كتاب: الديمقراطية والإسلام في الأردن
ف 3: مراجعة الأدبيات
د. عدلي الهواري
الفجوة الرابعة تتعلق بالدراسات التي تشمل أكثر من دولة، فرغم وجود مزايا لها، وخاصة من ناحية محاولة تعميم الاستنتاجات، إلا أن الاهتمام بأكثر من دولة يدفع الباحثين إلى الإيجاز في الحديث عن حالة كل دولة نتيجة وجود سقف زمني لإجراء البحث وحد أقصى لعدد كلماته. هذا الإيجاز يؤدي إلى خيبة أمل القارئ نتيجة عدم التعمق في الموضوع.
هذا الفصل مخصص لمراجعة الأدبيات ذات العلاقة بالديمقراطية والإسلام (السياسي) في الأردن. وتشمل المراجعة تقييما نقديا للأدبيات ليمكن بعد ذلك تحديد الفجوات التي سعى البحث إلى سدها. تشمل المراجعة مصادر أولية وثانوية. الأولية تتضمن خطاب الملك حسين الذي أعلن فيه إجراء الانتخابات؛ ووثائق سياساتية صادرة عن جماعة الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي. المصادر الثانوية تشمل كتبا منشورة ورسائل دكتوراه غير منشورة.
(أ) المصادر الأولية
في السابع من تشرين الأول 1989، وجه الملك حسين خطابا إلى الشعب، قال فيه:
«يعتقد الكثيرون بأننا ندق أبواب مرحلة جديدة، لا لشيء إلا لأننا نستأنف حياتنا الديمقراطية البرلمانية. وأرى في ذلك بعض الحقيقة وليس كلها، فحياتنا البرلمانية لم تنقطع إلا لفترة قصيرة. أما الذي انقطع لمدة تقرب من الربع قرن، فهو إجراء انتخابات عامة» [1].
وشرح الملك حسين سبب الانقطاع بقوله: «أما لماذا حدث ذلك، فالقصة معروفة لديكم، وبدأت حينما غدا من المستحيل إجراء مثل هذه الانتخابات بعد وقوع الضفة الغربية تحت الاحتلال الإسرائيلي في حزيران 1967».
في المقتطف أعلاه من خطاب الملك حسين مسألتان: الأولى تتعلق بالبرلمان (مجلس الأمة) وهي صحيحة، فقد كان هناك برلمان (مجلسا نواب وأعيان) قبل حرب حزيران عام 1967. وأجريت انتخابات مجلس النواب في نيسان 1967، أي قبل نحو شهرين من الحرب.
المسألة الثانية التي تتعلق بوصف الملك حسين الحياة البرلمانية بأنها ديمقراطية إشكالية، إذا نظرنا إليها على ضوء تعريفات الديمقراطية التي ذكرت في الفصل السابق. فلو استخدمنا تعريف ليبست (1959، ص 71)، سنجد أن النظام في الأردن قبل حرب 1967 لم يكن يقدم «الفرص الدستورية المنتظمة لتغيير المسؤولين الحاكمين»، فالانتخابات وحدها لا تعني أن دولة ما أو نظاما سياسيا ديمقراطي [2]. كانت الأحزاب السياسية محظورة في الأردن منذ عام 1957. وكانت الحريات المدنية والسياسية مقيدة. وحتى عندما أجريت الانتخابات النيابية عام 1989 كانت الأحزاب السياسية لا تزال محظورة. وأصبح تشكيل وعمل الأحزاب قانونيا في عام 1992.
حذر الملك حسين في الخطاب من مخاطر الخلط بين السياسة والدين، وأشار كمثال على ذلك إلى لبنان حيث كانت الحرب الأهلية لا تزال مستمرة، وقال:
«ومع محاولات استغلال الدين لمآرب سياسية وانعكاسات ذلك على الساحة اللبنانية على شكل منظمات وميلشيات وأحزاب متقاتلة متحاربة، لا أبد أن ننتبه إلى أن ما يراد له أن يصور أو يصبح نزاعا إسلاميا مسيحيا في لبنان، إنما المقصود منه شق الصف العربي من الداخل».
تعكس هذه الفقرة قلق الملك من الكيفية المحتملة لتصرف المرشحين الإسلاميين في الحملة الانتخابية، بالنظر إلى السماح لجماعة الإخوان المسلمين بالمشاركة في الانتخابات. ولكنه اكتفى بدعوة المرشحين والناخبين للتصرف بمسؤولية. فقال:
«فلنجعل من المرحلة القادمة مرحلة مثمرة وفاعلة، من خلال ديمقراطية برلمانية تؤمن المشاركة الحقة الواعية، وتستمد قوتها من الحوار الهادف المسؤول، ومن اتزان الفكر واعتدال الرأي [...] إن نجاح التجربة في أيديكم، وهي أمانة في أعناقكم مرشحين ومنتخبين، ولا أخال أن أحدا منكم يحرص على فشل التجربة —لا سمح الله— من خلال الشطط والتطرف والعبث».
سأنتقل الآن إلى وثائق رئيسية لجماعة الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي وهي: ثلاثة برامج انتخابية (1993، 2003، و2007)، ووثيقة عنوانها «رؤية الحركة الإسلامية للإصلاح في الأردن» (2005). البرنامج الانتخابي لعام 1993 يعرّف الناخبين على جبهة العمل الإسلامي، ويؤكد على طابعها الإسلامي، ويشرح شعار «الإسلام هو الحل» (ص 1). وتؤكد المقدمة أيضا على أهمية القضية الفلسطينية. البرنامج الانتخابي لعام 1993 كتيب يتألف من أربع وخمسين صفحة. وهو برنامج مفصل. وبناء على ذلك، لا يمكن القول إن جبهة العمل الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين خاضتا الانتخابات على أساس شعار واحد.
توجد في الوثائق الأربع الكثير من القواسم المشتركة. ويمكن المرء أن يعتبرها نسخا معدلة من بعضها. مقدمتا البرنامجين الانتخابيين لعامي 2004 و2007 أقصر بكثير من مقدمة برنامج 1993، واللغة الدينية فيهما أقل أيضا. لأن البرنامج الانتخابي الصادر عام 1993 كان أول برنامج تصدره جبهة العمل الإسلامي، فقد يفسر ذلك المقدمة الطويلة واستخدام لغة دينية اعتمدت على مقتطفات من القرآن والحديث.
وإضافة إلى ذلك، يوجد في الوثائق الأربع موضوع رئيسي مشترك بشأن الحريات والديمقراطية في الأردن: عدم الرضا، الذي أدى إلى مقاطعة الانتخابات في 1997 و2010. الجردة لوضع الديمقراطية في الأردن [منشورة في كتاب آخر] ستساعد على تحديد مدى الديمقراطية في الأردن، وبالتالي ستختبر بشكل غير مباشر ادعاءات الإخوان/الجبهة فيما يتعلق بنواقص الديمقراطية في الأردن.
(ب) المصادر الثانوية
هذا الجزء من المراجعة يشمل بحوثا أجراها كل من الشرعة (1997)؛ روبنسون (1998)؛ بولبي (1999)؛ لينش (1999)؛ فيكتورفيتش (2001)؛ لست-أوكار (2001)؛ مودل (2002)؛ نويون (2003)؛ البريزات (2003)؛ نولز (2005)؛ لوكاس (2005)؛ شويدلر (2006)؛ براون (2006)؛ جمال (2007)؛ مسعد (2001)، وغننغ. (2009).
درست بولبي (1999) جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ضمن فترة 1945-1993. وبالنسبة لانتخابات عام 1989، أشارت بولبي إلى أن الجماعة «ابتعدت عن الإشارة إلى دولة إسلامية، وركزت على التوافق العام بين الإسلام والديمقراطية». ونتيجة لذلك، جذبت الجماعة الدعم من الفلسطينيين والشرق أردنيين «الذين تهمهم الديمقراطية وليس الأسلمة» (ص 107).
إضافة إلى ذلك، تشير إلى أن جماعة الإخوان المسلمين شاركت في انتخابات عام 1954، وفعلت ذلك «لأسباب براغماتية، أي من أجل زيادة النفوذ السياسي».
وفي الثمانينيات، كما تقول بولبي، ركزت الجماعة على «التوافق بين أهدافها السياسية والديمقراطية الليبرالية»، و«شددت على الدور المركزي لمبدأ الشورى، واعتبرته مشابها لفكرة التمثيل البرلماني» (ص 115 -116).
وتشير أيضا إلى أنه رغم أن «تحقيق الديمقراطية الليبرالية لم يكن هدف الإخوان النهائي، إلا أن دور الجماعة كان قوة محرّرِة في السياسة الأردنية» (ص 116).
رغم اشتراكي مع بولبي في الاهتمام البحثي بجماعة الإخوان المسلمين والديمقراطية في الأردن، يختلف بحثها في اهتمامها بفترة زمنية تساوي خمسين عاما تقريبا، ويتوقف بحثها عند عام 1993، أي بعد سنوات قليلة من انتخابات 1989، التي جرت بعد انقطاع دام 22 عاما. أما بحثي فيهتم بمرحلة دامت عشرين سنة (1990-2010) جرت خلالها ست جولات من الانتخابات.
تشير شويدلر (2006) إلى نقطة التوافق بين الإسلام والديمقراطية عندما تنقل عن عبد اللطيف عربيات قوله إن الجبهة ترى «الديمقراطية كشكل معاصر من الشورى، آلية يمكن من خلالها أن نحكم وفق قوانين الله». وتقول إن عربيات أوضح أن «السيادة النهائية لله، وليس للشعب، كما هي الحال في الصيغ الغربية من الديمقراطية الغربية» (ص 157).
تستخدم شويدلر نهج المقارنة في بحثها. وسعت إلى دراسة «العلاقة السببية الضمنية بين الشمول والاعتدال» (ص 2). واختارت مقارنة جبهة العمل الإسلامي في الأردن مع حزب التجمع اليمني للإصلاح في اليمن. الحزبان إسلاميا التوجه، وكلاهما شارك في انتخابات تنافسية جرت في البلدين. رغم الاهتمام المشترك مع شويدلر بجبهة العمل الإسلامي، إلا أن بحثي لا يعتمد المقارنة. بل يسعى إلى تحديد مدى ديمقراطية الأردن.
البريزات (2003) يتناول موضوع الإسلام والديمقراطية الليبرالية مع الأردن كحالة دراسية. موضوع رسالته أقرب ما يكون لبحثي بالنظر إلى أنه مهتم أيضا بمسألة (عدم) التوافق بين الإسلام والديمقراطية الليبرالية. يرفض البريزات النهج الثقافي الاستشراقي المهيمن على الأدبيات المتعلقة بالإسلام وسياسة الشرق الأوسط الذي يرى أن «هناك عدم توافق متأصلا بين الإسلام والحداثة السياسية» (ص 14).
يستخدم البريزات منهجية عملية (امبيركال). فقد أجرى استطلاع رأي قاده إلى استنتاج أن الإسلام والديمقراطية غير متعارضين، وأن المسلمين في الأردن تواقون للديمقراطية. ولتفسير غياب الديمقراطية عن العالم العربي، يرى البريزات أن «نظرية الاختيار العقلاني تفسر إلى حد كبير لماذا لم تصبح الدول العربية ديمقراطية بعد» (ص 16). ويخطّئ الباحثين الذين يستخدمون «مؤشرات فريدوم هاوس بخصوص 23 دولة مسلمة كما لو أنها تمثل «الديمقراطية والحقوق الفردية» في هذه الدول، ولا يدركون أن هذه المؤشرات تمثل أداء الأنظمة» وليس موقف عموم الشعب» (ص 44).
رغم أن البريزات، يمّحص ادعاءات عدم التوافق بيت الإسلام والديمقراطية، إلا أنه لا يناقش المسألة من وجهة نظر المسلمين الذين قالوا إن الإسلام والديمقراطية غير متوافقين. ورغم أن نظرية الاختيار العقلاني يمكن أن تفسر جزئيا غياب الديمقراطية في الأردن، إلا أن السؤال يظل يطرح نفسه: هل يرغب الشعب حقا في العيش في ظل نظام حكم غير ديمقراطي، رغم أن البريزات استنتج عدم وجود توافق بين الإسلام والديمقراطية؟
يدرس لوكاس (2005) الوجه الآخر من مسألة عدم/التوافق، أي «ملامح الأنظمة الاستبدادية التي تسهل استقرار الاستبداد» (ص 1). ويسعى لشرح كيف «تمكن النظام الأردني من مواجهة تحديات البقاء الخارجية والسيطرة على التهديدات الداخلية». يتساءل لوكاس: «هل يمكن لنجاح الملكية الأردنية شرح الديمومة المدهشة للأنظمة الاستبدادية في العالم العربي؟» منهجية لوكاس تستخدم «المقاربة المؤسسية» التي تجمع المقاربات: الثقافية والبنيوية والعقلانية» (ص 1).
العامل الثقافي في مزيج لوكاس يدعو للقلق، وخاصة إذا تذكرنا النقد الذي يوجهه الباحثون للنهج الثقافي، ومن بينهم البريزات، كما ورد أعلاه. ويشير لوكاس أيضا إلى أن بحثه «يهتم باستخدام النظام الأردني القواعد المؤسسية في ثلاثة مجالات: الأحزاب السياسية والبرلمان الأردني [...] والصحافة» (ص 7). هذه الجوانب ذات صلة ببحثي، وسيكون تعاملي معها ضمن الجردة الديمقراطية في الأردن. ولكن الجردة تغطي الكثير من القضايا الأخرى، والفترة التي يهتم بها بحث لوكاس وبحثي مختلفة.
يهتم فيكتورفيتش (2001) في دراسته بجماعة الإخوان المسلمين، والجماعات الإسلامية الأخرى، وتحديدا التيار السلفي. دراسته مفيدة في تنبيه الباحثين إلى ضرورة تجنب التعميم الكاسح أي: لأن العلاقة بين الجماعة والنظام كانت ودية في الماضي فسوف تبقى كذلك دائما.
الأحداث اللاحقة تدعم ميله إلى عدم التعميم. فمنذ أن أصبحت جماعة الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي المعارضة الرئيسية في الأردن، زادت النزاعات مع الحكومة، خصوصا عندما تولى معروف البخيت رئاسة الوزراء، الذي وجه كلاما قاسيا لقيادة جبهة العمل الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين نتيجة مقاطعة الانتخابات البلدية في عام 2006.
يتحدث فيكتورفيتش في أحد فصول دراسته عن الجمعيات التابعة للجماعات الإسلامية. ويلاحظ أن الرجال يهيمنون على هذه الجمعيات (ص 88). ويعزو ذلك إلى أن «الجماعات الإسلامية نفسها يهيمن عليها الرجال»، وإلى «قيم الفصل الإسلامية، التي تفصل الرجال عن النساء، ويضع النساء عادة في دور أقل علنية» (ص 88). لا يمثل هذا الأمر مفاجأة حقا. فالحركات الدينية ذات طبيعة محافظة، خصوصا في العالم الإسلامي. وعليه، يحتاج فحص موقف جماعة الإخوان المسلمين من المرأة وحقوقها إلى تحليل أعمق.
تهتم نويون (2003) بدارسة الإسلام والسياسة في أربع دول: تركيا والأردن وتونس والجزائر. وفقا لنويون، هناك أربعة تيارات داخل جبهة العمل الإسلامي (ص 92):
(1) البراغماتيون، وهم الذين «يدعون إلى العمل مع الحكومة بتوافق الآراء».
(2) النشطاء، ويركزون على «الإصلاح الداخلي السياسي والتضامن الإسلامي الدولي، وعدم تطبيع للعلاقات مع إسرائيل›».
(3) المحافظون التقليديون، ويركزون على «إصلاح التعليم الشرعي».
(4) غلاة المحافظين، وهم «عقائديون في القضايا الاجتماعية، ورفضيون في السياسة الخارجية».
إذا كانت السياسة الخارجية تتعلق بالعلاقات مع إسرائيل، و/أو الولايات المتحدة الأمريكية، يمكن للمرء أن يرى لماذا تستخدم نويون مصطلح الرفض. ولكن السياسة الخارجية لدولة ما، لا تكون على أساس الموقف من بلد واحد أو قضية واحدة. للأردن علاقات مع العديد من الدول. لذلك، فإن اعتبار الموقف من «عملية السلام» في الشرق الأوسط أساسا لوصف جماعة بأنها «رافضة» لا مبرر له.
تشير نويون إلى أن «النخب المغرّبة تتسامح مع أنظمة غير كفؤة، وفاسدة وقمعية خوفا من أن النظام الإسلامي لن يضمن حقوقها وسيكون أكثر قمعا اجتماعيا» (ص 25). ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل هذه النخب تتبنى هذا الموقف بسبب الخوف على حقوقها؟ هناك أيضا احتمال أن هذه النخب لديها مصالح مشتركة مع الحكام والخوف الذي تشير إليه نويون ليس أكثر من ذريعة. إضافة إلى ذلك، ليس من المعقول القول دائما إن هناك خيارين فقط: الاستبداد أو أسلوب حياة محافظ جدا.
ومع أن نويون تشير بإيجاز إلى النخب المغرّبة، إلا أنها ضمن تلك الإشارة تعطي أسبابا وجيهة لإشراك الإسلاميين في العملية السياسية (ص 95): إذا كان التغيير يعتمد نموذج النظام الديمقراطي المتعدد الأحزاب، فمن الضروري أن يشمل ذلك دمج الإسلاميين السياسيين الذين يهتمون بمصلحة طبقات واتجاهات اجتماعية صاعدة تسعى إلى المشاركة في الحكومة. فيما يتعلق بالأردن، تمت الاستجابة إلى هذه النصيحة. ولكن روبنسون (1998)، وصف ما حدث في الأردن بأنه «ديمقراطية دفاعية»، وسيتم شرح ذلك أدناه.
تهتم دراسة براون (2006) بجبهة العمل الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين، ولذلك، لها صلة بموضوع بحثي. يقول براون إن الجبهة «قد تكون الحزب الأكثر ديمقراطية في المنطقة من ناحية الإجراءات الداخلية» (ص 3). ويشير أيضا إلى أن جبهة العمل الإسلامي «أقامت مجموعة رائعة من الهياكل الداخلية الديمقراطية. فقادة الحزب ينتخبهم الأعضاء، وهناك تغيير منتظم في المناصب العليا» (ص 6). يركز براون على جبهة العمل الإسلامي. في المقابل، أسعى في بحثي إلى استكشاف الظروف التي عملت فيها جبهة العمل الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين، وتقييم حالة الديمقراطية في الأردن.
رسالة الدكتوراه التي أعدها الشرعة (1997) موضوعها العملية السياسية التي انطلقت في عام 1989. يذكر الشرعة أن هدفه «استكشاف وتحليل التحرر السياسي في الأردن»، و«مراجعة تجربة الأردن مع المؤسسات النيابية في فترات سابقة» (ص 1). الجزء ذو الصلة ببحثي في رسالته متعلق بفترة 1989-1993. حتى في هذا الجزء، مقاربة الشرعة عامة، فهو يغطي كل الأحزاب، وليس فقط جماعة الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي.
يقول الشرعة مستنتجا: «يبدو أن هناك اتفاقا غير مكتوب بين الملكية والإسلاميين، مما أدى إلى ما يمكن وصفه بأنه التزام المعارضة الرئيسية المحتملة بقواعد عملية التحرر» (ص 323).
يدلي فيكتورفيتش (2001) برأي مماثل، فيما يتعلق بجماعة الإخوان المسلمين، عندما يقول إن الجماعة «لم تتحد قط تحديا جادا شرعية أو سلطة النظام الحاكم» (ص 95). في المقابل، «جماعة الإخوان المصرية خاضت اشتباكات عنيفة مع الرئيس عبد الناصر».
رغم أن فيكتورفيتش يذكر «علاقة ودية وتعاونية نسبيا مع الملكية الهاشمية» (ص 95)، إلا أنه يشير أيضا إلى قضايا اختلف عليها الطرفان، مثل الوجود البريطاني في الأردن؛ والعلاقة مع شاه إيران في فترة 1978-1979؛ ودعم الأردن للعراق خلال الحرب بين إيران والعراق؛ والحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع مصر عندما قطعت الدول العربية الأخرى علاقاتها مع مصر بعد توقيعها اتفاقية كامب ديفيد (ص 99).
يدرس مودل (2002) العلاقة بين الدولة والجماعات الدينية في مصر وإيران والأردن وسورية. ويقول إنه درس في الدول العربية الثلاث العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين. توجد في مصر حركة قبطية نشطة لم يشملها مودل في كتابه. العنصر المشترك بين دراسة مودل وبحثي هو الأردن والعلاقة بين الدولة وجماعة الإخوان المسلمين.
يدافع مودل عن فكرة «الاستثنائية الأردنية» لأنه على عكس سورية ومصر، لم يكن في الأردن اضطهاد لجماعة الإخوان المسلمين. ويقول مودل إن «سياسة الاستيعاب التي مارستها الدولة مع الجماعة عززت التحالف الهاشمي-الإخواني» (ص 3). هذا رأي آخر غير نقدي للعلاقة بين الجانبين. ولا يصمد أمام التمحيص على ضوء الأحداث اللاحقة وبعد تولي الملك عبد الله الثاني الحكم في عام 1999.
إضافة إلى ذلك، يحتاج الحديث عن سياسة استيعابية (جامعة) إلى التمحيص للتأكد إن كانت كذلك، وإلى أي مدى. الجردة الديمقراطية تطرح أسئلة محددة في هذا الصدد. ما يقال عن اتفاق (مكتوب أم غير مكتوب) بين النظام وجماعة الإخوان المسلمين لا يمكن أن يكون صحيحا إذا نظر المرء إلى التطورات أثناء الفترة الزمنية التي تنتهي بالعام 2010.
جماعة الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي قاطعتا انتخابات عام 1997 و2010. والعلاقة بين الملك عبد الله الثاني وجماعة الإخوان المسلمين والجبهة اختلفت عن التي كانت في عهد الملك حسين. وأصبحت العلاقة بين الحكومات الأردنية وجماعة الإخوان المسلمين علاقة خصومة.
تتطرق بولبي (1999) إلى مسألة شعبية الإخوان المسلمين في الانتخابات وتحاول تفسير الأسباب. رغم نقص المعلومات عن نتائج الانتخابات فيما يتعلق بالجنس والمهنة، إلا أنها تقول (ص 105):
«تحليل توزيع النتائج في المناطق تظهر مقدرة الجماعة على جذب الأصوات من جميع الطبقات الاجتماعية وكل من الفلسطينيين والشرق أردنيين. وقد انتخب مرشحو الجماعة في المراكز الحضرية في عمان وإربد، اللتين يوجد فيهما أكبر تجمع للفلسطينيين، الذين تتراوح أوضاعهم بين الأثرياء والفقراء من ساكني المخيمات. وفاز مرشحو الجماعة بمقاعد أغنى الدوائر الانتخابية في عمان، حيث تعيش نخبة رجال وسيدات الأعمال الفلسطينيين والشرق أردنيين».
وبناء على ما سبق، تختلف بولبي مع الرأي الذي يفسر شعبية الجماعة بـ «تفسير عام سياسي أو اقتصادي واحد». وتستشهد بما قاله باحثون آخرون، مثل ديفيز، ومارتي، وأبليبي، الذين يختلفون في الرأي مع من يقللون من أهمية الدين في حياة الناس (ص 106).
دراسة بولبي واقعية في مقاربتها، وخاصة في اعترافها بأن جماعة الإخوان المسلمين تحظى بدعم مختلف شرائح سكان الأردن. ولكنها تكرر أيضا نقد الحركات الإسلامية عموما بأن أيديولوجيتها غامضة، وأن «أجندتها السياسية»، كما تقول، «غير محددة» (ص 115). الوثائق الصادرة عن جماعة الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي المذكورة أعلاه لا تؤيد هذا الاستنتاج. ولكن لكي يكون المرء منصفا، يمكن القول إن تلك الوثائق لم تكن متوفرة وقت قيامها ببحثها في الأردن.
نويون (2003) تقول إن الأردن «سمح للإسلاميين بحرية أكبر للتنظيم، وبإدارة ذاتية أكبر في نشاطاتهم الاجتماعية والسياسية مقارنة بمعظم الدول العربية الأخرى (ص 81). هناك بعض التعميم هنا، وخاصة فيما يتعلق بالأنشطة السياسية، التي لا تزال الحكومة الأردنية تبدي لها العداء، وتمنع في بعض الأحيان إقامة نشاطات سياسية.
يدرج روبنسون (1998) الأردن ضمن تصنيف «الدولة الريعية»، أي الدولة التي تعتمد على «نسبة كبيرة من عائدات الحكومة على الريوع الدولية بدلا من الضرائب المباشرة» (ص 389). وفيما يتعلق بانتخابات 1993، يختلف روبنسون مع الرأي القائل إن شعبية الإسلاميين تراجعت. ويقول إن نتائجهم كانت «حسنة جدا في نظام انتخابي صمم بشكل واضح للعمل ضد مصلحتهم» (ص 399). ومقياس النجاح يعكسه الفوز بـ«أكثر من ربع مقاعد البرلمان»، الذي يعادل «ثلث عدد المقاعد المستثناة من الكوتا» (ص 399).
يعزو روبنسون نجاح جماعة الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي إلى ثلاثة عوامل هي: (أ) أنهما الجهة «الأفضل تنظيما» التي تمكنت من تقديم «خدمات اجتماعية في أماكن وجود الحكومة فيه ضعيف في هذا المجال؛ (ب) المرشحون يعتبرهم الناخبون أتقياء، وليسوا أنانيين، وغير فاسدين؛ (ج) القضية الفلسطينية وتأييد الفلسطينيين في المدن الأردنية (ص 399).
درست لست-أوكار (2001) الأحزاب السياسية في الأردن، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي. في انتخابات الخمسينيات، تشير لست-اوكار إلى أن «جماعة الإخوان المسلمين لم تحصل قط على أكثر من أربعة مقاعد، أو %10 من مقاعد البرلمان في أي دورة انتخابية. وكانت نتائج حزب التحرير أسوأ، إذ فاز بمقعد واحد فقط في انتخابات 1954 و1956» (ص 558). أما الجماعة والجبهة فقد «فازا باثنين وعشرين مقعدا في انتخابات 1989، وستة عشر مقعدا في انتخابات 1993» (ص 558). تفسر لست-اوكر تغير الشعبية عما كانت عليه في الخمسينيات والنجاح الذي تحقق بثلاثة أسباب:
أولا، جماعة الإخوان المسلمين «عملت بشكل علني خلال السبعينيات والثمانينيات [...] كمنظمة اجتماعية».
ثانيا، بنت جماعة الإخوان المسلمين «القوة التنظيمية» نتيجة وجود مقر لها في الأردن (على خلاف الأحزاب الأخرى). ونتيجة لذلك، أسست جماعة الإخوان المسلمين «مؤسسات خدمة اجتماعية مثل المستشفيات والجمعيات الخيرية، ما أدى إلى اشتهارها وتعزيز علاقتها مع الجماهير».
ثالثا، «استفاد الإسلاميون من التطورات الإقليمية»، أي «الثورة الإيرانية وزيادة نشاط المنظمات السياسية الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة». ونتيجة لذلك، تمكنت الجماعة من «الاستفادة من هذا الارتفاع الإقليمي في الشعبية» (ص 558-559).
الأسباب التي ذكرها روبنسون ولست-أوكار بحاجة إلى إعادة نظر لأن الجماعة والجبهة لم تتمكنا من الحفاظ على النتائج الجيدة التي تحققت في عام 1989 و1993. الأسئلة التي تجب الإجابة عنها في هذا الصدد تتعلق بما إذا كانت الجماعة والجبهة استنفدتا جاذبيتهما، أم أصبحتا أقل تنظيما، أو أن هناك سببا آخر؟
درس نولز (2005) الاقتصاد السياسي في الأردن منذ عام 1989، مما يجعل دراسته ذات صلة ببحثي. يركز نولز على الاقتصاد السياسي ولا يتطرق لمسألة (عدم) التوافق بين الديمقراطية والإسلام (السياسي)، أو حالة الديمقراطية في الأردن. يدرج نولز الاقتصاد الأردني ضمن فئة الاقتصاد الريعي. تعود أهمية هذا التصنيف إلى أن وجود آراء ترى أنه من غير المرجح أن تنشأ الديمقراطية في دولة ريعية. على سبيل المثال، يشير روبنسون (1998، ص 390) إلى أن إحدى سمات الدولة الريعية جعل المجتمع غير مسيّس. ويقول إن
الدول الريعية في وضع أفضل لمقاومة المطالب بتوسيع كبير للديمقراطية إذا كانت الأزمة المالية محدودة من ناحيتي الوقت والنطاق [...] أما إذا اضطرت الدولة الريعية لأسباب متعلقة بالموازنة إلى استخراج موارد أكبر من مجتمعها بصورة دائمة (أي من خلال فرض الضرائب)، عندئذ يصعب عليها أن تقاوم تلبية المطالب بالمزيد من المشاركة وإعادة هيكلة سياسية جوهرية (ص 389).
كما أشرت، يصف روبنسون العملية التي بدأت في الأردن في أواخر الثمانينيات بأنها «ديمقراطية دفاعية». ويعرّف هذا المصطلح بأنه «عملية تتألف من سلسلة من الإجراءات الاستباقية تهدف إلى الحفاظ على مزايا النخبة في الأردن، وفي الوقت نفسه تحد من جاذبية تغيير سياسي أكثر جوهرية» (ص 387). ويقول إن الملك حسين «سعى إلى تقويض القوة الاجتماعية الوحيدة القادرة قانونيا على عرقلة سياسات النظام الرئيسية، أي جماعة الإخوان المسلمين، وحزبها السياسي، جبهة العمل الإسلامي» (ص 387). ووفقا لروبنسون، «كانت المهمة الأساسية للبرلمان إضفاء الشرعية على أجندة الملك حسين» (ص 393). بالنسبة إلى هذه المسألة، تجدر الإشارة إلى أن الجردة الديمقراطية تغطي دور البرلمان في المساهمة في تعزيز الديمقراطية. ولذلك، سيكون هناك تقييم تفصيلي قد يؤيد هذا الاستنتاج أو يقوضه.
ويستنتج الشرعة (1997) أن «الأردن برز بوصفه البلد الأكثر انفتاحا ديمقراطيا في العالم العربي، بمعنى أن كل الجماعات والاتجاهات السياسية، بما في ذلك الإسلاميون، يمكنها المشاركة في العملية السياسية» (ص 323). ليس واضحا ما يعني الشرعة بقوله «الأكثر انفتاحا ديمقراطيا»، وسبب اختياره المقارنة ضمن العالم العربي فقط.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحال: هل توجد دول ديمقراطية في العالم العربي؟ وكيف يمكن استنتاج أن الأردن الأكثر ديمقراطية بينها؟ التقييم الذي توصل إليه لا يعتمد على أحد الأساليب المستخدمة لتقييم حالة الديمقراطية في بلد معين.
تقول شويدلر (2006) إن الأردن ليس «قريبا من تلبية المظاهر الأساسية للديمقراطية» (ص 2). ويوضح لينش (1999) أن دراسته «ليست تاريخا سياسيا شاملا للأردن، ولا لمحة عامة عن النظام السياسي الأردني» (ص 31). لدراسته علاقة بنظرية العلاقات الدولية. ولكن جزءا من دراسته له صلة ببحثي، والمقصود إشارته إلى الوضع في الأردن منذ عام 1989 وقوله إن «النقاش السياسي في الأردن أصبح حرا ومفتوحا إلى حد لافت، حتى حول أكثر المواضيع حساسية» (ص 31). هذا هو مثال آخر على تقييم لا يستند إلى معايير محددة جيدا.
يستخدم روبنسون (1998) مصطلحي «الدمقرطة» و«التحرير» عندما يشير إلى العملية التي بدأت في عام 1989. عندما يستخدم «دمقرطة» يقول إنها «لم تتبع نفس مسار التحولات الديمقراطية الأخيرة» في أماكن أخرى من العالم. وعندما يستخدم «تحرير» يقول إنها «سلسلة من التدابير الاستباقية التي تهدف إلى الحفاظ على مزايا النخبة» (ص 347). التقييمات والأحكام السابقة لا تذكر المعايير التي استخدمت في الوصول إليها.
تنقل ميلتون-إدواردز (1993) عن فاينر (1970) تصنيفه الأردن بأنه «ديمقراطية شكلية». وتجري اختبارا لتحديد ما إذا كان تصنيف فاينر لا يزال ينطبق على الأردن، وتستنتج أنه على الرغم من حدوث تغييرات منذ 1989، «لا يوجد الكثير من الأدلة التي تناقض تصنيف فاينر للأردن بأنه «ديمقراطية شكلية» (ص 201). ولكن من الطبيعي أن يتعرف الإنسان أولا على معايير فاينر قبل مزيد من النقاش لهذا الاستنتاج.
يعرف فاينر (1970) الديمقراطية الشكلية بأنها «نظام يتم فيه إنشاء مؤسسات الديمقراطية الليبرالية وعملياتها وضماناتها من الناحية القانونية، ولكنها في الممارسة تستغل أو تنتهك من قبل سلطة أقلية تاريخية (أولغارشية) للبقاء في السلطة» (ص 441). إذا استخدمنا هذا التعريف كمقياس غير دقيق، يمكن القول إن استنتاج ميلتون-إدواردز ليس خاطئا. ولكن المعايير المستخدمة في الوصول إلى الاستنتاج ليست مفصلة تفصيلا كافيا.
إضافة إلى ذلك، علق الأردن الحياة البرلمانية بعد حرب عام 1967، وبعد الاشتباكات [3] التي وقعت في أيلول 1970، لم تكن هناك مؤسسات أو عمليات أو ضمانات يمكن وصفها بأنها ديمقراطية ليبرالية.
من الصحيح ملاحظة أن الاهتمام الأول للسلالة الحاكمة البقاء في السلطة واستغلال وانتهاك المؤسسات من أجل ذلك، كما ورد في تعريف فاينر للديمقراطية الشكلية. معايير فاينر ليست دقيقة إلى حد يمكّن من قياس الجوانب المختلفة لنظام ديمقراطي. وهذا يدعو إلى البحث عن معايير أفضل لتقييم حال الديمقراطية في دولة ما. الجردة الديمقراطية تتيح القيام بعملية تقييم تفصيلية.
تدرس جمال (2007) العوائق أمام الديمقراطية في فلسطين والأردن ومصر والمغرب. وتشير إلى أن «الحديث عن المجتمع المدني ظل سمة أساسية من سمات مبادرات الترويج للديمقراطية» (ص 1). وتسعى جمال إلى اختبار ما إذا كانت منظمات المجتمع المدني في هذه الدول تعزز «الديمقراطية» أم تثبطها.
تقول جمال إن «العلاقة بين الجمعيات والحكومات الزبائنية والاستبدادية تختلف كثيرا عن العلاقة بين الجمعيات والدول الديمقراطية» (ص 3). بالنسبة إلى الأردن، تشير جمال إلى القانون الأردني بشأن المنظمات الطوعية وغير الحكومية الذي يعطي السلطات «حق الدخول إلى مكاتب أي منظمة غير حكومية لمراجعة سجلاتها» (ص 121).
لأن جمال تدرس المجتمع المدني في أربع دول، فقد اضطرت للحديث بإيجاز عن كل بلد. ورغم أن مساهمتها البحثية في مجال المجتمع المدني قيمة، إلا أن تقييم وضع الديمقراطية في الدول الأربع ليس موضوع دراستها. الجردة الديمقراطية تطرح أسئلة ذات صلة بالمجتمع المدني، وسيؤدي ذلك إلى ظهور صورة أوضح له، وللحالة العامة للديمقراطية في الأردن.
يدرس مسعد (2001) مسألة صنع الهوية في الأردن. ويوضح أن نيته «وصف وتحليل العمليات التي تم من خلالها تشكيل أمة من أناس وأراض في عام 1921، وكيف تقبل الناس هذه التسمية، وخلال عقود أصبحوا يطالبون بحقوق سياسية على هذا الأساس» (ص 14). الجزء ذو الصلة ببحثي في دراسة مسعد نقاشه للعلاقات بين الفلسطينيين والشرق أردنيين. ويقول مسعد إن التمييز ضد الفلسطينيين «أصبح على نحو متزايد مؤسسيا: فتمثيلهم في الحكومة أقل، والتوظيف في القطاع الحكومي أقل، والفرص الأكاديمية أقل، وحصول على مال عام أقل» (ص 13-14).
رغم أن بحثي يغطي العلاقات بين والفلسطينيين والشرق أردنيين في سياق تاريخي الأردن وفلسطين، وفي سياق الجردة الديمقراطية في الجزء المتعلق بالاتفاق على المواطنة، إلا أن منهجية بحثي مختلفة تماما. بحث مسعد مرتبط بدراسات الثقافية والهوية.
يدرس غننغ (2009) حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الجناح المسلح لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين. اخترت أن أتناول كتابه في هذه المراجعة لوجود صلة عضوية بين جماعة الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي في الأردن وجماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس في فلسطين.
درس غننغ وثائق حماس وأجرى مقابلات مع قادتها لتحديد مدى تأثر قراراتهم بالنظرية السياسية والديمقراطية. يقول غننغ: «النظرية السياسية تؤثر على نظرة حماس الطوباوية للعالم، وقراراتها اليومية» (ص 55). أتفق معه إلى حد ما، ويقتصر الاتفاق مع رأيه على أن قادة حماس متعلمون، وبعضهم قد يكون ملما بالنظريات السياسية ومتأثرا بها. لكني لا أستطيع أن أتفق معه بشأن أنه عندما يجتمع قادة حماس لاتخاذ قرار فإنهم يناقشون النظرية السياسية، وكيف يمكن أن يستفاد منها في اتخاذ القرارات التي يتعين اتخاذها.
لا يتفق غننغ مع الرأي الذي يقول إن حركة حماس غير قادرة على التغير. ويضيف: «السياسة ليست ساكنة أبدا. ولا المنظمات السياسية». ويوضح أيضا أن «حماس تغيرت منذ إنشائها» (ص 2). تؤيد الأدلة رأي غننغ في هذا الجانب. على سبيل المثال، حماس لم تشارك في الانتخابات الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو، ولكنها شاركت وفازت في عام 2006. وينطبق المبدأ نفسه على جماعة الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي في الأردن. لقد تغيرتا أيضا.
مراجعة الأدبيات: الخاتمة
تكشف مراجعة الأدبيات أعلاه وجود خمس فجوات. الفجوة الأولى ذات علاقة بالزمن. الأدبيات التي وردت في المراجعة تغطي جزءا من الفترة الزمنية التي يعنى بها بحثي (1990-2010)، وتتوقف عند الانتخابات التي جرت عام 1993. وهذا يعكس زيادة في الاهتمام بالأردن بعد أن قرر الملك حسين إجراء انتخابات في عام 1989، ويبدو أن الاهتمام انحسر بعد سنوات قليلة. لم يدرس أي من البحوث الواردة في المراجعة حال الديمقراطية في الأردن على مدى عشرين عاما.
لأن التقييم في الأدبيات كان مقتصرا على بضع سنوات بعد انتخابات 1989، فإن الاستنتاجات التي تم التوصل إليها في حينه أصبح التعويل عليها مشكوكا فيه. على سبيل المثال، الرأي الذي قال إن جماعة الإخوان المسلمين أو الجبهة هما الطرف الأكثر تنظيما في عامي 1989 و1993 يفسر العدد الكبير من المقاعد الذي حصلا عليه في تلك الدورتين.
ولكن العامل نفسه لا يفسر سبب انخفاض عدد المقاعد التي حصلا عليها في الانتخابات اللاحقة، والتي انخفضت إلى ستة في عام 2007. لم يكن أي من الدراسات في وضع يمكنها من تقييم وضع الديمقراطية في مرحلة تدعو إلى مثل هذه التقييم، أي بعد مرور فترة زمنية تعادل جيلا.
ثانيا، هناك تركيز في الدراسات على الجماعة والجبهة أكبر من التركيز على الحكومة في تقييم العملية الديمقراطية. هناك تمحيص بشأن الشعارات أو البرامج أو عدم وجودها، وجاذبية الجماعة والجبهة. ولكن لا تحتوي الدراسات على تقييم مفصل لحال الديمقراطية في الأردن، وخاصة دور الحكومة في تحسين أو إعاقة الدولة الديمقراطية.
ترتبط الفجوة الثالثة بالمنهجيات. باستثناء البريزات، الذي أجرى استطلاع رأي، استخدم الباحثون الآخرون مقابلات معمقة وطرق البحث الإثنوغرافية. لذلك، هناك ميزة واضحة لاستخدام منهجية الجردة الديمقراطية للحصول على تقييم مفصل يجريه الأردنيون. الجردة الديمقراطية تمكّن من مقارنة الدول التي أجريت فيها جردة ديمقراطية، أو ستجرى في المستقبل.
الفجوة الرابعة تتعلق بالدراسات التي تشمل أكثر من دولة، فرغم وجود مزايا لها، وخاصة من ناحية محاولة تعميم الاستنتاجات، إلا أن الاهتمام بأكثر من دولة يدفع الباحثين إلى الإيجاز في الحديث عن حالة كل دولة نتيجة وجود سقف زمني لإجراء البحث وحد أقصى لعدد كلماته. هذا الإيجاز يؤدي إلى خيبة أمل القارئ نتيجة عدم التعمق في الموضوع.
الميزة الخامسة للقيام بجردة لوضع الديمقراطية في الأردن هي اختبار هذه المنهجية. تولى المنهجيات أولوية كبرى في البحوث. لا يمكن الباحثين أن يعدوا بحثا دون استعراض الأساليب المستخدمة.
الأساليب التي استخدمت كثيرا على مر الزمن أصبحت مستقرة، ويتطلب اختيارها تبريرا أقل، لأنها اختبرت مرارا، والشك في جدواها انحسر. في حال الجردة الديمقراطية، هناك فرصة لاستخدام منهجية جديدة واختبارها في الوقت نفسه. حتى لو ثبت أنها منهجية لا يعوّل عليها، هناك فوائد تجنى من اختبارها، منها التأكد من أنها صالحة أو غير صالحة، أو أن هناك حاجة لتعديلها. ولكن الجردة الديمقراطية ستنشر ضمن كتاب مستقل، ويمكن حاليا الاطلاع عليها بالإنجليزية، فهي منشورة في الإنترنت.
= = =
[1] منشور في موقع الملك حسين الرسمي
http://www.kinghussein.gov.jo/speeches_letters.html
[2] فيما يتعلق بفكرة «الانتخابات دون ديمقراطية»، يوضح صدّيقي (2009) بصورة موسعة أن العالم العربي شهد ظاهرة يسميها «الانتخابية» و«الهوس الانتخابي» في فترة 1975-1997 (ص 7).
[3] امتنعت عن استخدام «أيلول الأسود» من منطلق الاحترام لإخوتنا وأخواتنا في الإنسانية ذوي البشرة السوداء، الذين يشعرون بالاستياء من ربط الأمور السلبية باللون الأسود.
توثيق المقتطفات من الكتاب في الهوامش (أسلوب شيكاغو):
النسخة الورقية:
1. عدلي الهواري، الديمقراطية والإسلام في الأردن: 1990-2010 (لندن: عود الند، 2018)، ص - -.
توثيق النقل من الموقع:
يحذف من التفاصيل أعلاه رقم الصفحة، ويضاف إليها رابط الصفحة المنقول منها.
توثيق الكتاب في قائمة المراجع:الهواري، عدلي. الديمقراطية والإسلام في الأردن: 1990-2010. لندن: عود الند، 2018.
عنوان الكتاب يكتب بخط مائل أو يوضع تحته خط.
- غلاف متوسط: الديمقراطية والإسلام