق على الاستبعاد.

النقطة الرابعة في قائمة كريمر تستحق المناقشة أيضا. مخطئ هو عندما يقول إن الباحثين الآخرين ساذجون عند افتراضهم أن الإرادة الشعبية سوف تنتصر. إن أفضل وسيلة للتعبير عن الإرادة الجماهيرية وقياسها هي في إقامة نظام حكم ديمقراطي. في وجود نظام كهذا يمكن المرء أن يقول بثقة إن «الشعب قال كلمته». في وجود نظام ديمقراطي، إرادة الشعب (الأغلبية) تسود، وهذا هو الأمر الصحيح. في غياب الديمقراطية، أي زعم متعلق بالإرادة الشعبية يكون قائما على التكهنات. وعليه يمكن كريمر وآخرين أن يتحدثوا عن «شعبوية».

وعلى كل حال، لا توجد ضمانة لانتصار الإرادة الشعبوية، أو حتى الإرادة الشعبية الحرة المعبر عنها بإجراءات ديمقراطية. في الجزائر، تدخل الجيش في عام 1992، وألغى نتائج الانتخابات. في فلسطين في عام 2006، الإرادة الديمقراطية للشعب لم يكن لها أي قيمة من وجهة نظر إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لأن الجماهير اختارت حركة حماس. وفي تشيلي في عام 1970، انتخاب سلفادور أيندي كان غير مرحب به أيضا، وقام الجيش بانقلاب دموي في عام 1973. لو قال كريمر أن الإرادة الشعبية لا يعتد بها لكان محقا.

بايبس (1997، ص 65) يقول إن المسلمين الأصوليين مستغربون (نسبة إلى الغرب)، ويشبهون القوميين في أوروبا. ويتوقع أن «الإسلام الأصولي سيبقى قويا لبعض الوقت في المستقبل». ويتنبأ أيضا بأن الأصولية الإسلامية «سوف تتلاشى مثلما تلاشت الأيديولوجيات الطوباوية المتشددة في هذا القرن، والفاشية والشيوعية» (ص 65).

هناك قضايا إشكالية عدة في هذا القول المقتضب لبايبس، الذي ينطبق عليه وصف بوبر للتاريخاني. يشرح بوبر (1957) كيف يميل التاريخانيون إلى إصدار تنبؤات حول المستقبل معتمدين على ما يعتبرونها قوانين التاريخ (ص 41-45). الكثير من المسلمين يلبسون الملابس الغربية في بلدانهم، بما في ذلك المسلمون «الأصوليون». يمكن اعتبار ذلك دليلا على أنه ليس لديهم مشكلة مع كل شيء غربي. ولكن الملابس الغربية لا تجعل لابسها غربيا، فهوية الإنسان تتكون من عناصر كثيرة وليس من الملابس التي يرتديها فقط.

وعلى عكس القوميين، من المعروف عن المسلمين الأصوليين، أنهم يعارضون القومية، من الناحية النظرية على الأقل. وهم يعتبرون جميع المسلمين أمة واحدة، كما هو موضح في القرآن: «إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون» (سورة الأنبياء؛ الآية 92). وكذلك «وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون» (سورة المؤمنون؛ الآية 52).

وتشير آيات أخرى إلى أن كل الناس جماعة واحدة: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير» (سورة الحجرات؛ الآية 13). وكذلك: «وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون» (سورة يونس؛ الآية 19).

ليس من الصعب أن يتفق المرء مع رأي بايبس في أن الإسلام الأصولي سوف يظل موجودا لبعض الوقت في المستقبل. من المحتمل أن يظل قويا فترة أطول مما يتصور، لأن التيارات الأصولية لا تتلاشى تماما أبدا. لذلك، نبوءته بالتلاشي غير صحيحة. وهناك أيضا مقارنة غير سليمة بين «الإسلام الأصولي» والفاشية. هذه المقارنة يرفضها سيابارا (2006) الذي يشخص الوضع العربي بأنه:

خليط هجين من الأصولية الدينية، والاقتصادات شبه الاشتراكية التي يهيمن عليها احتكار الدول للموارد الأساسية (مثل النفط) وملكية وراثية. من الخطأ أن يوصف مجمل هذا الخليط الهجين بأنه «فاشية إسلامية». «سمه الدولانية الدينية أو الاستبداد الثيوقراطي أو، في دول ذات قدر أكبر من العلمانية، سمها دكتاتورية ملكية-عسكرية. ولكن رجاء لا تسمها فاشية، ما لم تكن تقصد شيئا تاريخيا محددا، كما في ترتيبات «الاشتراكية النقابية» التي وضعها بينيتو موسيليني.

ويقول هيز (1973) إنه كان هناك «عدم وجود اتفاق حول الطبيعة الحقيقية للفاشية، في الماضي والحاضر على حد سواء» (ص 9). ويشير إلى أن وصف «فاشي» مصطلح يساء استخدامه، والغاية من استخدامه هي «الإدلاء بتعليق مثير للجدل على تطورات سياسية وفي الوقت نفسه وضع الأشخاص المعارضين خارج نطاق التعاطف الإنساني» (ص 9).

ويقول فورت (2001): «بعض المعلقين [...] يسعون إلى تحويل الرد على ابن لادن إلى حملة ضد الدين نفسه» [1]. بقليل من التمحيص العلمي يمكن المرء الوصول إلى هذا الاستنتاج، وذلك عندما يقرأ ادعاءات بعض الباحثين مثل لويس وهنتنغتون وفوكوياما وبايبس وكريمر. وكل ذلك يتم باسم العلم، وغالبا في مؤسسات أكاديمية مرموقة.

سيكون من السذاجة عدم الاعتراف بوجود أناس لا يثقون بصدق التزام الإسلاميين بالديمقراطية، ومعارضة خلط الدين والسياسة. الأقليات الدينية والعلمانيون، والملحدون، وحتى الكثير من المسلمين الذي يمارسون الواجبات الدينية يشعرون بقلق حقيقي. لذلك، يجب الاعتراف بهذه المخاوف، وعدم الاكتفاء بتطمينات من الإسلاميين بشأنها.

السيد (2003، ص 25) يقول جازما إن «مشاركة الإسلاميين السياسيين في الحياة السياسية الديمقراطية يمثل بلا شك تهديدا خطيرا للحقوق المدنية والسياسية والإجراءات الديمقراطية في بلدانهم». ولكنه لا يذهب إلى حد المناداة بمنعهم من المشاركة، بل يدعو إلى وضع «ضمانات لتقليل المخاطر».

تشمل الضمانات تغييرات دستورية ترسخ «مجموعة كاملة من الحقوق المدنية والسياسية الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان دون القيود التي تضعها الدول الإسلامية عادة لجعل هذه الحقوق متوافقة مع الشريعة الإسلامية» (ص 25).

الضمانة الثانية التي يوصي بها السيد هي استخدام «التمثيل النسبي في النظام الانتخابي. وهو يرى أن هذا النظام يساعد على منع الحصول على أغلبية في البرلمانات. الضمانة الثالثة وجود نظام من مجلسين [مجلس نواب وشيوخ مثلا]، بحيث يكون المجلس الأعلى كقوة موازنة للمجلس الأدنى (ص 25). الضمانة الرابعة هي «إنشاء مجلس دستوري أعلى» تكون له صلاحيات متنوعة لحماية الحقوق.

ومن ضمن الصلاحيات، إصدار «أمر للقوات المسلحة بأن تخلع، إذا كان ذلك ضروريا، أي حكومة تدان من خلال القنوات القضائية بانتهاك حقوق المواطنين المدنية والسياسة الأساسية» (ص 25-26).

من المنطقي ترسيخ حقوق وحريات المواطنين في الدساتير. ولن يكون مفاجئا أن تدعي الحكومات أن هذا حاصل فعلا. النقطة الجوهرية في الضمانة الأولى التي يقترحها السيد هي النص على الحقوق والحريات دون قيود تجعلها متماشية مع أحكام الشريعة الإسلامية. النظام الذي سيفعل ذلك سيكون على قدر إضافي من الشجاعة، لأن هذه التغييرات سوف تعارض، كما حدث في الأردن عندما قررت الحكومة إلغاء تحفظها على المادة 15 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).

ولكن من غير المرجح أن يكون على رأس النظام الذي يجري هذه التغييرات شخص يريد أن يبقى في الحكم مدى الحياة. تغييرات من هذا القبيل تعني تغييرا جذريا يهدف إلى نقل الشعب والدولة إلى مستوى أعلى من الكرامة الإنسانية. لذلك، فرغم أن الضمانة المقترحة وجيهة، إلا أنها لا تدرك أنها تحمي المواطنين ليس من الإسلاميين السياسيين وحسب، بل ومن الدولة أيضا.

التوصية باستخدام التمثيل النسبي وجيهة أيضا. ولكن مبرر استخدامه لا يقتصر فقط على كونه ضمانة مقابل مشاركة الإسلاميين في الحياة السياسية، بل من منطلق تحقيق تمثيل منصف لكل الأحزاب المشاركة. النقاش حول ضرورة اعتماد التمثيل النسبي نقاش يتكرر في المملكة المتحدة، التي ينتج نظامها الانتخابي أغلبية برلمانية في مجلس العموم دون حصول حزب الأغلبية على أغلبية الأصوات في الانتخابات.

النظام المستخدم في المملكة المتحدة يعتمد على فوز المرشح الحائز على أكبر عدد من الأصوات بين المتنافسين. وكما يوضح بيثام (2005، ص 173) هذا النظام يمكنه «إنتاج مجلس لا يمثل إلى حد كبير توزيع الآراء السياسية في البلد».

وتوصية السيد بوجود برلمان مكون من مجلسين وجيهة أيضا. على سبيل المثال، مع أن مجلس النواب في بريطانيا ليس منتخبا، وتوجه له الانتقادات لهذا السبب، إلا أن ثمة اعترافا بأنه يؤدي دورا مفيدا عندما تقوم الحكومة بتمرير قوانين على عجل في مجلس العموم. ولكن يجب أن تكون العضوية في المجلسين عن طريق الانتخاب، كما هي الحال في الولايات المتحدة الأمريكية.

التوصية الرابعة التي يقترحها السيد إشكالية للغاية. فكرة وجود محكمة دستورية فكرة جيدة. بل ويمكن اعتبارها علامة من علامات نضج النظام الديمقراطي عندما تكون هذه المحكمة الحكم النهائي بشأن ما هو دستوري وغير دستوري. (هذا لا يعني أنه لا توجد آراء مختلفة حول دور المحاكم الدستورية، كما في الولايات المتحدة مثلا).

ويبدو أن السيد يقترح تشكيل مجلس شبيه بمجلس مشكّل في إيران، وهو مجلس صيانة الدستور، الذي يمكنه تقييد الحق في الترشيح في الانتخابات. وهذا يتعارض مع حق أساسي في نظام الحكم الديمقراطي. أما فكرة إعطاء مجلس ما صلاحية إصدار أمر للجيش لخلع الحكومة فهي فكرة سيئة جدا لأسباب عدة.

أولا، يجب أن يبقى الجيش بعيدا عن السياسة. وثانيا، الحزب الذي يتولى السلطة في بلد ما قد يسعى إلى الحصول على دعم من الجيش، ويواصل انتهاك الحقوق الأساسية للمواطنين. الدور الخاص الذي لعبه الجيش في تركيا كان عائقا في طريق إقامة نظام ديمقراطي في البلاد. وفي الجزائر، منع تدخل الجيش الجبهة الإسلامية للإنقاذ من الوصول إلى السلطة عام 1992، فدخلت البلاد في نزاع عنيف دام سنوات.

التوصية الرابعة والأخيرة ضمن توصيات السيد تستدعي مناقشة إضافية: ماذا لو نجح حزب إسلامي سياسي في الوصول إلى الحكم عن طريق الانتخابات، ثم قرر أن يغير طبيعة النظام الديمقراطية. سيكون من الأفضل مناقشة هذا السيناريو الافتراضي في السياق الأردني. ماذا لو وصلت جماعة الإخوان المسلمين/جبهة العمل الإسلامي إلى الحكم في الأردن؟

النقطة الأولى التي يجب الاعتراف بها في هذه الحالة هي أن الانتخابات كانت حرة ونزيهة. النقطة الثانية هي أن النظام السياسي في الأردن يكون قد شهد تغييرا كبيرا وجوهريا، أدى إلى السماح للحزب الذي يحصل على أغلبية نيابية، أو على العدد الأكبر من المقاعد، بتشكيل الحكومة.

حدث ذلك في عام 1956، ولكن عمر الحكومة آنذاك لم يتجاوز بضعة شهور. لذلك، بالنظر إلى السلطات التي يتمتع بها الملك، من الممكن إقالة حكومة يشكلها حزب إسلامي سياسي عندما يقرر الملك أن الحكومة لا تنفذ سياسات يحبذها. بعبارة أخرى، الفوز بأغلبية نيابية، ثم تشكيل الحكومة، لا يعني أن لدى الحزب الإسلامي السياسي حرية التصرف لتغيير النظام، لأن الملك يتمتع بسلطات أكبر.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تعهدت بعدم تغيير طبيعة النظام، ففي نيسان 1990، عين الملك حسين لجنة ملكية تكونت من ستين عضوا مثلوا التيارات السياسية في البلاد، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين. كانت مهمة اللجنة وضع مبادئ توجيهية بشأن ممارسة العمل السياسي.

في حزيران 1991، طرحت الوثيقة التي أعدتها اللجنة في مؤتمر وطني وتمت الموافقة عليها بالإجماع. تنص الوثيقة قسما عنوانه «ضمانات النهج الديمقراطي»، تشمل «الحفاظ على الصفة المدنية والديمقراطية للدولة. واعتبار أي محاولة لإلغاء هذه الصفة أو تعطيلها باطلة من أساسها، لأنها تشكل تعديا على الدستور وانتهاكا لمبدأ التعددية ومفهومها» [2].

بالنظر إلى أن جماعة الإخوان المسلمين كانت ممثلة في هذه اللجنة، فإنها تكون تعهدت بالالتزام بالنقطة السابقة. ولكن لنفترض أن الأردن شهد تغييرات كبرى، وأصبح الملك لا يملك سلطات كما في بعض الملكيات الدستورية، هل سيقدم الإسلاميون السياسيون على تغيير طبيعة النظام الديمقراطية؟

في حال قررت جماعة الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي عدم احترام التعهد الوارد في الميثاق الوطني، وكان الملك غير قادر على الوقوف في طريقهما، يرى فهد الريماوي أن القوى الأخرى من المجتمع (مثل منظمات المجتمع المدني) لن تسمح بحصول هذا التغيير3. إميلي نفاع لها وجهة نظر مماثلة [4]، وتشير إلى أن هناك عدة مراحل افتراضية لهذا السيناريو تجعله غير واقعي.

ولكني سأسير مع السيناريو حتى نهايته الفرضية، وأتخيل أن الإسلاميين السياسيين سوف يفرضون إجراءات تغيّر طبيعة النظام الديمقراطية. إذا حصل ذلك فعلا، فإن مسؤولية معارضة ذلك، وإعادة الأمور إلى نصابها، تقع على كاهل الشعب الأردني. لن تكون المهمة سهلة، وسوف تستغرق وقتا طويلا، ولكنها لن تكون مستحيلة [5]. شعوب أوروبا الشرقية أزاحت الأنظمة الشيوعية بعد سنوات عديدة من الحكم الصارم.

= = =

[1] تعليق ضيف. NRO. ناشنال ريفيو أنلاين. 19 تشرين الأول 2001.

http://ontology.buffalo.edu/smith/courses01/rrtw/forte.html

[2] النص الكامل للميثاق الوطني الأردني منشور في موقع رئاسة الوزراء في الإنترنت ضمن مجموعة من الوثائق التاريخية (www.pm.gov.jo).

[3] مقابلة شخصية. عمان، 14 نيسان 2008.

[4] مقابلة شخصية. عمان، 18 تشرين الثاني 2010.

[5] أظهرت التطورات في مصر أن منظمات المجتمع المدني وغيرها من القوى التي يشير إليها الريماوي لديها الاستعداد للمشاركة في منع تطور نظام ديمقراطي، وستبرر المشاركة في البداية بالاحتجاج على ممارسات النظام الذي أتت به انتخابات حرة ونزيهة واتهامه بالسعي إلى تغيير طبيعة النظام الديمقراطي. تمت في مصر إزاحة رئيس إسلامي منتخب شهدت فترة توليه الحكم القصيرة حريات لم تعرفها مصر من قبل. وتم استبداله بجنرال من الجيش قمعت في عهده الحريات، وجرى التضييق على منظمات المجتمع المدني والقوى الأخرى.


توثيق المقتطفات من الكتاب في الهوامش (أسلوب شيكاغو):

النسخة الورقية:

1. عدلي الهواري، الديمقراطية والإسلام في الأردن: 1990-2010 (لندن: عود الند، 2018)، ص - -.

توثيق النقل من الموقع:

يحذف من التفاصيل أعلاه رقم الصفحة، ويضاف إليها رابط الصفحة المنقول منها.

توثيق الكتاب في قائمة المراجع:الهواري، عدلي. الديمقراطية والإسلام في الأردن: 1990-2010. لندن: عود الند، 2018.

عنوان الكتاب يكتب بخط مائل أو يوضع تحته خط.

JPEG - 24 كيليبايت
غلاف متوسط: الديمقراطية والإسلام

بحث