كتاب: اتحاد الطلبة المغدور
خطوات تدمير الاتحاد
د. عدلي الهواري
جردت الهيئة التنفيذية إرسال أمين سرها زهير الوزير للأشراف على المؤتمر الثالث من أي قيمة، فهو أوفد لضمان أن تسير الإجراءات بشكل سليم، وكان بيده حق فيتو، ولكنه لم يستخدمه، وهذا يعني أن الإجراءات كانت سليمة، والإجراء الطبيعي في حالة كهذه توصيته باعتماد التعديلات، ثم موافقة الهيئة التنفيذية عليها رسميا. في التراجع عن قبول التعديلات ضرب لمصداقية الموفد، زهير الوزير، كفرد، ومصداقية الهيئة التنفيذية ككل، فهي مارست الإشراف على المؤتمر الثالث ومجرياته من خلاله، ولكنها تراجعت عن الالتزام بما ترتب على هذا الإشراف.
تمهيد لتجميد الهيئة الإدارية
زاد عمق التباين في وجهات النظر بين مؤيدي تيار فتح بعد حدوث الانتفاضة/الانشقاق. وبعد صدور «الحقيقة» بدأ تبلور تيارين، ومحاولات إقصاء من اعتبر مؤيدا لما جرى في فتح، وبدأت أيضا عملية استهداف الهيئة الإدارية للاتحاد، فممثلو تيار فتح فيها كانوا أغلبية أعضاء الهيئة، ولكن بعد تبلور تيارين، لم تكن الأغلبية بين الأعضاء الستة الذين يمثلون تيار فتح من التيار المؤيد للقيادة.
لم يكن من الصعب على من يتمتع بتأييد أغلبية أعضاء الاتحاد في الولايات المتحدة أن يتمكن من تغيير مسار الاتحاد وهيئته الإدارية وبرامجه وطبيعة نشاطاته من خلال عملية ديموقراطية تحدث كل سنة، وأقصد الانتخابات الدورية لاختيار لجان الوحدات، ومندوبيها إلى المؤتمر السنوي، حيث تعتمد البرامج وتنتخب الهيئة الإدارية.
وبالأسلوب الديموقراطي كان ممكنا استبدال كل أو بعض أعضاء الهيئة الإدارية، دون التأثير على عمل الاتحاد أو وجوده. ومن المفارقات أن ما أشرت إليه في حديثي عن المؤتمر التأسيسي حول ما قيل عن تهديد أنصار فتح بحل الاتحاد إذا لم يحصلوا على أغلبية أعضاء الهيئة الإدارية، قد طبق بصيغة معدلة، ولكن ليس في سياق خلاف بين تيار فتح وتيار آخر، بل في سياق خلاف داخل فتح.
لقد أخطأ من هدد في المؤتمر التأسيسي بحل الاتحاد للحصول على الأغلبية في الهيئة الإدارية، فعندما عاد مؤيدو فتح إلى مدنهم وجامعاتهم، كثفوا جهودهم من أجل تحقيق نتائج أفضل في المؤتمر الذي بعده، وكان لهم ثلثا مندوبي المؤتمر الثاني، والثلث الثالث لفصيلين متحالفين عادة. وبفضل هذه الأغلبية، حصل مؤيدو فتح على ثلثي الأعضاء في الهيئة الإدارية أيضا، وتكرر هذا النجاح في المؤتمر الثالث. ونظرا لتوفر المسار الديموقراطي، لم تكن هناك حاجة للجوء إلى أحد خارج الولايات المتحدة للحصول على أغلبية في الهيئة الإدارية في عام 1980، وكذلك الأمر بعد ثلاث سنوات.
لكن الاستقواء بالهيئة التنفيذية حدث فعلا بعد الانتفاضة/الانشقاق في فتح. وتولت الهيئة التنفيذية للاتحاد العام لطلبة فلسطين مهمة عرقلة العمل الديموقراطي داخل فرع الاتحاد في الولايات المتحدة لضمان وضعه في أيدي هيئة تكون الأغلبية فيها ممن يؤيدون القيادة مهما فعلت وقررت، وبدون تعاون مؤيدي الجبهتين الشعبية والديموقراطية إذا استلزم الأمر ذلك.
العرقلة بدأت تدريجيا، والخطوة الأولى كانت برفض التعديلات التي تبناها فرع الاتحاد في مؤتمره الثالث، رغم أن المؤتمر تم بحضور زهير الوزير، وهو أمين سر الهيئة التنفيذية، وشقيق خليل الوزير (أبو جهاد) القائد العسكري في حركة فتح، أي أن الإشراف على المؤتمر لم يكن من شخص غشيم، أو بعيد عن القيادة.
مرت ستة شهور قبل أن ترسل الهيئة التنفيذية قرارا بشأن قبول التعديلات أو رفضها، وجاء الرد بعد رسالة تذكير من الهيئة الإدارية. وفي رسالة حملت تاريخ 28 حزيران/يونيو 1983، أبلغت الهيئة التنفيذية فرع الولايات المتحدة برفض التعديلات، بالصيغة التالية:
نذكركم بأن هذه اللائحة موحدة لكافة الفروع لا يجوز التعديل عليها تحت أي ظرف من الظروف، إلا في بعض الأمور التي تخص الساحة لتنشيط العمل في الاتحاد بحيث لا تتعارض مع مواد اللائحة الداخلية المقرة.
ويترك لممثلي فرعكم للمؤتمر الوطني التاسع [الجزائر؛ شباط/فبراير 1984] بالنقاش داخل المؤتمر لتعديل بعض المواد المقترحة من قبلكم والذي له الحق بالتعديل والتغيير في أي مادة للائحة الداخلية.
ووصلت رسالة ثـانية من الهيئـة التنفيذيـة تحمل تاريخ 12 آب/أغسطس 1983 تطلب فيها من الهيئة الإدارية «طباعة أو تصوير هذا الكتاب إضافة إلى البيان المرسل حول اجتماعات المجلس المركزي الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية وإرساله إلى كافة الوحدات في فرعكم واتباع هذه الطريقة بصفة مستمرة حيث سترسل إليكم نسخة من المواد الصادرة والتي يهمها إيصالها إليكم على أن تقوموا بإيصالها إلى كل الوحدات وليطلع عليها كل أعضاء الجمعية العمومية لفرعكم».
وفي رسالة أخرى تحمل تاريخ 27 آب/أغسطس 1983، أعادت الهيئة التنفيذية تذكير فرع الولايات المتحدة بأن تشكيل مجلس متابعة «يتعارض تماما واللائحة الداخلية للفروع ودستور الاتحاد وخاصة أن مثل هذا المجلس لا يمكن تشكيله إلا بموافقة من المؤتمر الوطني التاسع»، وأضافت «أن اجتماعات مثل هذا المجلس تكون غير دستورية». مجلس المتابعة لم يكن عقد اجتماعات منذ انتخابه انتظارا لقرار من الهيئة التنفيذية بشأن قبول أو رفض التعديلات بما فيها تشكيل مجلس المتابعة.
عقد المؤتمر الوطني التاسع للاتحاد في الجزائر في شهر شباط/فبراير 1984، ولا أدري كم من مندوبي فرع الولايات المتحدة شارك فيه، هذا إن شارك أحد. وبقدرة قادر، تضمن تقرير الهيئة التنفيذية للمؤتمر اتهامات للهيئة الإدارية لفرع الولايات المتحدة. وعددت رسالة من الهيئـة التنفيذية تحمـل تاريخ 8 آذار/مارس 1984، أربعة اتهامات:
(1) عدم توزيع «بيانات ومواقف الاتحاد الصادرة عن الهيئة التنفيذية على وحدات الفرع».
(2) قيام الهيئة الإدارية بمصادرة «جزء كبير من صلاحيات وأعمال الوحدات إلى درجة الاعتراض على أي أدبيات توزعها أي وحدة. مع العلم أن موقف الوحدات ملتزم بالخط السياسي للمركز، بعكس الوضع تماما مع الهيئة الإدارية في الآونة الأخيرة».
(3) «اتخاذ مواقف صادرة عن الفرع (الهيئة الإدارية) تتعارض مع الخط السياسي للاتحاد والمواقف المركزية المعلنة عنه».
(4) «تشكيل مجلس متابعة للفرع منبثق عن المؤتمر القطري (السنوي) وهو الأمر المخالف للائحة الداخلية».
وبناء على تلك الاتهامات الأربعة، قالت الهيئة التنفيذية في رسالتها إن المؤتمر الوطني التاسع كلفها بتنفيذ الإجراءات التالية:
أولا: تأجيل إجراء انتخابات لجان الوحدات والمؤتمر السنوي للفرع.
ثانيا: إرسال وفد للقيام بدراسة ميدانية لأحوال وأوضاع الفرع ووحداته واتخاذ ما يلزم بخصوص العضوية.
ثالثا: أن تعمل الهيئة التنفيذية بعد الاطلاع على الدراسة المقدمة من الوفد بالعمل ميدانيا لإزالة جميع العقبات أمام نشاط وفعالية الفرع.
الاستنتاجات الأولية مما ورد في الرسائل المشار إليها أعلاه توضح أن اتحادا له فروع في مختلف أنحاء العالم يدار كما لو كان فرعا في دولة عربية صغيرة، كلبنان مثلا، يمكن إدارة عمل وحداته وفق لائحة داخلية موحدة. ومع أن رسالة الهيئة التنفيذية الأولى أعلاه تجيز تعديلات غايتها تسهيل العمل، إلا أن الهيئة التنفيذية تحتكر حق تحديد التعديل الذي يسهل العمل، وهي في موقع جغـرافي لا يمكنها من ذلك، فتعديل يؤدي إلى تسهيل عمل فرع مصر مثلا، قد لا يكون مناسبا لفرع روسيا.
كان لفرع الولايات المتحدة وضع لا يشبه وضع فـرع آخر إلا إذا كان في دولة كبيرة بحجم الولايات المتحدة التي تتكون من خمسين ولاية، وساحلها الشرقي يبعد عن الغربي أكثر من خمس ساعات في الطائرة. والتجربة المستندة إلى الفترة التأسيسية وما بعدها بينت الحاجة إلى ترتيبات إضافية غايتها تسهيل العمل. وفكرة تشكيل مجلس إداري (سمي مجلس متابعة) مستوحاة من هيكل الاتحاد نفسه، الذي له هيئة تنفيذية ومجلس إداري.
إضافة إلى ما سبق، جردت الهيئة التنفيذية إرسال أمين سرها زهير الوزير للأشراف على المؤتمر الثالث من أي قيمة، فهو أوفد لضمان أن تسير الإجراءات بشكل سليم، وكان بيده حق فيتو، ولكنه لم يستخدمه، وهذا يعني أن الإجراءات كانت سليمة، والإجراء الطبيعي في حالة كهذه توصيته باعتماد التعديلات، ثم موافقة الهيئة التنفيذية عليها رسميا.
في التراجع عن قبول التعديلات ضرب لمصداقية الموفد، زهير الوزير، كفرد، ومصداقية الهيئة التنفيذية ككل، فهي مارست الإشراف على المؤتمر الثالث ومجرياته من خلاله، ولكنها تراجعت عن الالتزام بما ترتب على هذا الإشراف.
من الاستنتاجات الأخرى أن الهيئة التنفيذية تقلص أدوار الهيئة الإدارية لفرع الولايات المتحدة إلى دور ساعي البريد، أي توزيع الرسائل وحسب. لم تكن الهيئة الإدارية تحجم عن توزيع أي مادة تصلها من الهيئة التنفيذية، والفرع زود مجلة «فلسطين الثورة» بعناوين الوحدات. وقد كانت الهيئة الإدارية تحرص على التزام أنصار كل الفصائل بمواقف منظمة التحرير ومواقف الاتحاد عامة وفرعه في الولايات المتحدة عندما تكون البيانات أو النشرات صادرة باسم الوحدات.
وبالنظر إلى أن ثلاثة تيارات تعمل معا في هيئة إدارية واحدة، لم تتخذ الهيئة الإدارية موقفا مما يجري في فتح، وبالتالي يحق لها أن تعترض على أدبيات تصدر باسم الوحدات إذا كان فيها موقف خارج إطار الموقف المتفق عليه في الاتحاد، ولكنها لا تستطيع منع أنصار التيارات المختلفة، بما في ذلك تيارا فتح، من إصدار نشرات باسم التيارات.
وقد ذكرت في فصول سابقة مجلات مثل «فلسطيننا» و«فلسطين الديموقراطية» و«فلسطين» تصدر عن تيارات مختلفة، ويعبر فيها عن آراء قد تتشابه مع رأي الاتحاد أحيانا، ولكنها أيضا، وربما في العدد نفسه، تعبر عن رأي لا علاقة للاتحاد به. وصدور «الحقيقة» يأتي في هذا السياق، أي أنها تعبر عن رأي حجبه ليس ضمن صلاحيات الهيئة الإدارية، فهي لا تصدر عن وحدة من وحدات الاتحاد.
وقالت رسالة الهيئة التنفيذية إن الهيئة الإدارية صادرت الكثير من صلاحيات الوحدات، ولكنها في الرسالة نفسها صادرت كل صلاحيات الهيئة الإدارية، وحجزت لنفسها مسبقا دورا تنفيذيا سمته «العمل ميدانيا لإزالة جميع العقبات أمام نشاط وفعالية الفرع»، علما بأن أكبر عقبة تمثلت في الهيئة التنفيذية وتدخلها غير المشروع في عمل الاتحاد في الولايات المتحدة.
خطوات أخرى نحو التجميد
بعد أقل من أسبوعين من تاريخ رسالة الهيئة التنفيذية بشأن تأجيل الانتخابات وإرسال موفد، صدر بيان يحمل تاريخ 27 آذار/مارس 1984 عن «المكتب الطلابي المركزي» لأنصار حركة فتح (القيادة) في الولايات المتحدة، وتمت فيه دعوة «جماهير الطلبة إلى الالتزام بتطبيق قرارات الهيئة التنفيذية لنحتفظ لأنفسنا بكافة الحقوق الدستورية في اتخاذ ما يلزم من أجل إقرار وتحقيق الشرعية لمؤسسة الاتحاد العام لطلبة فلسطين».
واختتم البيان بـ«الإشادة بموقف جماهير الحركة الطلابية من أنصار الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين وجبهة التحرير العربية والحزب الشيوعي الفلسطيني ومن المستقلين الذي أعلنوا التزامهم بقرار الهيئة التنفيذية ودعمهم لمنظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها الشرعية».
يجدر بالذكر هنا أنه باستثناء الجبهة الديموقراطية، لم يكن للأطراف المذكورة في الإشادة حضور ككتل في الاتحاد. من غير المستبعد طبعا وجود أشخاص هنا وهناك من أنصار فصائل فلسطينية مختلفة، ولكن القوى السياسية التي كان تعمل في الاتحاد وممثلة فيه هي فتح والجبهتان الشعبية والديموقراطية.
بعـثت الهـيئة التنـفيذية إلى الهيئة الإدارية رسالة أخـرى تحمل تاريخ 3 نيسان/أبريل 1984، ورد فيها أربع نقاط:
(1) تلغى الانتخابات التي تمت في الوحدات السبعة وتستلم اللجان السابقة [في] هذه الوحدات قيادتها مرة أخرى. (2) توجيه إنذار إلى الهيئة الإدارية للفرع على تجاوزها لقرار الهيئة التنفيذية. (3) يكلف الوفد المركزي ببحث أوضاع الفرع وخاصة التنسيب [الانضمام للاتحاد] والعمل على توفير الظروف المناسبة لإجراء الانتخابات. (4) في حالة عدم التزام الهيئة الإدارية يتم تجميدها وتشكل لجنة تحضيرية للفرع.
بعد نحو أسبوع من تاريخ الرسالة السابقة، صدر قرار من الهيئة التنفيذية يحمل تاريخ 11 نيسان/أبريل 1984، فيما يلي نصه: «يكلف الوفد المركزي للاتحاد العام لطلبة فلسطين برئاسة عضو المجلس الإداري الموفد من قبل الهيئة التنفيذية وعضوية عضوة المجلس عن فرع الولايات المتحدة الأميركية ببحث أوضاع فرع الولايات المتحدة وتطبيق قراري الهيئة التنفيذية رقم 1300 ورقم 1432 بخصوص سير العمل في الفرع».
عضوا الوفد المشار إليه في القرار أعلاه هما: عوض، وكان سيأتي إلى الولايات المتحدة، وراما العبد، وهي من أعضاء الاتحاد في الولايات المتحدة، ومن مؤيدي تيار الجبهة الشعبية. أظهر عوض في البداية أنه جاء ليؤدي مهمة نقابية، ورفض أن يلتقي مع أنصار الجبهة الشعبية كطرف سياسي.
وفي اليوم التالي عقد اجتماع للهيئة الإدارية مع الموفد عوض، وفندت الهيئة الإدارية الاتهامات الموجهة للهيئة الإدارية، ولم يعجبه ما سمع، وعاد إلى الفندق. ثم طلب الاجتماع ثانية مع الهيئة الإدارية.
بعد اتصالات بين أنصار الجبهة الشعبية وحركة فتح (الانتفاضة)، كان هناك اتفاق بين أعضاء الهيئة الإدارية الحاضرين على الموافقة على ما طلبته الهيئة التنفيذية ورفع الجلسة فورا. وهذا ما جرى بعد بدء الاجتماع، فقد تم طرح اقتراح بالموافقة على طلبات الهيئة التنفيذية ورفع الجلسة، وتم التصويت على ذلك فورا، وقبل طبعا فهو متفق عليه.
أربك ما حدث حسابات عوض، وتخلى عن القناع النقابي، فطلب اجتماعا سياسيا مع أنصار الجبهتين الشعبية والديموقراطية، وتيار فتح (القيادة) الذي ينتمي إليه، وتجاهل أنصار فتح (الانتفاضة). وأفقده تصرفه بهذه الطريقة النزاهة التي من المفترض أن يتحلى بها أصحاب المهمات الذين يوفدون لحل مشكلة ما، وفي حالة الموفد عوض كان فقدان النزاهة على صعيدين: النقابي والسياسي، فلم يتمتع بالنزاهة اللازمة كموفد نقابي، ولا ككادر سياسي، مهمته التحقيق في وضع ما.
عضو الوفد عوض حوّل دور العضو الآخر، راما العبد، إلى دور هامشي مقتصر على أخذ محضر اجتماع خاص بها، ولم يكن لها أي دور في تفسير قرارات الهيئة التنفيذية أو في تنفيذها.
وكان عوض يرفض الإفصاح عن فهمه لقرار الهيئة التنفيذية، ويشير إلى فهمين متناقضين، فيعطي تفسيرا مرنا إذا شعر أن الموقف يتطلب ذلك، وتفسيرا متشددا (التجميد) إذا شعر بحاجة لإبداء التشدد إزاء الهيئة الإدارية.
ورفض الموفد عوض أن يفسر ما إذا كان إعلان الهيئة الإدارية الالتزام بكل ما طلبته الهيئة التنفيذية كافيا لأن تصبح نقطة التجميد لاغية. وهذا أظهر أنه لم يأت لتنفيذ قرار محدد، بل جاء ليطبخ طبخة سياسية بغطاء نقابي للتخلص من أنصار فتح (الانتفاضة). وهذا تبين بعد إرباكه في اجتماع الهيئة الإدارية، إذ طلب لقاء سياسيا مع ممثلي القوى السياسية ما عدا أنصار فتح (الانتفاضة).
لو كانت الهيئة التنفيذية صادقة في إرسال وفد لاستطلاع الأوضاع في الولايات المتحدة والقيام بالمهمة بنزاهة لطلب الموفد من الهيئة الإدارية أن ترتب له زيارات لأكبر عدد ممكن من وحدات الاتحاد الصغيرة والكبيرة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، أو لطلب من الهيئة الإدارية الاتصال بلجان الوحدات لعقد جمعيات عمومية أو لقاءات موسعة للطلبة الفلسطينيين من مختلف الاتجاهات لتقصي الحقائق.
وكان الموفد عوض يكثر من اللجوء إلى الغضب المصطنع وغير الضروري من بعض الأسئلة التي تطرح عليه، فيرد بقوله: سؤال كهذا غير جدير بالاعتبار. هذا السؤال لا يجوز سؤاله، وإجابات من هذا القبيل. من الأسئلة التي أجاب عنها بغضب مصطنع: هل أخذت القرارات بحق الهيئة الإدارية لفرع الولايات المتحدة في اجتماع للهيئة التنفيذية؟ طرح الأسئلة أمر بديهي، وهناك واجب تقديم إجابات صادقة. والسؤال هذا تحديدا هام ومشروع، فالفترة الزمنية بين رسالة وأخرى، أو قرار قصيرة، ولا يعقل أن الهيئة التنفيذية كانت تعقد اجتماعات دورية ضمن فترة زمنية قصيرة.
تصرف عوض بطريقة من يظن أنه يتعامل مع مجموعة من عديمي الخبرة. وكان يعتبر كل ما يقوله صحيحا دستوريا، حتى لو كان من تأليفه ووليد اللحظة، فقد ألغى صفة «اجتماع هيئة إدارية» عن الاجتماع الذي حضره لإعطاء نفسه حق رفعه ساعة يريد، وهو الذي يريد أن يقرر أي محاضر الجلسة المحضر الرسمي. ولم يستقر على موقف: هل أتى للتحقيق أم لتنفيذ قرار؟ وبرر عوض عقد مؤتمرات لاتحاد الكتاب وغيره رغم أن الأمانات العامة لم تدع لعقدها، فقال إن هذه الأمانات انتهت، واستثنى طبعا الهيئة التنفيذية من هذا الانتهاء، مع أنه كان من المقرر أن تعقد المؤتمر التاسع قبل عامين على الأقل.
توقيت تجميد الهيئة الإدارية ليكون بعد المؤتمر الوطني التاسع للاتحاد خطوة محسوبة، فالتجميد قبل المؤتمر التاسع سيمكّن الهيئة الإدارية من الطعن في شرعية ودستورية القرار في هذا المؤتمر، ورغم أن احتمال موافقة المؤتمر التاسع على قرار التجميد وارد، فإن النقاش حوله له فوائد أيضا، لأن ذلك سيكون في محفل يشارك فيه مندوبون من دول عديدة.
الخطوات التي توجت بالتجميد كانت محسوبة وتدريجية، فهي بدأت بوضع الهيئة التنفيذية اتهامات للهيئة الإدارية ضمن التقرير المقدم إلى المؤتمر التاسع، ولم يطلب التقرير من المؤتمر أن يتخذ قرارا محددا في هذا الصدد. وما يتعلق بفرع ما سيكون ضمن قضايا عديدة، تترك المؤتمرات عادة أمر متابعتها للهيئات القيادية كالهيئة التنفيذية أو الإدارية.
صدور قرار التجميد
استمرت الاتصالات مع الموفد عوض، وجرى بتاريخ 29 نيسان/أبريل 1984 اتفاق بين الهيئة الإدارية والموفد بغية المحافظة على وحدة فرع الاتحاد في الولايات المتحدة.
تضمن الاتفاق ستة بنود تشمل إيقاف الانتخابات، وإلغاء نتائج الانتخابات وعودة لجان الوحدات السابقة إلى مواقعها (حيث جرت انتخابات) وتشكيل لجنة تنسيب مركزية يمثل فيها أربعة أطراف: الجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية وفتح (القيادة) وفتح (الانتفاضة)، والأعضاء الأربعة هم: مضر العبد (الشعبية)؛ خلدون حسن (الديموقراطية)؛ وإسماعيل عبد الرحمن (فتح-الانتفاضة)؛ ويوسف قريوتي (فتح-القيادة).
ولكن الموفد تراجع عن الاتفاق الذي حصل فيه على أكثر مما يستحق، وكان فيه بند مجحف بحق الهيئة الإدارية، وهو أن تصدر بيانا تنتقد فيه «ممارساتها الخاطئة ... وكذلك تجاه الهيئة التنفيذية».
لم يكن الموفد يجتمع مع أنصار تيار فتح (الانتفاضة)، وكان هؤلاء يجرون اتصالات مع أنصار الجبهة الشعبية، وقد انزلق الطرفان إلى التوصل إلى اتفاقات سياسية على حساب الهيئة الإدارية وإدارة شؤون فرع الاتحاد وفق لائحته الداخلية.
بعد أقل من أسبوعين على التراجع عن الاتفاق المذكور أعلاه، صدر قرار باسم الهيئة التنفيذية يحمل رقم 1520 وتاريخ 9 أيار/مايو 1984، وتوقيع نعمان العويني، وتضمن أربعة بنود:
1) تجميد الهيئة الإدارية لفرع الولايات المتحدة.
2) تكليف الوفد المركزي بإجراء الاتصالات اللازمة وتقديم الترشيحات لعضوية اللجنة التحضيرية للفرع.
3) تقوم الهيئة التنفيذية بناء عليه بتشكيل لجنة تحضيرية لفرع الولايات المتحدة والتي تكلف بقيادة الفرع والتحضير لانتخابات الوحدات ومؤتمر الفرع بأسرع وقت ممكن.
4) تقوم الهيئة الإدارية المجمدة بتسليم وثائق الفرع والختم والمالية للجنة التحضيرية بإشراف الوفد المركزي وفي حالة عدم التنفيذ تقوم الهيئة التنفيذية باتخاذ القرارات اللازمة.
من أهم الأخطاء التي ارتكبها تيار فتح (الانتفاضة) والجبهة الشعبية إخراج الموفد من الموقف الذي وقع فيه بعد اجتماع الهيئة الإدارية الذي وافقت فيه على ما طلبته الهيئة التنفيذية ورفع الجلسة فورا.
كان قرار التجميد سيأتي على أي حال، ومجيئه عندئذ أفضل بكثير من مجيئه بعد القبول بمبدأ التوصل إلى اتفاق على حساب الهيئة الإدارية، ويجردها من صلاحياتها، ويكرهها على إصدار بيان تسمى فيه واجبات إدارة شؤون الاتحاد كما في كل سنة منذ التأسيس «ممارسات خاطئة».
في الوقت نفسه توصل الموفد إلى اتفاق على هذه الدرجة العالية من الإجحاف بحق الهيئة الإدارية والتراجع عنه يظهر أنه لم يكن يملك ولو نسبة صغيرة من صلاحية اتخاذ قرار، نقابي أو سياسي، وأن الهدف الحقيقي الوحيد من مهمته أن يجد وسيلة لإقصاء مؤيدي تيار فتح (الانتفاضة) عن أي دور في إدارة شؤون الفرع إقصاء كاملا. وهامش الحركة المتاح له هو محاولة تحقيق ذلك دون تجميد، وموافقته على لجنة رباعية فيها شخص واحد يمثل تيار حركة فتح (الانتفاضة) كان أكبر من الهامش المسموح له بالتحرك داخله.
ثمة بيان من الهيئة الإدارية يحمل تاريخ 25 حزيران/يونيو 1984 موجه إلى أعضاء الاتحاد، يبلغهم بأن الموفد تراجع عن اتفاق البنود الستة، وتضمن البيان نص الاتفاق. لا أدري إن كان هذا البيان قد وزع أم لا.
وتتالت خطوات تمزيق فرع الاتحاد في الولايات المتحدة، فقد صدر باسم الهيئة التنفيذية قرار يحمل رقم 1521 وتاريخ 25 أيار/مايو 1984 يعلن تشكيل لجنة تحضيرية من سبعة أشخاص هم: أحمد خالد (رئيسا) ومحمد الرفاعي وإبراهيم أبو حجلة وأسامة نصير وقاسم الزبيدي وصبحي موسى وسامح أبو عيطة وموسى التعمري وخضر عبد الهادي. وأسندت إلي أعضاء هذه اللجنة مهام «قيادة الاتحاد والتحضير لانتخابات الوحدات وعقد المؤتمر السنوي للفرع في مدة لا تتجاوز نهاية عام 1984».
بتاريخ 25 تموز/يوليو 1984، أصدرت اللجنة التحضيرية البديلة أربعة بيانات، أحدها أرفق به قرار الهيئة التنفيذية تشكيل اللجنة التحضيرية المذكورة. البيان الثاني يعلن عـن توزيع المسؤوليات على أعضاء اللجنة التحضيرية البديلة، وعناوين بديلة لعناوين مراسلة الهيئة الإدارية المنتخبة.
والبيان الثالث يطلب من لجان الوحدات السابقة العودة إلى ممارسة مهامها. والبيان الرابع بيان إنشائي وردت فيه جملة تتحدث عن «ضرورة بعث الحياة الديموقراطية مسترشدين بالنظام الداخلي وأعراف الاتحاد النضالية»، وطبعا هذا نقيض ما حدث، فالحياة الديموقراطية في فرع الاتحاد كانت مزدهرة، وتعرضت إلى الحصار ثم الخنق، ثم جاء من فعل ذلك ليتحدث عن الحياة الديموقراطية.
يلاحظ من تواريخ الرسائل والبيانات أعلاه مرور فترة زمنية بلغت شهرين بين صدور قرار التجميد وقيام اللجنة التحضيرية البديلة بتوزيعه. ولست أدري يقينا سبب مرور كل هذا الوقت، ومن المحتمل أن قرار التجميد لم يرسل وقت صدوره، أو ظل محتفظا به ليرسل أو يهمل وفق تطورات الأمور المكلف بتنفيذها الموفد عوض.
في 28 أيلول/سبتمبر 1984 صدر تعميم إنشائي آخر عن الهيئة التحضيرية البديلة قالت فيه إنها «على استعداد لإقامة العلاقات على كافة المجالات والأنشطة المختلفة التي يقوم بها اتحادنا المناضل من أجل استمرارية هذا الفرع الذي أصابه الشلل والركود آملين أن تتلقى دعوتنا منك التأييد والتعاون».
وصدر عن أنصار حركة فتح (الانتفاضة) «بيان هام» يحمل تاريخ 5 تشرين الأول/أكتوبر 1984 تم فيه شرح خلفية ما جرى في الاتحاد حتى تاريخه. وأعلن البيان ثلاثة مواقف: 1) التمسك بشرعية الهيئة الإدارية؛ 2) عدم اعتبار الهيئة التنفيذية أو أي وفد ترسله طرفا محايدا إذا لم يتم إلغاء القرارات غير الدستورية «وعلى رأسها قرار تجميد الهيئة الإدارية، وحل الهيئة التحضيرية»؛
3) أن يكون أي إشراف للهيئة التنفيذية على أوضاع الفرع في المستقبل «بتنسيق مع الهيئة الإدارية، وليس بالقفز عنها، وبالقدر الذي يحدده الدستور».
ووجه رئيس الهيئة الإدارية المنتخبة إسماعيل عبد الرحمن رسالة تحمل تاريخ 29 تشرين الأول/أكتوبر 1984 إلى راما العبد، العضو الثاني في الوفد الذي كلفته الهيئة التنفيذية باستطلاع أوضاع الفرع، وجاء فيها:
ولفهمنا أن الوفد المرسل كان مطلوبا منه تقديم دراسة عن أوضاع الفرع للهيئة التنفيذية، فبودنا أن نسأل عن تلك الدراسة: هل قدمت أم لا؟ وإذا تم تقديمها أو تقديم تقرير أو تقارير حول المهمة، فإن الهيئة الإدارية تود أن تحصل على نسخة من الدراسة أو التقرير لأن هذا حق من حقوقها وذلك لكي يتسنى للهيئة الإدارية الدفاع عن نفسها أمام القاعدة الطلابية والهيئات القيادية في الاتحاد.
وفي تعميم موجـه مـن الهيئة الإدارية المنتخبـة يحمل تاريخ 29 تشرين الأول/أكتوبر 1984 إلى جميع الوحدات، لخص التعميم ما جرى خلال سبعة شهور، وأشار إلى الحوارات التي كانت تجري من أجل «الوصول إلى حل ينهض بعمل الاتحاد، وبما يخدم وحدة القاعدة الطلابية والعمل الوطني الديموقراطي الملتزم بالدستور واللائحة الداخلية».
ويشير هذه التعميم إلى نقطة مهمة، أشرت إلى مثلها من قبل، وهي أن «الحوارات لم تصل إلى النتائج المرجوة منها حتى الآن، وذلك لاقتصارها على ممثلي القوى السياسية وبمعزل عن القاعدة الطلابية الواسعة للاتحاد».
وأشار التعميم إلى أن الهيئة الإدارية المنتخبة اجتمعت في لوس أنجلوس قبل يوم من تاريخ التعميم، وتم الاتفاق على مجموعة من الخطوات لتنشيط الاتحاد منها استئناف إصدار مجلة «الاتحاد»، وإقامة الوحدات نشاطات في المناسبات المختلفة. وبخصوص عقد المؤتمر السنوي الرابع، أشار التعميم إلى ضعف احتمالات عقـده في نهـاية شهـر كانون الأول/ديسمبر 1984، وترجيح عقده في الأشهر الأولى من عام 1985.
= = =
- مجلة الاتحاد العدد 15 الصفحة الأولى
توثيق المقتطفات من الكتاب في الهوامش (أسلوب شيكاغو):
النسخة الورقية:
1. عدلي الهواري، اتحاد الطلبة المغدور (لندن: عود الند، 2015)، ص - -.
توثيق النقل من الموقع:
يحذف من التفاصيل أعلاه رقم الصفحة، ويضاف إليها رابط الصفحة المنقول منها.
توثيق الكتاب في قائمة المراجع:
الهواري، عدلي. اتحاد الطلبة المغدور. لندن: عود الند، 2015.
عنوان الكتاب يكتب بخط مائل أو يوضع تحته خط.
- غلاف: اتحاد الطلبة المغدور